ما يمكن قوله عن قصة الكاتب والصحافي صقر الصنيدي المعنونة بـ: "رحلة رأفت.. كل وعود الطرق كاذبة":
أنّ عددًا قليلًا من الشبّان اليمنيين تمكّنوا من قطع المسافات الطويلة، بداية من اليمن، والوصول إلى أقرب نقطة توصلهم أوروبا، حيث يقيم حلم الهجرة الجميل، ثم الوصول إلى بقعة الحلم ذاتها (أوروبا)، من بينهم شاب اسمه "رأفت"، طارد حلمًا إلى بلاد مسيَّجة في الشمال البارد، قبل أن تنتقل الرحلة إلى صفحات قصة حملت عنوان "رحلة رأفت"، صدرت عن دار عناوين بوكس للنشر 2023، وتُعرض منذ أيام قليلة في جناح الدار بمعرض القاهرة للكتاب، الذي افتُتِح الأربعاء 25 يناير 2023.
القصة تطرق واحدة من المشاكل العصرية التي يتعرّض لها اليمنيّ أثناء مغامرته للخروج من وطن هتكته الحرب، إلى وطنٍ بديل مشتهى، غير أنّ الوطن الجديد في كل مرة يكون محاطًا بحدود شديدة الإغلاق في وجه كلِّ من يريد الوصول إليه بطرق غير شرعية. كثيرون حاولوا الوصول ولقوا حتفهم، وقليلًا نجوا بصعوبة وفضّلوا البقاء في أماكن قريبة، لتجريب محاولة أخرى في العبور، غير أنّ وعود الأمل تبقى كاذبة على الدوام.
تحاول الشخصية الرئيسية في الكتاب "رأفت" الوصول إلى ما تعتبره حلم الحياة، في رحلة استغرقت خمسة أشهر مستخدمة فيها أداوت بسيطة للتنقل، وفي الطريق يتحوّل الحلم إلى كابوس، ثم يستعيد رونقه في ذهن البطل قبل أن يفقده مجدّدًا وهكذا.
تثير الشخصية الرئيسية سؤالًا جوهريًّا حول مدى واقعيتها إلى حدِّ اليقين، وفي كل مرة تعود الشكوك مجدّدًا حول هذه الواقعية وتعييناتها، غير أنّ الثابت هو طريق الحلم ومخاطره.
رحلة رأفت، من السرديات القليلة إلى جانب كتابات حبيب عبدالرب سروري التي تُبرز تجربة رحلة اليمنيين إلى أوروبا في زمن الحرب، بعد أن وثّقت رحلاتهم إلى آسيا قبل مئة عام كتابات الراحل أحمد عبدالله السقاف في روايته "فتاة قاروت"، وإلى أفريقيا قبل سبعين عامًا كتابات الرائد محمد أحمد عبدالولي في "يموتون غرباء" وغيرها من النصوص القصصية، وإلى أمريكا مطلع الألفية الجديدة كتابات عبدالناصر مجلي في رواية "رجال الثلج" و"أشياء خاصة"، التي "نقلت صوت المهاجرين الجدد إلى أمريكا، والباحثين عن قيمتهم الوجودية بعيدًا عن محمولات تواريخ ما قبل الهجرة في الوطن المُهاجَر منه، كاليمن.
قصة "رحلة رأفت"، تُعَدّ الإصدار الأول للكاتب صقر الصنيدي المتخرّج من كلية إعلام جامعة صنعاء عام 2007، وقبلها كان قد بدأ الكتابة في الصحافة اليمنية منذ العام 1999، وامتازت كتاباته طيلة رحلته المهنية بلغة سردية طرية، تُزاوج بين المعلومة الصحافية شديدة الوضوح والجملة الأدبية المكتنزة.
تتحوّل الأفكار البسيطة والمعلومات العابرة في كتابة صقر إلى مادة متماسكة وسهلة الوصول إلى قارئ يحاصره الكاتب بمكان مألوف، حتى وإن لم يزره أو يسمع به، والوجوه التي يعيد رسمها إلى أصدقاء حميميين، والأفعال التي تلازمت بها إلى حكايات مدهشة.
