تؤكّد نتائج التعدادات السكانية العامة أنّ المجتمع اليمني من ناحية النوع، ينقسم إلى نصفين، حيث تشكّل الإناث نصف المجتمع تقريبًا. كما تؤكّد الدراسات التاريخية أنّ المرأة اليمنية لعبت أدوارًا قيادية فاعلة، مؤثرة ومشهودة عبر العصور، وأبرز مثال لذلك: الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، عندما حكمت اليمن في عهد حكم الصليحيين لليمن. حيث يرون أن هذه الملكة ضربت أروع الأمثلة في حسن القيادة وتحقيق منجزات اقتصادية واجتماعية لم تتحقّق في عهود غياب المرأة عن الصدارة في الحكم. كما توجد الكثير من الشواهد والأمثلة على حسن قيادة المرأة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي عالميًّا. والأكثر بروزًا في دور المرأة اليمنية، يمكن ملاحظته بوضوح في حياة الريف اليمني؛ إذ تعتبر المرأة العنصر الأهم والفاعل في النشاط الزراعي وتربية الحيوانات ورعاية الأسرة، وفي مختلف الأنشطة التي تميز الريف اليمني بوصفها مجتمعات ريفية منتجة ظلت تحافظ على مستويات آمنة للأمن الغذائي للأسرة طيلة مراحل ما قبل الثورات اليمنية وبناء الدولة العصرية، ولا تزال تحافظ على قدر كبير من الأمن الغذائي للأسرة، بالرغم من قساوة الظروف الطبيعية والسياسية والاقتصادية، وتخلي الدولة عن دورها الرائد في قيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما يُشاهد للمرأة اليمنية دورٌ منظور في مختلف الأنشطة الحرفية والتجارية، يُلاحظ في معروضات أسواق التجمعات السكانية في مختلف المحافظات اليمنية. وتعتبر الأنشطة الريفية الأكثر بروزًا وتأثيرًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحياة الناس، ومع ذلك فليس هناك اعتبار لهذه الأدوار في حسابات المؤشرات الاقتصادية الكلية كالناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يظهر مساهمة ضعيفة للقطاع الزراعي والأنشطة المرتبطة بهذا القطاع، كتربية الحيوانات وإنتاج الجبن والسمن البلدي واللحوم الحمراء والبيضاء والمنتجات الخزفية والأواني المنزلية التي كانت ولا تزال من أهم مقتنيات الأسرة اليمنية في الريف، وتلعب المرأة الدور الرائد في هذه الأنشطة جميعها؛ حيث تحتل مركز الصدارة في النشاط الاقتصادي وحياة السكان في الريف اليمني. علمًا أنّ سكان الريف تتجاوز نسبتهم 70% من إجمالي سكان اليمن، حسب نتائج التعدادات السكانية وإصدارات كتب الإحصاء السنوي للجهاز المركزي للإحصاء.
وبالرغم من كلّ ذلك فقد كان للموروث الاجتماعي والثقافي الذي تم تعميقه باسم الدين والعادات والتقاليد، تأثيرًا بالغًا في عزل المرأة اليمنية وتهميشها من المشاركة في الحياة القيادية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي ساهم في ارتفاع معدلات الفقر. إذ بلغت نسبة الفقر المطلق 48% في سنوات ما قبل الحرب الجارية حاليًّا (حسب دراسة للكاتب صدرت عن ملتقى المرأة للدراسات والتدريب في عام 2001)، ويشير الكثير من الباحثين إلى أن هذه النسبة لم تتوقف عند هذا المستوى بل استمرت بالارتفاع، ويشار إلى تجاوزها نسبة 80% بسبب الحرب القائمة. وتعتبر النساء أكثر من يطاله آثار هذا الارتفاع؛ حيث تبرز ظواهر مختلفة لمعاناة المرأة اليمنية التي يمكن اعتبار الفقر السببَ الرئيسي لوجودها، وسوف نبرهن على ذلك بالعديد من المؤشرات الكمية الدالة على أنّ النساء هنّ الأكثر تأثرًا باتساع.
حدة الفقر فيما يلي:
أولًا: في مجال حالة السكن
تعيش المرأة في ظروف سكنية سيئة، حسب ما تشير إليه نتائج مسوحات ميزانية الأسرة في سنوات ما قبل الحرب القائمة، فمسح ميزانية الأسرة لعام 1998، تظهر بخصوص السكن المؤشرات التالية:
- حوالي 56% من إجمالي المساكن في الجمهورية اليمنية غير متصلة بشبكة مياه منزلية، وتتحمل النساء عبء جلب المياه من أماكن بعيدة مشيًا على الأقدام بأوانٍ بلاستيكية وفخارية، بالاستعانة بالأطفال والحيوانات.
- حوالي 61% من إجمالي المساكن، ليست مرتبطة بشبكة إنارة، وتلجأ النساء لوسائل الإنارة البدائية مثل الفانوس والقمقم.
- حوالي 34% من إجمالي المساكن، غير مرتبطة بشبكة عامة للتصريف الصحي، و54% تلجأ لحفر بيارات إلى جانب السكن، والباقي 12% فقط مرتبطة بشبكة تصريف عامة؛ الأمر الذي يتسبّب في تلويث البيئة المحيطة بالسكن، وتعريض السكان لمخاطر تلويث البيئة، وتتحمل النساء العبء الأكبر من آثار تلوث البيئة بحكم ارتباطهن الدائم بالمسكن.
- حوالي 50% من إجمالي المساكن، تستخدم الحطب للطهي الذي غالبًا يُجلب على رؤوس النساء، ويضاعف من معاناتهن عند الطهي. كما تعتبر هذه الظاهرة العامل الأبرز لتعرية الأرض من الأشجار وزيادة نسبة التصحر في الأراضي الخضراء.
ولا شك بأن وضع الحالة السكنية حاليًّا صار أكثر سوءًا مما كان عليه في عام 1998، بسبب عدم الاستقرار السياسي، والحرب القائمة، وآثارها المدمرة في الأوضاع السكنية، وحالات النزوح... وغيرها.
التخفيف مما تعانيه اليمنيات يتطلب مواجهة الفقر ومكافحته، وهذه المواجهة تتطلب الاستقرار السياسي، واستعادة بناء الدولة على ضوء مخرجات الحوار الوطني الشامل، وبالأخص ما ينص عليه بوضوح في إعطاء المرأة اليمنية الحق في المشاركة على مستوى مختلف سلطات الدولة بنسبة لا تقل عن 30%.
ثانيًا: في مجال حالة الزواج
حسب نتائج مسح ميزانية الأسرة المنفذ بعد الوحدة اليمنية بسنة، ونتائجه المنشورة عن الجهاز المركزي للإحصاء في عام 1992، فإن نسبة تتجاوز 54% من الإناث (10 سنوات فأكثر) هن متزوجات، بينما نسبة 48% من الذكور لنفس الفئة العمرية متزوجون، ويأتي هذا الاختلال لسبب إعطاء الحق للذكور بتعدد الزوجات، وبسبب الفقر.
وذلك وفقًا للتشريع الذي كان معمولًا به قبل الوحدة اليمنية في شمال اليمن، بعد أن ألغيت قوانين منع الجمع بين زوجتين، وكذا صغيرات السن، التي كان معمولًا بها في جنوب اليمن، ومن ثمّ فقد أصبحت التشريعات القائمة لدولة الوحدة "الجمهورية اليمنية" منذ العام الأول للوحدة 1990، تُجيز للرجل الزواج بأكثر من امرأة في آن واحد، وليس للمرأة حق الاعتراض، بحكم العادات والتقاليد والموروث الثقافي والديني والتشريع الذي يجيز للرجل أن يجمع بين أربع زوجات. كما يتم في عمليات الزواج ما يشبه عمليات البيع والشراء بين أسرتي الأنثى والذكر، وغالبًا لا يؤخذ برأي المرأة في الزواج. وعند البحث عن أسباب ذلك، نجد أنّ الفقر هو أهم أسباب الزواج القهري لكافة الفئات العمرية للإناث، بمن فيهن صغيرات السن. فالأسر الفقيرة عادة تسارع في زواج البنات بأي سنّ، وبغض النظر عن كونها الزوجة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، حسب التشريع المعمول به؛ إذ لا يؤخذ عامل السن ورغبة الإناث بالاعتبار في عملية الزواج كما أشرنا، فالمهم هو استلام المهر المقدم (المبلغ المتفق عليه مقابل أن يستلم الرجل المرأة كزوجة)، والعامل الآخر هو الخلاص من أعباء الإنفاق المالي. ولذلك يشاهد أن تعدد الزوجات عادةٌ توجد لدى المقتدرين ماديًّا ويتزوجون من الأسر الفقيرة، بما يؤكد أن الفقر سببٌ رئيسي لتعدد الزوجات وزواج صغيرات السن.
ثالثًا: في مجال الحالة التعليمية
تشير نتائج الإحصاءات السكانية إلى أنّ هناك علاقة طردية بين مستوى تعليم الإناث وحالة الفقر؛ فكلما ارتفعت مؤشرات الفقر، ارتفعت نسبة الأمية بين الإناث. فبمقارنة نتائج مسح ميزانية الأسرة للعامين (1992 و1998)، سنلاحظ أنّ مؤشر الأمية بين صفوف النساء في عام 1992، بلغ في الحضر نسبة 46%، وفي الريف نسبة 76%؛ بينما في عام 1998، بلغ في الحضر نسبة 50%، وفي الريف نسبة 80%. ويعني ذلك ارتفاع نسبة الأمية للإناث من حوالي 61% إلى 65% في كلٍّ من الريف والحضر خلال الفترة المشار إليها. وبالرجوع إلى مؤشرات الفقر خلال الفترة نفسها، سنلاحظ بأن مؤشرات الفقر في ارتفاع متزايد منذ بداية العام الأول للوحدة اليمنية. وهذا يؤكد ارتباط أمية الإناث بعلاقة طردية مع مؤشرات الفقر. وبالإضافة إلى ذلك، تشير البيانات الإحصائية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء إلى تزايد نسبة من يحرمن من الالتحاق بمدارس التعليم الأساسي، وكذا زيادة معدلات التسرب في المستويات التعليمية المختلفة، والسبب الرئيسي لذلك هو اتساع رقعة الفقر وتزايده بمعدلات سنوية مرتفعة.
وبالإضافة لما سبق، نستطيع القول بأن آثار الفقر على المرأة اليمنية تظهر من خلال مجالات عدة، منها ما سبق التأكيد عليه بأدلة واضحة، وأخرى يصعب مناقشتها بالمساحة المتاحة للنشر، منها: تأثير الفقر على الخدمات الصحية للمرأة، وكذا تأثيره في تضييق فرص العمل، والمشاركة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
وبناء على ذلك، فإن التخفيف مما تعانيه اليمنيات يتطلب مواجهة الفقر ومكافحته، وتمكينها من المشاركة في مواقع اتخاذ القرار. وهذه المواجهة تتطلب الاستقرار السياسي. وبالتالي، تبرز أهمية مواجهة عوامل عدم الاستقرار السياسي واستعادة بناء الدولة في ضوء مخرجات الحوار الوطني الشامل والمتحقق في عام 2013، وبالأخص ما ينص عليه بوضوح في إعطاء المرأة اليمنية الحق في المشاركة على مستوى مختلف سلطات الدولة بنسبة لا تقل عن 30%، الأمر الذي من شأنه تمكين المرأة من المشاركة الفاعلة، والتأثير الإيجابي في التنمية والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الدائم، ومواجهة الفقر.