تقف الذكريات جسرًا بين الماضي والحاضر، وفي هذا الوقوف، تتشكل الأيام في سياق مرتبط بين الزمان والمكان، وبين خيوط الأحداث المرتبطة بعضها ببعض.
رصيف السياح، وكما عُرِف عند بنائه برصيف "أمير ويلز"، في مدينة التواهي، أحدُ هذه الشواهد. هذا الرصيف، الذي بُني في 1919، إبان الاستعمار الإنجليزي في عدن، بهدف استقبال السياح من شتى أنحاء العالم، والذين صاروا يرغبون بزيارة هذه المدينة التي تعددت ألوانها وأطيافها، وأصبحت مركزًا تجاريًّا مهمًّا بين إنكلترا والهند.
بعد فترة من الزمن أصبح الرصيف أحد أدوات الجذب لليخوت السياحية، وكانت الخدمات في الرصيف تتجاوز نقل السياح فقط من البحر إلى البر، بل أصبح مكانًا لتزويد المؤن ورسو اليخوت على نقطة عمقها 4 أمتار بمحاذاته.
عند القيام بجولة بمحاذاة الرصيف تجد كيف يسحرك البحر بلونه، وتصيخ السمع قليلًا لتسمع أصوات آلاف من مختلف الثقافات مرّوا من هنا، وترى اليخوت تتهادى مع الموج الخفيف يمينًا ويسارًا، كأنها تترنم بموسيقى جاءت حاملة بعضًا من الأحداث لمدينة عرفت العواصف كثيرًا في صفحات التاريخ الحديث.
في زيارة قامت بها "خيوط" إلى الرصيف، وجدت أن مجاري الصرف الصحي لمدينة التواهي صارت تفرغ إلى البحيرة في يمين الرصيف، دون أي معالجة؛ الأمر الذي سيؤثر بشكل سلبي على الحياة البحرية وعلى نقاء الهواء هناك
يحكي لـ"خيوط" عمر سالم، وهو أحد قاطني مدينة التواهي عن رصيف السياح قائلًا: "كان هذا الرصيف، والذي يقارب عمره القرن تقريبًا، مَعبرًا لمرور الكثير من السياح، فقد كانت هذه المدينة دومًا تفتح قلبها لكل الساعين إليها، رغم ما عانته من أزمات إلا أن هذه المدينة ظلت أُمًّا تحضن الجميع".
ويقول سالم، إنه في هذا الرصيف نطقت مدينة عدن لغة ترحيبية لكل من زارها محبًّا وشغوفًا بالمدينة، التي كانت شكلًا من أشكال التعايش المبهر على مستوى أصقاع العالم.
أحداث ساخنة
يشير عمر سالم، إلى إحدى الحوادث المأساوية التي حدثت في مطلع الألفية الجديدة والتي يعرفها الجميع، فقبل منتصف نهار الـ12 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2000، ذُعر عمال رصيف السياح وسكان مدينة التواهي على إثر انفجار ضخم، تسبب به أحد القوارب الصغيرة، الذي قام بعملية انتحارية هاجم فيها الناقلة العسكرية الأمريكية USS Cole التي كانت راسية قرب ميناء عدن للتزود بالوقود.
وفي اللحظة التي ندد العالم بهذا العمل الإجرامي، قُتل ما لا يقل عن 17 بحارًا أمريكيًّا، وخلف هذا الانفجار فتحة بطول 12 مترًا على جانب الناقلة، كما تهشمت واجهة رصيف السياح، وتناثر الزجاج في كل مكان وصل إليه ضغط الانفجار، فيما أصاب الناس حالة من الهلع والخوف الشديد.
وقد تناقلت وسائل الإعلام نقلًا عن الرئيس السابق علي عبدالله صالح في عام 2005، أن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت الدخول إلى مدينة عدن بعد هذا الهجوم، لكن تم تفادي هذه المسألة بالطرق الديبلوماسية.
وبعد هذه الحادثة تناقص عدد السياح القادمين إلى عدن؛ العامل الذي أثر كثيرًا على قطاعي السياحة والفندقة آنذاك.
قصف ومجارٍ
حلّ ربيع العام 2015، على عدن محملًا بالنار والبارود، وصارت المدينة ساحة مواجهات وتصفية حسابات، والمحصلة كانت تردّيَ الوضع المعيشي للمواطن البسيط، وفي خضم هذه الحرب كانت مدينة التواهي إحدى المناطق التي سيطر عليها أنصار الله (الحوثيون) أثناء تواجدهم في عدن، وفي أثناء هذا الصراع قُصف رصيف السياح من قِبل طائرات التحالف الذي تقوده السعودية.
مرت خمس سنوات منذ وصول الحرب إلى المدينة، حتى بدأ تنفيذ مشروع إعادة بناء رصيف السياح، هذا المشروع الذي يأمل سكان عدن أن يعيد رمزًا من رموز هذه المدينة المكلومة.
وفي زيارة قامت بها "خيوط" إلى الرصيف، وجدت أن مجاري الصرف الصحي لمدينة التواهي صارت تفرغ إلى البحيرة في يمين الرصيف، دون أي معالجة؛ الأمر الذي سيؤثر بشكل سلبي على الحياة البحرية وعلى نقاء الهواء هناك.
ويدعو في هذا الصدد، أحد سكان منطقة التواهي والخبير في مجال البيئة البحرية الحاج صالح السميري، والذي التقت به "خيوط" في رصيف السياح، إلى ضرورة حل مسألة مجاري الصرف الصحي بأسرع ما يُمكن، وذلك -كما يؤكد السميري- لمنع حدوث أي كارثة بيئية، قد تتسبب في جرف الأسماك وانتشار الأمراض والأوبئة التي يعاني منها حاليًّا زائرو رصيف السياح في مدينة التواهي، ووصولها إلى سكان المدينة نتيجة للروائح المنبعثة وانتشار البعوض.