رضية إحسان الله، قلم نسائي جريء، استخدمته هذه المناضلة سلاحًا للمقاومة الوطنية ضد الإدارة البريطانية الحاكمة وقتها لعدن. كما كان هذا القلم أداة تغيير اجتماعي لكل المواقف المعارضة لحقوق المرأة في ذلك الوقت المبكر عند الحديث عن هذه الحقوق. وعلى الرغم من غزارة عطائها المنشورة في الصحف العدنية الصادرة في تلك الفترة (1937-1967)، إلا أن رضية إحسان قد امتد بها هذا النضال حتى عام 1995، وذلك بصدور كتابها الموسوم "عدن الخالدة ميناء عالمي حر"، بعد الحرب الغاشمة على عدن في عام 1994، بكل ما تركته هذه الحرب على عدن من وجع استدام في أوساطها ولم يغادر.
قدمت رضية إحسان الله نفسها في الأوساط الإعلامية والاجتماعية قلمًا متأثرًا بالتحولات الوطنية في عدن، المتصلة بالنهوض الوطني الملحوظ في المدينة منذ عام 1949، وذلك بتأسيس الجمعية الإسلامية والجمعية العدنية ورابطة أبناء الجنوب العربي. وبانتصاف القرن العشرين كانت الحركة العمالية قد تشكلت في أطرها النقابية. وفي عام 1962 كان إضراب كلية البنات في خورمكسر قد حدد للمرأة موقعًا رائدًا متقدمًا في خارطة المعارضة السياسة للإدارة البريطانية لعدن. وشكل هذا الإضراب منطلقًا للفتيات لاتخاذ مواقعها في صفوف العمل السياسي الذي تلاحق ظهوره، وذلك بتأسيس حزب الشعب الاشتراكي والجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل.
وفي تأثير لا يغفل، كان جمال عبدالناصر ملهمًا لهذه السيدة مثلما كان تأثيره السياسي الكبير على كل نساء عدن ورجالها، بصورة لا يمكن أن تنكرها الذاكرة التاريخية لهذه المدينة. وفي خضم هذه المؤثرات المتدافعة برزت رضية إحسان مستجيبة لذلك الواقع الوطني والعربي بأبعاده القومية المعادية للاستعمار والداعية للتحرر وتأسيس الأنظمة التحررية والوحدة العربية. ولعلنا من خلال هذا التأطير لكتابات رضية إحسان، نقف على ماهية هذا الخطاب الذي سطره لنا قلمها، حتى نخوض في أعماقه الذي قدم لنا خطابًا نسائيًّا مبكرًا بأبعاد سياسية تتصل بمحيطيه الوطني والعربي، بصورة فرض نفسه في سنوات منتصف القرن العشرين.
حملت رضية إحسان قضايا المرأة العدنية في سنوات ملتهبة من تاريخ عدن. فقد كان الأهالي يخوضون مخرجات الريادة في تعليم البنات، الذي بدأت معطياته تتشكل على أرض الواقع بكل ملامحه المتمثلة بالخروج إلى ميدان العمل، والنشاط السياسي والاجتماعي، والتحرر من الحجاب. فقد شكلت كتابات رضية في هذا الاتجاه أرضية جديدة ميزت نهجها عما سبقها أو عاصرها من أقلام نسائية عدنية. وفي الاتجاه ذاته تبلورت كتاباتها في توصيل صوت النساء إلى المجتمع. كما أصبحت الصحف الأهلية منبرًا سياسيًّا لرضية إحسان، بعد أن عزّ حضور النساء في المنتديات السياسية والثقافية الذكورية.
برزت رضية إحسان قلمًا صحفيًّا نسائيًّا جريئًا تمتلك النهج السياسي في استئصال العيوب المجتمعية، وقدمت نفسها للمجتمع خطابًا نسائيًّا متمكنًا في مواجهة الأطروحات الذكورية
وفي تناولها لقضايا المرأة انتهجت رضية إحسان أسلوب الكتابة والرد وإثارة النقاش من خلال صفحات الصحف الأهلية، في نقاش موزون مع الأقلام الذكورية من المعارضين لأطروحاتها الخاصة بالقضايا الوطنية وحقوق المرأة. وفي ذلك الجدل الإعلامي لرضية إحسان مع بعض الرجال استخدمت الحجج الدينية والتاريخية في عرض ردودها تأكيدًا على أحقية مطالبها. وفي موضوع آخر نبشت رضية إحسان في عيوب المجتمع العدني، وحملت من خلال مقالاتها الدعوة الصريحة للنساء بالثورة على أوضاعهم. وعلقت مشكلات المجتمع على شماعة تهميش الحضور النسائي في البيت والمجتمع وتسيّد الرجل في قيادتها. ومن خلال مقالاتها برزت رضية قلمًا صحفيًّا نسائيًّا جريئًا تمتلك النهج السياسي في استئصال العيوب المجتمعية. وقدمت رضية نفسها للمجتمع خطابًا نسائيًّا متمكنًا في مواجهة الأطروحات الذكورية التي كانت تتجاذبها ملامح المعارضة، وفي أحيان أخرى صفة السكوت في تحديد الموقف من الخطاب النسائي الماثل وقتها على الساحة.
ونحن نغوص في أطروحات رضية إحسان، لا يمكننا تجاهل مضمون الخطاب الذي ترفعه، وأبعاده المرتكزة على الحق الإنساني المتساوي للمرأة والرجل. فقد استوعبت رضية حقوق المواطنة المتساوية للرجل والمرأة. ونلمس ذلك في مضمون مقالاتها المرتكزة أساسًا على المطالبة بالحرية السياسية للجنسين. وفي إحدى مقالاتها اختزلت المعاناة المتساوية للرجل والمرأة في المصائب الاجتماعية. وجاء مقالها "غاياتنا سعادة الإنسان والمطالبة بالحرية للرجل والمرأة؛ كلاهما أسيران للجهل والتقاليد" تشخيصًا دقيقًا على المعاناة الواحدة للطرفين، كما حددت أسباب تلك المعاناة. واعتبرت رضية هذه الدعوة أساس المعالجة الصحيحة لقضية الإنسان، التي تمثل جوهر القضية المجتمعية. وفي الاتجاه نفسه نادت رضية النساء بالثورة على أوضاعهن؛ لأن "صلاح المرأة هو الطريق لإصلاح المجتمع، وثورة النساء على هذا الواقع ثورة إنسانية وانتفاضة إصلاحٍ لها من أجل الإنسان، رجلًا وامرأة".
وفي مقال آخر برزت رضية داعية للحق السياسي العام للرجل والمرأة، وهي رؤية مبكرة للمطالبة السياسية. فقد تمثلت هذه الدعوة "بالإيمان بحرية المعتقد، النابعة من الإيمان بحق المواطن برفع الشعارات السياسية وفق ما يريد، واعتناق من المذاهب الفكرية ما يريد". وترى في هذا الطرح "أن إيمان الفرد بمذاهب رأسمالية أو اشتراكية لا تعطي معتنقها حق محاربة الآخرين في معتقداتهم واتجاهاتهم". وتنتقل رضية في هذا النهج إلى تهذيب المجتمع بشكل عام، وتدريبهم على تقبل الآخر.
اختزلت رضية إحسان مشكلة المرأة والرجل بقولها: "لا يخاف من المرأة، إلاّ الرجل الضعيف"، ودعت المجتمع إلى دعم الحضور الوطني لكليهما. وبهذا التوصيف أخرجت رضية قضية المرأة من إطارها المحدود إلى فضاء وطني أوسع يشمل المرأة والرجل
والقارئ في سطور مقال آخر لرضية إحسان، يرى تداخلًا في الموقف المجتمعي من المرأة. ففي الوقت الذي تصارع المرأة من أجل حريتها الاجتماعية فإن المجتمع ذاته يطالبها بتحمل المسؤولية في إصلاح المجتمع. ويتمثل الشق الأول في رؤية المجتمع لها كائنًا قاصرًا له آثار سلبية في المجتمع، بل ويحملها أوزار ذلك الوضع. فيما يتحدد الشق الثاني بمطالبة المجتمع للمرأة بإصلاح الأحوال العامة للأهالي.
لم تكن المرأة مكبلة بالعادات والتقاليد، لكنها كانت أسيرة الضوابط الرسمية للسلطة البريطانية الحاكمة لعدن وقتها. فقد اتخذت هذه السلطات موقفًا معارضًا للمشاركة العامة للمرأة العدنية العاملة، تمثل بحرمانها من حق المشاركة في النشاط الوطني، وحضور الاجتماعات الوطنية والثقافية. وقد تمكنت رضية إحسان تصوير واقع المرأة، التي تتجاذبها تيارات سلبية مختلفة. ولم تكن رضية إحسان قادرة على استيعاب هذا الواقع ما لم تكن هي ذاتها قد حملت لواء الدفاع عن قضية المرأة منذ وقت مبكر. وتسارعت خطواتها بكل ما أوتيت من إيمان بهذه القضية، حتى ملكت بجهودها مكامن البحث والدراسة لواقع النساء وتسلحت بعمق الرؤية لمستقبل المرأة العدنية.
وتذهب كتابات رضية باتجاه بعد آخر في توصيف علاقة قضايا المرأة بالقضية الوطنية، كإنسان يريد السعادة والحياة والعمل والشعور بكرامته ويؤدي واجبه، فتعالوا نعمل من أجل الوطن للكل لا أن نكتب نقدًا من منازلنا، تعالوا ننظر إلى مشكلة الوطن على أنها مشكلة رجل وامرأة". لقد شكلت هذه الرؤية جوهر كتابات رضية إحسان، إذ إنها لم تفصل المرأة عن الرجل، بل جعلت مشكلتهما مرهونة بقضية الوطن.
وفي اتجاه آخر اختزلت رضية مشكلة المرأة والرجل بقولها: "لا يخاف من المرأة، إلاّ الرجل الضعيف"، داعية المجتمع إلى دعم الحضور الوطني في المجتمع لكليهما. وما دام الوطن مسلوبة حريته فإن حرية المرأة والرجل مرهونة بالتحرر الوطني. وبهذا التوصيف أخرجت رضية قضية المرأة من إطارها المحدود إلى فضاء وطني أوسع يشمل المرأة والرجل. واعتبر مؤيدو هذا المقال من رضية إحسان، دعوة إلى اعتماد فهم جديد لقضية المرأة، يستند على حق المواطنة المتساوية للجنسين.