وأخيرًا، سلّم الرئيس اليمني المعترف به دوليًّا عبدربه منصور هادي السلطة، إلى مجلس حكم جديد بصلاحيات كاملة. قوبل هذا التطور الكبير بتفاؤل حَذِر، فيما ذهب البعض من مناوئي هذا المجلس إلى شكل من التشاؤم. أيًّا يكن الأمر، تبقى كل التحركات باتجاه العمل السياسي باعثة على الأمل، إن لم تقم ممارساتها المستقبلية على تكرار الأخطاء التي أوقعتنا في صراعٍ بدا وكأنه مستدام.
ينبع الأمل أيضًا من كون هذا التحرك، يأتي وكأنه في إطار ترتيبات أوسع، للتخفف من تركة الحرب، والاعتراف بأن الحل العسكري ليس ممكنًا، ويتطلع الجميع لأن تكون المحطة الأساسية للمجلس الجديد هي في البحث عن السلام والدعوة لمفاوضات أوسع مع الطرف الآخر (جماعة أنصارالله- الحوثيين)، حيث تبدو الأجواء ملائِمة أكثر من أي وقت مضى.
جماعة أنصارالله (الحوثيين)، هي أيضًا معنيّة بمراجعة سياساتها، ومواكبة التحركات الدؤوبة باتجاه السلام. إن السياسة في ممارساتها الصحية لا تفترض هذا الشكل من التعنت والجمود. من ثماني سنوات ونحن على نفس الممكنات والخطاب، وقد رأينا الأثر المدمر لهذا التكلس على الأمة اليمنية وروحها. لذلك إن لم يتم التقاط هذه الفرصة وتعزيزها، سواء بتخفيف الخطاب الإعلامي التحريضي، أو تقديم تنازل لصالح الغالبية الجوعى من الشعب، فستقع مسؤولية تاريخية على الجماعة، وهذا البلد لا يرحم على أية حال.
ثم على الكل أن يدركوا أن هذه الحرب كانت سنوات من الخسارة الفادحة لبنية البلد ومقوماته البشرية والمادية، ويمكن رؤية ذلك جليًّا في الوجوه الكالحة الباحثة في الأرصفة، عمّا يسد رمقها. من لا يدرك ذلك هم الذين يستعدون لمزيد من المغامرات والبحث عن انتصارات! لكن أيّ انتصارات تلك التي تأتي على حساب المصلحة الوطنية العامة، وأي فوز ذاك الذي ينتزع لُقمة العيش من فم مستحقيها؟!
لا أحد ارتضى أن يكون تشكيل المجلس الرئاسي في الرياض، لا أحد. لكن خروج القرار اليمني واغترابه، بل وارتهانه للجوار، هو واحد من النتائج الفادحة للحرب؛ ولذا فإن استدعاء الوطنية يحتّم على أبناء الوطن الواحد إيقاف الفُرقة والتشرذم، والذهاب نحو صيغة حل سياسي مقبول، على قاعدة من النظام والقانون والمواطنة المتساوية.
إنّ ثقافة الاستقواء على بعضنا بالسلاح، والتغول على سلطة القانون بالعرف، وعدم احترام الإطار العام للدولة وقدسية كيانها، سيلقي بنا وببلادنا في مهالك الجوار، وأتى اليوم الذي نستمع فيه للرياض وأبو ظبي ومسقط وطهران، أكثر من الوثوق بأنفسنا وبمواطنينا الذين يتوقون لِلُقمة العيش وصناديق الاقتراع على ذات المستوى.
مع ذلك، حتى مع هذه اللحظة اليمنية المستلبة، تحتم على القادة اليمنيين الاتعاظ وهم يرون قادة الإقليم يُغلِّبون مصالح بلدانهم على المصلحة المرتجاة لبلادنا. كيف أن العلاقات بين الإمارات وطهران، لا يمكن أن تتأثر بصراع هذه الأطراف بالوكالة داخل ساحتنا المثخنة. هناك مستوى من الحوار بين إيران والسعودية، فضلًا عن العلاقة التاريخية بين مسقط وهذه الأخيرة، فلماذا إذن مصلحتنا الوطنية على هذا النحو من البخس والرخص؟! يكفي أن يلتفت أحد هؤلاء المتحاربين إلى الخلف، ويرى اللحظات التي فرّط فيها بمستقبل بلده، لصالح مطامع رعاته، ليشعرَ بالخزي والعار إلى أبد الآبدين.