كيف تُنجز مشروعك في عالم اليوم؟

أفكار أولية حول أهم المُتطلبات الإنشائية والتأسيسية والتشغيلية
عبدالرشيد الفقيه
June 27, 2024

كيف تُنجز مشروعك في عالم اليوم؟

أفكار أولية حول أهم المُتطلبات الإنشائية والتأسيسية والتشغيلية
عبدالرشيد الفقيه
June 27, 2024
.الصورة لـ: محمد زيد الصلوي- خيوط

طيلة العقود السابقة من أعمارنا، كانت أهم مُتطلبات تأسيس مشروعٍ جديد، بغضّ النظر عن نوعه ومجاله، تتمثل بجُملة من المُتطلّبات المادية، أهمّها: توفير رأس مال، يُغطي الكلفة الإنشائية والتأسيسية والتشغيلية، مع تأمين الضمار والسيولة، ومكان في موقع حيوي، وتجهيزات، ومخازن، وتراخيص ورسوم وتسهيلات، ومُخصصات اعتماد وتأمين، ومُخصصات إهلاك ومخاطر، وغيرها من المُتطلبات الكثيرة، ثم تأتي بعد ذلك بقية المُتطلبات الأخرى.

وخلافًا لذلك، فإنّ أهم متطلبات تأسيس مشروعٍ خاص في وقتنا الحالي، تتمثل بجُملة من المهارات والمعارف والقِيم والتصورات المعنوية، التي يُمكن لأيّ شخصٍ امتلاكُها واكتسابها، ذاتيًّا، خارج قاعات الجامعات والأكاديميات والمعاهد، أهمّها: امتلاك فِكرة وازنة، وأكثر من قيمة مُضافة لأكثر من ميزة تنافسية، ورؤية واسعة النطاق، والإيمان والتضحية وروح المُجازفة، والخيال الواسع، ومنظومة القيم، والقيادة والمبادرة والإدارة، والشغف، والدوافع القوية، ووعي وفهم ومعرفة، والتكتيكات والاستراتيجيات، ومُطالعة متواصلة للمستجدات في المجال وفي البيئة الخارجية للنشاط، وتصور لبناء العلامة والهُوية، ودفاتر مُلاحظات غير قابلة للتلف، وخُطط وتصورات هيكلية وبنيوية وعملياتية، وقائمة من الأهداف قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، وحُزمة من الخطط البديلة (أ، ب، ج، د، ...)، وتصورات منافذ الدخول والخروج، ومسارات وخطوط الحركة، وفائض جُهد ومثابرة وتصميم، وقُدرة على تحمل وامتصاص الصدمات، ومرونة، وقُدرة على المناورة، واستعدادٌ عالٍ للتعلُّم من الأخطاء، ولياقة عالية، والانفتاح والاستعداد للتصويب، ووجود قائمة نماذج رائدة، ووجود قائمة نماذج فاشلة، واكتساب مهارات المُحاكاة مع تجنّب النسخ، وقُدرة على تقصي وإدراك وفهم حقائق المُشكلات، والتفريق بين المؤشرات والمعلومات والحقائق والوثائق وبين الانطباعات والاستنتاجات والتفسيرات، وقدرة عالية على ابتكار الحلول والمعالجات وخلق الخيارات، والقدرة على ترتيب الأولويات، وإدارة الوقت والمهام والعمليات والفِرَق، واستثمار الموارد غير المادية المتوفرة، والقليل من علوم الحرب ونظريات التغيير وأساسيات اكتساب مهارة ابتلاع الضفادع، ومهارات إدارة الهزائم الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، بروحية قائمة على تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة، وسجلّ جيد للدروس المُستفادة من كُل المُحاولات، والاستعداد للفشل، والاستعداد للبَدء من جديد.

إنّ شركة أوبر وشركة ميتا وشركة أمازون وشركة علي بابا وشركة ألفابت المالكة لجوجل وشركة مايكروسوفت، وغيرها العشرات من الشركات والمشاريع والعلامات التجارية العملاقة في عالم اليوم، تأسّست على جُملة من الأفكار والتصورات الخلّاقة والوازنة، وما زالت حياتنا موعودة بعدد لا يُحصى من الأفكار والتصورات والمشاريع والفُتوحات الخلّاقة والمُبهرة.

وإذا ما استعرضنا جُملةً من المشاريع العِملاقة الرائدة في عالم اليوم، التي تتصدر قوائم العلامات الأعلى قيمةً على مستوى العالم، فإنّ الأغلب الأعم منها تأسّست على قوة الفِكرة، وعلى جُملة من الأفكار والتصورات الوازِنة، هي كُلّ (رأس مالها) التأسيسي والإنشائي والتشغيلي، وكُل (أصولها الثابتة والمنقولة والسائلة)، وأن كل قيمتها السوقية الباهظة وقيمة أسهمها وأصولها الثابتة والمنقولة والسائلة، هي حصيلة أرباحها التي جنتها من عائدات تلك الأفكار والتصورات، في ظرف سنوات لا تتجاوز العقد الواحد، تجاوزت خلالها كل الشركات العريقة ذات الأصول المادية والنقدية الثابتة والمنقولة والسائلة الهائلة، التي راكمتها على مدى نحو قرن كامل على الأقل من عمرها.

إنّ شركة أوبر وشركة ميتا وشركة أمازون وشركة علي بابا وشركة ألفابت المالكة لجوجل وشركة مايكروسوفت، وغيرها العشرات من الشركات والمشاريع والعلامات التجارية العملاقة في عالم اليوم، تأسّست على جُملة من الأفكار والتصورات الخلّاقة والوازنة، وما زالت حياتنا موعودة بعدد لا يُحصى من الأفكار والتصورات والمشاريع والفُتوحات الخلّاقة والمُبهرة.

ولتقريب الصورة، حول أهمية تلك المُتطلبات غير المادية، بصفتها أساسًا لمشاريع اليوم، أُشارك معكم هذه الحكاية القصيرة، من طفولة سُقراط؛ حيثُ سأل سقراط والدَه الذي كان صانعَ تماثيل بارعًا: "كيف تصنع من الحجر الصلب أسدًا؟"، فأجابه والده: "إني أرى الأسد كامنًا في الحجر ينتظرني أن أحرّره، فأعمل على تحريره من ذلك الحجر بعقلي لا بعُدّتي وإزميلي ومطرقتي وحسب، فأتحاشى وقتئذٍ خدش عيونه، ورموشه، ووجهه، وملامحه، وتفاصيل هيئته، وكل جزء منه".

إنّ دلالات تلك الإجابة الموجزة لوالد سقراط، لا تتوقف عند تأكيد أهمية الخيال والأفكار والرؤى والتصورات، لحياتنا المعيشة في الواقع، وعلى تجاربنا الشخصية والمهنية، وعلى مشاريعنا العامة والخاصة المُختلفة، بل أبعد من ذلك، فإن دلالاتها تضيء لنا على حقيقة بالغة الأهمية، مفادُها: أنّ حياتنا وإنجازاتنا اليوم، هي في الحقيقة تصوراتنا ورؤانا لها بالأمس، وأنّ حياتنا في المستقبل، في أحلامنا وتطلعاتنا وتصوراتنا وأفكارنا ورؤانا، اليومَ، تمامًا كما مُجسم ذلك الأسد المنحوت من الحجر. لذا، يتوجب علينا بناء تصوراتنا ورؤانا وأحلامنا وأفكارنا، ورسم مشاريعنا، في أذهاننا وعقولنا، بعناية فائقة، ثُم بَدء النحت، بجهد ومثابرة وتصميم، حتى نعيشها مُستقبلًا في الواقع، تمامًا كما يفعل المهندسون المُعماريون، حيث يبدَؤُون بتصور المباني العِملاقة في أذهانهم، بكل الحسابات العلمية والهندسية الدقيقة، ثم يقومون برسمها، ثُمّ يشيدونها لنُشاهدها بتلك الصورة المُذهلة.

•••
عبدالرشيد الفقيه

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English