في محافظة ريمة، تواجه مبادرات مشاريع الطرق المجتمعية تحديات فنية متعددة، مما يجعلها عرضة للخطر والتلف أثناء فصل الأمطار السنوي، وتهدّد سلامة المسافرين وتتسبّب في حوادث مرورية مأساوية. حيث قاد أبناء ريمة ثورة تنموية ملهمة بعد فترة طويلة من العزلة، ونجحوا في تنفيذ مئات المشاريع التنموية داخل محافظتهم، بتمويل ودعم ذاتي، وُصفت في وسائل الإعلام المحلية والدولية بثورة التنمية المجتمعية.
وبحسب تصريح سابق لمكتب الأشغال العامة والطرقات بالمحافظة، فقد بلغ عدد المبادرات المجتمعية في محافظة ريمة نهاية 2022، حوالي 261 مبادرة في 6 مديريات، بتكلفة تزيد على 20 مليارًا و357 مليون ريال يمني. تركزت غالبية هذه المبادرات في دعم مشاريع الطرقات داخل المحافظة.
ربطت تلك الطرقات العديدَ من القرى والمناطق المعزولة؛ مما سهّل تنقل الأُسَر وتواصلها داخل المحافظة، وتيسّر وصول الخدمات والاحتياجات إليها، كما أسهمت في إحداث تحول إيجابي، وزرع البسمة على وجوه السكان، وإعادة الحياة لتلك المناطق.
الجغرافيا المعقدة
تمثّلت التحديات الكبيرة والصعوبات الكثيرة التي واجهت عمليات شق الطرق، في تحديات التضاريس الجغرافية المعقدة للمحافظة، مثل: الجبال العالية، والصخور الصلبة، والمنحدرات الشاهقة، حيث تم العمل فيها بالأدوات التقليدية بشكل رئيسي، ومرورها بين الصخور الصلبة، وفي الجبال العالية، وعبر الجدران الساندة المرتفعة. وهو ما يمكن أن يترتب عليها مخاطر عديدة، مثل التدهور الطبيعي للطرقات، والحوادث الناجمة عن الصخور وجدران الدعم، وحوادث انزلاق السيارات، الأمر الذي ينبغي معه اتباع الإجراءات الوقائية والتقنيات الهندسية لتقليل هذه المخاطر.
غياب التخطيط والعمليات الهندسية
تنفيذ مشاريع المبادرات المجتمعية في ريمة يقوم به السكان، باستخدام أدوات بسيطة وموارد مالية محدودة، إلا أنّ هذا النهج يمكن أن يتسبب في قصور في التخطيط والتنفيذ. يشير المهندس محمد السعيدي -مهندس مدني يعمل في مكتب الأشغال العامة والطرق بمحافظة ريمة، وأشرف على عدد من المبادرات المجتمعية- في حديث لـ"خيوط"، إلى أنّ عدم الالتزام بالمواصفات، وعدم التعاون مع مختصين في الهندسة المدنية، يعتبران تحديين رئيسيين في هذا الجانب.
يمكن تحسين هذه العمليات من خلال العمل على تأهيل اللجان المجتمعية، لتكون قادرة على إدارة المشاريع المجتمعية، وتعزيز العمل المؤسسي في العمل المجتمعي، مع التركيز على تعزيز مفاهيم الشفافية والنزاهة لتقليل احتمالات الفساد وضمان أفضل استخدام للتبرعات، في سبيل تعزيز التنمية المجتمعية في محافظة ريمة.
يُعزى هذا التحدي إلى تخوف القائمين على المبادرات من التكاليف العالية للدراسات والخطط الهندسية، وعلى الرغم من تقديم العديد من الخطط والدراسات، يظهر أنها قد لا تؤخذ بعين الاعتبار أثناء التنفيذ، ويتم العمل بما يراه المقاول أو سائقو معدات الشق.
هذا الإهمال يتسبب في ظهور الأخطاء والقصور في المشاريع، والسبب الجذري لهذه المشاكل -وفقًا للسعيدي- يعود إلى جهل المجتمع بأهمية اتباع التخطيط والعمليات الهندسية في تنفيذ المشاريع المجتمعية، وضرورة الالتزام بالمواصفات والشروط لضمان جودة العمل وسلامة المستخدمين.
يضيف السعيدي أنّه مع غياب دور السلطة المحلية في تقديم الدعم الاستشاري والرقابة الفعّالة، يصبح من الضروري تعزيز وعي المجتمع بأهمية هذه العناصر وتشجيع المشاريع المجتمعية على التزام المعايير الهندسية وتحقيق أهدافها.
التحديات والمخاطر
بحسب خبراء هندسيين، فإنّ تنفيذ مشاريع الطرق بدون دراسات هندسية ورصد فني، يمكن أن يتسبّب في تحديات كبيرة، إذ قد يؤدي النقص في التخطيط والتصميم إلى مشاكل في السلامة، بينما قد يتسبب عدم مراقبة الجودة في تدهور سريع وحوادث مرورية متكررة.
وتتمثّل تلك التحديات في الطرق المجتمعية في ريمة، في الميل المفرط والمنحدرات الخطيرة في بعض الطرقات، إضافةً إلى ضيق الممرات، وغياب نظام لتصريف مياه الأمطار، وعدم توفر حماية من انهيارات الصخور، وفقًا لمصادر محلية مختصة.
ما يجعل تلك الطرق عرضة لمخاطر التلف والانهيارات خلال فصل الأمطار السنوي، ووقوع حوادث مرورية متكررة، وفقدان العديد من المسافرين حياتهم أو إصابتهم.
انعدام العمل المؤسسي
غالبًا ما يُدير المجتمع مبادراته الخاصة وينفذ مشاريعه عبر لجان مجتمعية، تم اختيارها بشكل غير منظم، مع تسييس الاختيارات والنقص في الحوكمة والبنية التنظيمية.
يتميز عمل هذه اللجان بالتسيير العشوائي والتقليدي، بدون أنظمة ولوائح أساسية تنظم الصلاحيات وتعزز مبادئ الشفافية ومكافحة الفساد. إضافة إلى ذلك، تعاني معظم هذه اللجان من نقص في الخبرة الإدارية والقدرة على تنفيذ المشاريع بكفاءة وجودة معتبرة، حسب المهندس محمد السعيدي.
كما يمكن تحسين هذه العمليات من خلال العمل على تأهيل اللجان المجتمعية لتكون قادرة على إدارة المشاريع المجتمعية، وتعزيز العمل المؤسسي في العمل المجتمعي، مع التركيز على تعزيز مفاهيم الشفافية والنزاهة لتقليل احتمالات الفساد وضمان أفضل استخدام للتبرعات في سبيل تعزيز التنمية المجتمعية في محافظة ريمة.
المواصفات والاشتراطات
تنفيذ مشاريع الطرقات الريفية، يتطلب اتباع مجموعة من المواصفات والاشتراطات العامة، والعمل بالتعاون مع مختصين في مجال الهندسة المدنية والبنية التحتية للتأكد من تطبيق أفضل الممارسات، وضمان جودة العمل وسلامة المستخدمين.
ولكي نضمن تنفيذ مشاريع الطرق بشكل فعّال ومستدام، يشدد المهندس محمد إسماعيل الأبارة -مهندس عمل مع الصندوق الاجتماعي للتنمية، بمجال الطرقات في ريمة- على ضرورة قيام مهندس التخطيط الخاص بالطريق بدراسة الميول الرأسية، التي يجب ألّا تتجاوز 12%، والحفاظ على المدرجات الزراعية والمراعي أثناء الشق، واستخدام العمالة اليدوية في هذه المناطق لتجنب التفجير بالبارود.
وفي أعمال الرصف بالأحجار، يؤكد الأبارة لـ"خيوط"، على ضرورة اعتماد أحجار صلبة، خالية من العيوب، وتنفيذ تربة زراعية بين الأحجار، ومسح وتنظيف جسم الطريق قبل الرصف، وتنفيذ أحزمة طولية وعرضية لتثبيت الأحجار، واعتماد إسمنت مقاوم وماء خالٍ من الأملاح، والتحقق من جودة المواد مثل النيس والكري. وفي الجدران الساندة، يحث على دمك الدفنيات بتربة معتمدة وتنفيذ أنابيب لتصريف المياه. ويُوصي الأبارة دائمًا بأخذ نموذج من المواصفات والاشتراطات العامة لتنفيذ هذه الأعمال وفق نموذج الصندوق الاجتماعي للتنمية.