في قصة استثنائية مليئة بالعزيمة والإصرار، حققت بطلةُ قصتنا النجاحَ واستطاعت بإرادتها تحدي الإعاقة والوقوف على منصة التخرج حاصلةً على شهادة البكالوريوس، في قسم الآداب ليسانس علوم قرآن، من الجامعة الوطنية في محافظة تعز (جنوب غربي البلاد).
احتفلت الخريجة رحمة السبئي (25 سنة) -مبتورة اليدين- بتخرجها من الجامعة، وعلى مشهد عقود الفل المنسدل على كتفيها المبتورتين، استمدت العزيمة والإصرار للوصول لهذه اللحظة، رغم كل الظروف والمعوقات.
قصة "رحمة" التي تضاف إلى كثير من قصص الكفاح والنجاح الاستثنائية للنساء اليمنيّات اللواتي غالبًا لا توقفهن الظروف، ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي التي تناقلت صور التخرج لرحمة السبئي، وميرفت الأنصاري -مبتورة القدم- كحالة باعثة للتفاؤل والآمال، خاصةً في ظروف الحرب التي تعيشها البلاد منذ سبع سنوات.
العائلة السند
كان لوالد "رحمة" الأثر البالغ في دفعها لمواجهة نفسها والمجتمع وتحدي الإعاقة، ثم المضي قدمًا نحو تحقيق النجاح. تقول رحمة لـ"خيوط": "دائمًا ما كان أبي يلفتني إلى قَبول نفسي وإعاقتي، والعيش دون خجل أو خوف من نظرة المجتمع حتى اعتادت على الإعاقة، واعتاد المجتمع المحيط عليّ كما أنا".
وقالت رحمة، إن مشوارها التعليمي محفوف بالصعوبات، مضيفةً: "واجهت الكثير من الصعوبات منذ الابتدائية، حيث درست في مدرسة الفلاح الواقعة في مديرية المسراخ قرية "إنبيان" في محافظة تعز. وقف والدي معي وكان يشجعني دائمًا، وعندما كنت أدرس كنت أنزل الأرض للكتابة بإحدى قدميّ"، وتستطرد السبئي: "كنت أقف عاجزة عندما يطلب المعلم منّا الكتابة على السبورة أو رفع الأيدي عند الإجابة وحمل الكتب وإخراجها من الحقيبة، وعندما توفِّي والدي تولى إخوتي مهمة الوقوف معي في مسيرتي التعليمية، خصوصًا أخي سليم الذي أخذ مكان أبي بعد وفاته".
تمارس السبئي حياتها بشكل طبيعي، مستخدمة رجليها لمساعدتها في ممارسة المهام اليومية، وفي كتابة ومراجعة دروسها، كاسرةً بذلك جميع الأعذار والحجج التي يعلق عليها البعض فشله
وأشار سليم السبئي، شقيق الخريجة رحمة، إلى أن أخته فاقدة لليدين منذ ولادتها، ولكن الإعاقة لم تمنعها من مواصلة طريق التعلُّم والنجاح، وتحدي إعاقتها بالوقوف شامخة على منصة التخرج مثلها مثل الشخص الطبيعي.
صعوبات وعوائق
لم تكن الإعاقة التي وُلدت بها رحمة هي العائق الوحيد أمام استكمال دراستها الجامعية، ولكنها واجهت العادات والتقاليد المتمثلة في عدم ضرورة استكمال الجامعة، لا سيما لفتاة ريفية لا تعرف عن المدينة شيئًا، ولكنها تحدت الصعاب، وكانت تسير مسافة الثلاث ساعات، متكبدة وعورة الطريق وعناء الذهاب والإياب خلال أيام الاختبارات، لافتة أنها تدرس بنظام التعليم عن بُعد.
وقالت رحمة: "كنت أتجاهل تلك النظرات والهمسات التي كانت تلاحقني دائمًا في الجامعة والشارع، بسبب إعاقتي، موجهة اهتمامي نحو هدفي المنشود، في الوقت ذاته شكلت تكاليف الدراسة المرتفعة، والتي منعتني من دراسة العلوم الإدارية أو الحاسوب، عائقًا إضافيًّا؛ لذلك لجأت لدراسة علوم القرآن بسبب انخفاض رسومه المالية وجهده الأقل".
الإعاقة ليست عذر
تمارس السبئي حياتها بشكل طبيعي، مستخدمة رجليها لمساعدتها في ممارسة المهام اليومية، وفي كتابة ومراجعة دروسها، كاسرةً بذلك جميع الأعذار والحجج التي يعلق عليها البعض فشله. وحثت رحمة الجميع، على طلب العلم والصبر والمثابرة من أجل تحقيق الأحلام، إذ لديّ قاعدة أن المعاق هو معاق العقل فقط، وما دون ذلك فهو قادر على عمل الكثير".
المثير للدهشة، أن رحمة تستخدم الملعقة لتناول الطعام والكوب لشرب الماء، كما أنها تعدّ الطعام وتقوم بالأعمال المنزلية باستخدام الرجلين، بالكفاءة ذاتها التي تقوم بها الأيدي، وأكدت: "أمارس كل مهامي بشكل طبيعي، ولكن هناك أشياء يُفترض أن تكون مهيأة للمعاقين أمثالي، كي تكون الحياه أسهل".
مدير مركز الأطراف الصناعية في تعز، منصور الوازعي، تفاعل من جهته بصور تخرج رحمة وزميلتها ميرفت الأنصاري، التي اكتظت بها وسائل التواصل ابتهاجًا بالتخرج وافتخارًا بالنجاح، ووعد عبر صفحته في الفيسبوك بتركيب أطراف صناعية لهما.
ولفت الوازعي أن عدد مبتوري الأطراف المسجلين في مركز الأطراف الصناعية في محافظة تعز، يصل إلى ما يقارب 600 مبتور طرف.
دور حكومي
وعلى الرغم من إشادة الحكومة المعترف بها دوليًّا، بتخرج الطالبتين رحمة السبئي وميرفت الأنصاري، بتفوق من الجامعة الوطنية في تعز، والتي تعد بمثابة قصة نجاح وتحدٍّ وكفاح، والتوجيه باستيعاب الفتاتين وظيفيًّا ضمن تخصص "إدارة الأعمال"، وبنظام التعاقد ابتداءً من الشهر القادم إلى حين توفير درجتين وظيفيتين، إلا أن رحمة السبئي ترى أن دور الحكومة غير ملموس؛ إذ لم تقدم لها شيئًا يذكر حتى الآن، مطالِبة الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الوقوف معها في إيصال صوتها إلى المعنيين وتحقيق ما تبقى من أحلامها، لا سيما أن الظروف المادية صعبة.
أحلام مؤجلة
تحلم رحمة السبئي أن يكون لديها وظيفة حكومية، أو أن تملك مشروعًا خاصًّا تستطيع من خلاله استكمال مسيرتها التعليمية.
هذا ويواجه الأشخاص ذوو الإعاقة الإقصاء وعدم المساواة والعنف، الناتج عن الفشل الممنهج للسلطات اليمنية والمنظمات الإنسانية والدول المانحة في ضمان وحماية حقوق هذه الفئة، وفق تقرير لمنظمة العفو الدولية.
وفق تقرير العفو الدولية، تصل نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة إلى 15% من إجمالي السكان في اليمن، المقدر عددهم بنحو 30 مليون نسمة؛ أي ما يقارب 4.5 مليون معاق، وَفقَ تقرير منظمة العفو.
وحسب التقرير، فقد أدى النزاع إلى زيادة إفقار الأشخاص ذوي الإعاقة، ونتج عنه فقدانهم التام لدعم الضمان الاجتماعي المحدود الذي كانوا قد حصلوا عليه فيما مضى، كما أن الأشخاص ذوي الإعاقة لم يتمكنوا من الوصول إلى المعلومات المتعلقة بمنع فيروس "كوفيد-19" والوقاية منه، لافتًا إلى أنه لم يتم جمع بيانات محددة، خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة لتحديد حجم المشكلة من قبل الجهات المعنية في اليمن.