منذ اليوم الأول لإعلان الوحدة، واليمن يواجه أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، وهي في المجمل نتيجة لعوامل عدّة، منها:
- الطريقة الاستعجالية التي تم بها تحقيق الوحدة قبل القيام بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية في بنى الدولتين، فضلًا عن هشاشة البناء المؤسسي للدولة الوليدة، وغياب المشاركة الفعلية من قبل التيارات والقوى السياسية خارج بنية السلطة والمؤسسات، وتعثّر استكمال دمج العديد من المؤسسات الحيوية، وإزالة الاختلاف والاختلال بين الأجهزة التنفيذية وتوحيدها على قاعدة الأخذ بالأفضل المتفق عليه في إعلان الوحدة.
- الطابع القبَلي والمناطقي الذي غُلِّبت فيه المصالح الشخصية والذاتية على حساب المصلحة الوطنية، ممّا سرّع من وتيرة الخلاف بين شريكَي الحكم (المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني)، وأدّى تراكمه إلى انفجار الحرب، وما ترتب عليها من اجتياح الجنوب في صيف 1994، الذي أسقط مشروع الوحدة، وفكّت الارتباط بين الشمال والجنوب، وعمّقت الجروح في النفوس.
أصبح الوضع في الجنوب منذ الحرب، ليس وحدة قائمة على الشراكة، وإنما اغتصاب بقوة السلاح، وأصبح المواطن العادي في الجنوب لا يشعر بوجوده على أرضه، ولا يشعر بأنّه طرفٌ فاعل وأساسي في مكوِّن الوحدة، بل تم التعامل معه على قاعدة المنتصر والمهزوم، وينظر إليه كمجرد تابع للأكثرية الشمالية!
تم احتكار السلطة وأصبح القرار شماليًّا خالصًا بعد الحرب، وهذا يعني أنّ السلطة فقدت طابعها الوحدوي، وقدّمت دليلًا واضحًا على لا وحدوية النظام المتغول. صحيح أنّ هناك الكثير من الجنوبيين كانوا في مواقع سلطوية عليا (رؤساء وزارات، ووزراء، ووكلاء وزارات، ورؤساء مؤسسات، ومدراء تنفيذيّون)، لكنهم كانوا جميعًا خارج القرار السياسي، ووجودهم كان مثل عدمه؛ لأنّ نظام صنعاء لا يعترف بأيّ تمثيل سياسي للجنوب.
حربا 1994 و2015، اللتان شُنّتا على الجنوب أسقطتا شرعية الوحدة بقوة السلاح وقمع الإرادة الشعبية الجنوبية، واليوم خرجت القضية الجنوبية من الإطار الحزبي الضيّق إلى الإطار الوطني، وأصبحت الآن بيد شعب الجنوب.
إنّ الذين يرون أنّ حل القضية الجنوبية الوطنية تحت سقف الوحدة، عليهم أن يسألوا أنفسهم أولًا: أين هي الوحدة ومع من يتم التوحد. لم تعد القضية الجنوبية بعد الحرب قضية سلطة ومعارضة تخص الأحزاب السياسية، وإنما أصبحت قضية وطنية تخص شعب الجنوب بكل فئاته الاجتماعية وتخضع لإقرار إرادة الجنوبيين دون وصاية عليهم في تقرير مصير مستقبلهم. وعلى الأطراف الشمالية الاعتراف بحامل سياسي لقضية الجنوب، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عبر حوار بين طرفين رئيسَين، هما "الشمال والجنوب"، استنادًا إلى القرار الدولي من ميثاق الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61 لعام 1969، والذي ينص بنده الثالث على ما يلي:
"إذا اندلعت حربٌ أهلية بين الشعبين بسبب الوحدة، تعتبر الوحدة لاغية أمام مجلس الأمن الدولي، وتُعاد الدولتان إلى شخصيتهما الاعتباريتين المتعارف عليهما كما كانتا في السابق".
ووفقًا لهذا البند، فإنّ حرب 1994 وحرب 2015، اللتان لم تزل تبعاتهما قائمة حتى اليوم ضدّ شعب الجنوب، فإنّ الشخصية الاعتبارية لدولة الوحدة (الجمهورية اليمنية) في حكم الملغي ولا مستقبل لها.
نتطلع إلى مبادرة إخواننا في الشمال؛ الدعوة إلى حوار وطني شمالي، وأن يتفقوا على ميثاق شرف يُحدّد فيه شكل دولتهم القادمة، وعلى أبناء الجنوب أن يقفوا إلى جانبهم ودعمهم؛ لأنّ الجنوبيين ليس من مصلحتهم أن تكون دولة الشمال غير مستقرة، تمزقها الحروب الطائفية والقبَلية.