خصخصة الخدمات العامة

حين يدفع المواطن ثمن حقه في المنافع
محمد شمسان
June 29, 2024

خصخصة الخدمات العامة

حين يدفع المواطن ثمن حقه في المنافع
محمد شمسان
June 29, 2024
الصورة لـ: حمزة مصطفى - خيوط

برزت في سنوات الحرب الأخيرة، العديدُ من الأعباء التي أثقلت كاهل المواطن وجعلته يعاني من صعوبة العيش ومرارة الحياة؛ بسبب استثمار الخدمات العامة من قبل القطاع الخاص، الذي بات يفرض رسومًا خيالية مقابل توفير هذه الخدمات، التي تفوق بكثير قدرات وإمكانات المواطنين المادية، في ظل انقطاع المرتبات، وانعدام فرص العمل. 

المؤكّد أنّ توفير الخدمات العامة للمواطنين، من: تعليم، وتطبيب، وكهرباء، ومياه وصرف صحي، وشق وتعبيد الطرق، وإنارة الشوارع والأحياء السكنية، وخدمات الاتصالات والإنترنت، وغيرها، في كل دول العالم هي مسؤولية الدولة، وتقدَّم عبر مؤسسات متخصصة، وفي الغالب تكون هذه الخدمات مجانية أو برسوم رمزية تُدفع لتلك المؤسسات وبسندات قبض رسمية، ويتم توظيف عائدات هذه الرسوم في تحسين وتطوير مستوى وجودة هذه الخدمات، وضمان استمرارها ووصولها لكل السكان، وفي مختلف المناطق التي تقع تحت سيطرة الدولة. أما الدول التي حررت الخدمات العامة (خصخصتها)، فإنها لا تتخلى عن واجباتها في الرقابة على جودة الخدمات ومعقولية أسعارها، والأهمّ تنظيم شبكات ضمان مختلفة للمواطنين (صناديق التقاعد والبطالة والتأمين الصحي) لتعويض السكان.

بين الوظائف والمنافع 

من المؤشرات الحقيقة التي تعتمد عليها مراكز الأبحاث والدراسات لتقييم مستوى الدول ومدى قوتها وقدراتها وفاعليتها، يأتي موضوع جودة مستوى الخدمات العامة التي تقدّمها لمواطنيها، ومستوى التطور الذي وصلت إليه هذه الخدمات. وهذا ما يجعلنا -المواطنين- نشعر بأهمية الحاجة لوجود دولة بمفهومها العام المتعارف عليه، وليس بمفهوم سلطات الأمر الواقع التي تتقاسم الأرض وتتصارع على ثرواتها والاستحواذ على خيراتها.

بعد أشهر قليلة من حرب صيف 1994، بدأت السلطة بخصخصة الكثير من المؤسسات الخدمية العامة التابعة للدولة، وتم تحويل تلك الخدمات إلى مجالات استثمارية خاصة، وجعلت مِن دخل المواطن هدفًا للكسب والتربح، دون مراعاة لظروفه وإمكاناته المادية وحجم دخله اليومي أو الشهري، بعد أن أُجبر على ضرورة التعامل مع هذه الجهات الاستثمارية للحصول على الخدمات الأساسية المتعلقة بحياته وحياة أسرته التي يعولها، كان من أبرزها قطاعات الصحة والتعليم والخدمات العامة الأخرى، كالكهرباء والمياه، وقد كان لهذه الإجراءات المتنوعة التي اتخذتها حكومات ما قبل 2011، تأثيرٌ بالغ في تهديد الحياة المعيشية لأغلب المواطنين من الموظفين، ومن ذوي الدخل المحدود والأُسر الفقيرة والمتوسطة، حيث فتحت هذه الإجراءات أبوابًا جديدة للصرف والإنفاق، دون أن يصاحبها إجراءات لتحسين الدخل ورفع الأجور بالقدر الذي يتناسب مع الحاجة إلى هذه الخدمات.

وخلال سنوات الأزمة والحرب، تضاعفت معاناة اليمنيين بعد أن توقفت الكثير من المؤسسات العامة عن تقديم خدماتها للمواطنين، وظلّ المواطن خلال الثلاثة الأعوام الأولى من الحرب يتحمّل عناء ومشقة الحصول على هذه الخدمات، ويدفع مقابل استمرارها الكثيرَ من الأموال، التي تصل أحيانًا إلى أضعاف دخله وقدراته المادية. وخلال الأعوام الخمسة الماضية، دخلت عددٌ من الخدمات العامة مجالَ الاستثمار الخاص بعد أن توقّفت الدولة عن تقديمها للمواطنين، وأصبحت قطاعات استثمارية، وكلها أضافت أعباء جديدة على كاهل المواطن، وتسهم في استنزاف دخله وموارده الإضافية إن وجدت، وفي الغالب يكون الإنفاق على هذه الخدمات على حساب أشياء أخرى ضرورية، يتوقف المواطن عن توفيرها لأسرته، بهدف سدّ وتغطية نفقات تلك الخدمات. 

وكما هو معروف للجميع، فقد تم إضعاف دور المؤسسات الخدمية الحكومية، ربما بشكل متعمد؛ لكي يتوسع مجال الاستثمار للقطاع الخاص في تقديم خدماته وبكلفة خيالية، حتى إنّ الخدمات العامة التي تقدّمها قطاعات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء صارت تُدار من قبل متعهدين متعاقَد معهم من متنفّذي السلطة لتقديم الخدمة بمقابل مادي عبر ممتلكات ووسائل عامة دون أن تذهب عوائدها إلى الخزانة العامة.

كيف لمواطن منقطعة مرتباته ومنعدمة أمامه فرص العمل ومصادر الدخل، أن يكون قادرًا على تدبير هذه النفقات إلى جانب مسؤوليته التي تحتم عليه توفير ثمن السكن والطعام ومتطلبات المعيشة لأفراد الأسرة مع استمرار الأزمة السياسية والصراع بين الفرقاء الذين يسعون لتحقيق مصالحهم وأطماعهم على حساب مصالح الجميع.

خدمات تتجنب أصحابها

بدأ دور المؤسسات الصحية العامة يتراجع مع دخول القطاع الخاص مجال هذه الخدمة العامة، ومع الوقت صارت هذه المؤسسات تسهّل عمل القطاع الخاص بتعطيلها جميع المنافع التي يحتاجها المواطن البسيط في عياداتها، مع إصرار القائمين عليها والعاملين بها، على إلزام المريض إجراءَ الفحوصات والكشّافة والأشعّة التي يحتاجها لتشخيص حالته خارج المستشفى أو المرفق الصحي، وتحديدًا في العيادات والمراكز الخاصة، وعادة ما ينصح أكثر الأطباء والإداريين والفنيين، المرضى الذين يصلون إلى المرفق العام ويحتاجون تدخلات عاجلة، مثل عملية جراحية أو تشخيص دقيق لحالته، بأن يذهبوا إلى عيادة خاصة؛ لأنّ فيها طبيب ماهر قادر على حل مشكلته.

خلال أوقات الدوام الرسمي، قد لا تجد الطبيب أو المختص الذي تقصده من زيارتك للمرفق الصحي الحكومي؛ بسبب ارتباطه بعمل خاص إضافي في مرفق خاص، وربما للظروف المعيشية مبرراتُها في ذلك؛ كون الطبيب والموظف الحكومي يحتاج أيضًا إلى مصدر دخل ليعول أسرته، في ظل الوضع الذي نعيشه بسبب الصراع، كما أنّ الأمر يتعلق أيضًا بعدم توفر أدوات وأجهزة طبية داخل المؤسسات الحكومية، فعند إسعافك مريضًا بحاجة للتدخلات الأولية لتسكين حالته، فأول إجراء تقوم به قطعُ فاتورة معاينة الطبيب، ثم يطلب منك شراء الإبر والمغذيات والأدوية الأولية من خارج المستشفى، وهذا كله من مؤشرات الإهمال المتعمد لدور هذه المرافق، وتقديم دُور القطاع الخاص كمنقذ للمريض، التي يكون فيها معظم الحالات المرَضية غير قادرة على تحمّل نفقات وتكاليف تلقّي العلاج داخل مؤسسات ومرافق القطاع الخاص.

وفي قطاع التعليم، الكثير من الروايات والقصص والمعاناة التي يتجرع مرارتها الآباء بعد أن فقدت المؤسسات التعليمية الحكومية دورها الريادي في تعليم وتهذيب الأبناء، فغياب المدرسين المتخصصين واستبدالهم بمتطوعين، وانعدام الأدوات والوسائل التعليمية في الكثير من المؤسسات الحكومية المختصة، تُجبر أولياء الأمور على تسجيل أبنائهم في المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة، وهنا تكمن المصيبة في تحويل هذا القطاع إلى مجال للاستثمار وكسب المال، وتكون الغاية في الغالب لدى القائمين على المؤسسات التعليمية الخاصة، تغطيةَ النفقات وتحقيق أرباح على حساب المضمون؛ المحصلة العلمية والمعرفية للطالب، التي غالبًا ما تكون أقل من المستوى المطلوب.

ومجال الكهرباء والطاقة والمياه، طالَه الاستثمار الخاص في السنوات الأخيرة، بعد أن توقفت الجهات الحكومية المختصة عن توفير الخدمة للمواطنين؛ بسبب الصراعات بين الفرقاء السياسيين، وجاء القطاع الخاص كمنقذ للمواطن بتوفير هذه الخدمة، التي تتضاعف رسومها عشرات المرات عمّا كان يُدفع للمؤسسات الحكومية. وبرغم ذلك، توسع الاستثمار في هذا الجانب ليغطي معظم محافظات ومناطق الجمهورية، التي يضطر معها المواطن إلى تحمل تكاليف إضافية مرتفعة؛ نظرًا لحاجته الماسة لهذه الخدمة، بعد أن تطورت الحياة وأصبحت الطاقة الكهربائية مصدرًا أساسيًّا لتشغيل الكثير من الأجهزة التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية. 

أخيرًا، كيف للمواطن المنقطعة مرتباته من سنوات، والمنعدمة أمامه فرص العمل ومصادر الدخل، أن يكون قادرًا على تدبير هذه النفقات إلى جانب مسؤوليته التي تحتّم عليه توفير ثمن السكن والطعام ومتطلبات المعيشة لأفراد الأسرة مع استمرار الأزمة السياسية والصراع بين الفرقاء الذين يسعون لتحقيق مصالحهم وأطماعهم على حساب مصالح الجميع.

•••
محمد شمسان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English