تسببت الحرب الدائرة في اليمن منذُ مارس/ آذار من العام 2015، بتدهور الصحافة اليمنية إلى مستويات غير مسبوقة مع تراجع الحريات في بلد يصنف في أدنى مؤشر الحريات الإعلامية في العالم.
ويقع اليمن بحسب منظمة مراسلون بلا حدود (المعنية بالدفاع عن حريات الصحفيين)، في المرتبة الـ169 من أصل 180 بلدًا، على جدول التصنيف العالمي لحرية الإعلام.
ويتعرض العاملون في مجال الصحافة للكثير من الانتهاكات الجسيمة من قبل أطراف النزاع بسبب أعمالهم الصحفية، والتي قد تصل في معظم الأحيان إلى التنكيل أو القتل أو الزجّ خلف القضبان، وهو ما يجعلها من أصعب بيئات العمل الصحفية.
يقول أمين ناجي (اسم مستعار)، وهو صحافي يعمل في إحدى المؤسسات الإعلامية بصنعاء، إنه أُجبِر على العمل بعد أن ضاقت به الحياة، إذ إنه لم يكن يرغب بالعمل مع أي طرف من أطراف النزاع من أجل سلامته في المقام الأول، ومن أجل الحفاظ على شرف المهنة، حد وصفه.
ينتمي ناجي إلى منطقة في إحدى المحافظات جنوب اليمن الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، والتي لا يستطيع زيارتها منذ نحو ثمانية سنوات لأسباب أمنية بسبب عمله الصحفي في صنعاء التي يسيطر عليها أنصار الله (الحوثيون).
ليس ناجي وحدَه من يعيش هذه الأوضاع المأساوية ولا يستطيع التنقل وزيارة أسرته، بل إنّ هناك غيره كثيرين، لا سيما الصحفيين العاملين في بعض المؤسسات الإعلامية الموجّهة أو التابعة لطرف من أطراف الصراع، وأصبحوا مشردين بين المدن وغير قادرين على العودة إلى مناطقهم، في حين فضّل صحفيون الابتعاد عن العمل ومخاطره، إذ يعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة للغاية.
تؤكد نقابة الصحفيين اليمنيين أنّ ظروفًا قاهرة تعيشها الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة والصحفيون اليمنيون منذ أكثر من سبع سنوات، قدم خلالها الزملاء تضحيات جسيمة عُمدت بالدم، وحُفرت على جدار الزمن، ملاحَقةً وترويعًا واختطافًا وتعذيبًا وتجويعًا وتشردًا لرجال السلطة الرابعة.
أمام كل المساعي والجهود المحلية والإقليمية والدولية لإطلاق سراح الصحفيين، تُظهر جماعة الحوثي -بحسب نقابة الصحفيين اليمنيين- تعنتًا وصلفًا تجاه ملف المختطفين الصحفيين، وترفض كل تلك الجهود لإلغاء أحكامها الجائرة وغير المسبوقة بإعدام الصحفيين، ولإطلاق سراح كل الصحفيين والمختطفين لديها
وجدّدت النقابة في بيان صادر عنها بمناسبة يوم الصحافة في اليمن 9 يونيو/ حزيران، دعوتها لإطلاق سراح كافة المختطفين والمعتقلين دون قيد أو شرط، والتحقيق في كل الانتهاكات التي تعرضوا لها، وتجدد دعوتها لإسقاط أحكام الإعدام بحق الصحفيين الأربعة، وإسقاط كل القيود المفروضة على العمل الصحفي في اليمن، وعودة كل الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية التي تم مصادرتها وإغلاقها منذ 2014 وحتى اليوم.
التبعية السياسية
تكمن إشكالية الصحافة اليمنية في كونها صحافة موجهة في المقام الأول، بالنظر إلى الدعم السياسي الذي تستند عليه، وهو ما يجعلها صحافة ذات خط تحرير محدد ومؤطر، بحسب رئيسة قسم الصحافة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، سامية عبدالمجيد الأغبري، التي تؤكِّد أنّ ذلك جعل العاملين في المجال الصحفي يتحملون تبعات ممارسة هذه المهنة.
تمارس الأطراف المتصارعة سياسات قمعية تجاه الصحافة والصحفيين، وحالة عداء غير مسبوقة تجاه العاملين في وسائل الإعلام، وهو ما يتطلب رفع يدها عن الصحافة وتحييدها عن صراعاتها، فالصحافة ليست جريمة، كما أنّ الصحفيين رسل نقل الحقيقة والمعلومة الصحيحة.
ترى الأغبري أنّ الصحافة في اليمن لم تستطع حتى الآن الخروج من عباءة التمويل السياسي، ولم تمر بمرحلة حرية الرأي والصحافة والتمويل منذ نشأتها بالرغم من المحاولات التي تمت في بداية التسعينيات، إلا أنّ حرب صيف 1994، وانفراد الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالسلطة، قضى على هذه المحاولات.
وتسببت الحرب في التضييق على الحريات الصحفية، وعطلت قانون الصحافة والمطبوعات بشكل كلي، وفرضت الأطراف المتحاربة إملاءاتها وشروطها على ممارسة العمل الصحفي، وهو ما انعكس سلبًا على واقع الصحافة وتوسع الانتهاكات التي تطال الصحفيين.
انتهاكات جسيمة
عمدت أطراف الصراع منذ ما يزيد عن سبع سنوات، إلى إغلاق المؤسسات الإعلامية والصحفية المعارضة والمستقلة وإسكات جميع الأصوات بشكل قسري، كما صادرت كافة مستلزماتها والتنكيل بكافة العاملين فيها.
ترصد نقابة الصحفيين اليمنيين أكثر من 104 حالات من الانتهاكات التي طالت وسائل الإعلام والعاملين خلال العام 2021، منها 11 حالة اعتداء تعرضت لها وسائل إعلامية مختلفة، وتم مصادرة ممتلكاتها. في حين وصلت حالات الانتهاكات التي تعرضت لها وسائل الإعلام والصحافة والعاملين فيها في اليمن، خلال سبع سنوات، إلى أكثر من 1400 حالة انتهاكات متنوعة بين إغلاق مؤسسات إعلامية وصحفية والاعتداء عليها وقتل صحفيين والتنكيل بهم واعتقالهم.
يقول توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، إنّ الحريات الصحفية تراجعت بشكل مخيف منذ سبتمبر 2014، بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على العاصمة صنعاء، كما أنّ الجماعة قامت بحملات كبيرة على الصحفيين والصحافة بشكل كبير.
ويشدّد في حديث لـ"خيوط"، على ضرورة دعم الصحفيين في اليمن بشكل كبير، والذين يعيشون ظروفًا قاسية، وتحديات سياسية واجتماعية وأمنية بسبب الهجرة القسرية إلى محافظات أخرى أو خارج اليمن؛ خشيةَ الاعتقال أو الاغتيال وتوقف رواتبهم وأعمالهم.
تشير نقابة "الصحفيين اليمنيين"، إلى أنّ أربعة صحفيين، هم: (عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، أكرم الوليدي، حارث حميد)، يواجهون في العاصمة صنعاء أحكامًا جائرة ومسيسة وغير مسبوقة بالإعدام بعد مسلسل ترهيبهم ثم اختطافهم وتعذيبهم، بدأ في مثل هذا اليوم من العام 2015، وما يزالون وأسرهم وزملاؤهم يكتوون بتلك العذابات حتى اليوم، كما أنّ هناك أربعة صحفيين آخرين أيضًا معتقلون لدى جماعة أنصار الله (الحوثيين) في ظروف اعتقال تعسفية، وهم: (وحيد الصوفي، محمد عبده الصلاحي، محمد علي الجنيد، يونس عبدالسلام)، فيما يظل مصير الصحفي محمد قائد المقري مخفيًّا لدى تنظيم القاعدة منذ العام 2015 بحضرموت.
وأمام كل المساعي والجهود المحلية والإقليمية والدولية لإطلاق سراح الصحفيين، تُظهِر جماعة الحوثي -بحسب نقابة الصحفيين اليمنيين- تعنّتًا وصلفًا تجاه ملف المختطفين الصحفيين، وترفض كل تلك الجهود لإلغاء أحكامها الجائرة وغير المسبوقة بإعدام الصحفيين، ولإطلاق سراح كل الصحفيين والمختطفين لديها.
ولا تتوقف معاناة الصحفيين عند جرائم القتل والاختطاف والتعذيب والملاحقة وإغلاق وسائل الإعلام وتشريد الصحفيين داخل اليمن وخارجه، بل وصل حد اعتماد سياسة التجويع بإيقاف رواتب العاملين في وسائل الإعلام الرسمية منذ العام 2016، وتضييق الخناق على فرص العمل المحدودة، الأمر الذي انعكس سلبًا على الأمان الاجتماعي والمعيشي لكثير من عوائل العاملين في مجال الإعلام.
وتستغرب نقابةُ الصحفيين الموقفَ السلبي للحكومة المعترف بها دوليًّا الرافض تسليمَ رواتب العاملين في وسائل الإعلام الرسمية في كل مناطق اليمن، وتعبر عن استنكارها الشديد لهذا التجاهل المستمر تجاه حقوق العاملين في وسائل الإعلام الرسمية في المناطق التي لا تسيطر عليها.
كما لم يتوقف تقييد الحريات الصحافية على منطقة بعينها في اليمن، بل امتدت المعاناة لتشمل جميع مناطق الجمهورية، وأظهرت كل الأطراف مواقف عدائية تجاه الصحافة والصحفيين، وتورّطت في الزجّ بهم في الصراعات الدامية.