تفرض العادات والتقاليد اليمنية المترسخة والمتأصلة منذ القِدم، أنماطًا إجبارية من الطقوس الدينية التي أصبحت تثقل كاهل مواطن معدم، بل أصبحت مصدر إزعاج وقلق لسكان الريف اليمني التقليدي على وجه الخصوص، وتحديدًا في السنوات الأخيرة منذ خيم شبح الحرب ولم يبرح سماء اليمن.
تقول أبرز تلك العادات والتقاليد الريفية، بضرورة ووجوب التضحية صبيحة اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك، في تقليد ديني أزلي، يعد سُنَّةً لا فرضًا واجبًا على المسلم، بحسب التشريعات الدينية وآراء الفقهاء، بَيدَ أنّها تحوّلت في اليمن إلى طقس اجتماعي متوارث وميزان حساس فرضته عادات اجتماعية ليس إلا.
يرى حمود المريري، وهو تربوي وخطيب جامع في إحدى عزل مديرية شرعب السلام، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ النظرة أصبحت نظرة اجتماعية بحتة ولا يهم الناس وجوب الذبح من عدمه، وحسب المريري، فالمواطن غير المقتدر ليس عليه واجب ذبح الأضحية، وأنّ عليه ألّا يلتفت إلى نظرة المجتمع له في حال لم يقم بالذبح.
من جانبه، يشير عدنان القاضي، وهو أكاديمي في جامعة تعز، إلى أنّ التحول في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية جعل المقاصد الإسلامية السامية لعيد الأضحى تتلاشى وتتراجع، فالكثير من الناس تغيب عن أذهانهم المقاصد الروحية والتعبدية والتربوية والاجتماعية من خلال شراء وذبح أضحية العيد؛ الأمر الذي أدّى إلى استفحال جرائم العنف والسرقة والاحتيال في شراء وبيع الأضاحي.
وبحسب القاضي، فإنّ من أكثر الأمور التي تُفقِد تلك الشعيرة بريقها ورونقها وسموّها في تزكية النفس، مظاهرَ التفاخر والتباهي في حجم الأضحية وعددها عند البعض، وهو ما يولّد آفات اجتماعية خطيرة؛ أهمها تغذية الأحقاد بين طبقات المجتمع المختلفة، والشعور بالنقص وخيبة الأمل لدى الفقراء في هذا اليوم العظيم الذي يجب أن يفرح فيه الجميع، فقراء وأغنياء، ويتساووا في المأكل والملبس. ووفقًا لحديث القاضي، فإنّ غياب الوعي الكامل للمقاصد الدينية يجعل الكثير ينظر إليها كعادة اجتماعية أكثر من كونها عبادة.
يتذكر السكان الريفيون تفاصيل هذه الطقوس المتوارثة منذ الصغر دون إدراك لماهيتها وأبعادها الدينية والاجتماعية، بَيْد أنهم يعون مفاهيمها كلما كبروا، وكلما أصبحوا أربابًا لأسر جديدة وجب عليها السير على ذات الخطى والنهج المتوارث.
(أ.ع) أرملة، تعيل 10 أفراد، تعد نموذجًا لأسرة ريفية أثقلتها عادات وتقاليد اجتماعية متوارثة كهذه، لا تراعي الحد الأدنى من الوضع المعيشي للأسَر المعدمة، تنظر إلى مثل هذه العادات كقيد اجتماعي يكبّل حياتهم البائسة، بل ويثقلها بهَمٍّ أكبر يضاف إلى قائمة همومهم المعيشية الضرورية، حيث يفرض النمط الاجتماعي وجوب التضحية بأضحية عيدية صبيحة اليوم الأول من عيد الأضحى مهما كانت الظروف القاسية للأسرة.
بدأت (أ.ع)، بمحاولة كسر هذا النمط التقليدي المتوارث، رغم كونها تعيش في عمق جغرافي وسكاني كبير في إحدى قرى مديرية شرعب السلام في ريف محافظة تعز.
التضحية بدجاجة، فكرة وتقليد جديد على الأسر، ليس بالأمر السهل في البداية، لكنه يعد خطوة جريئة ستفتح الطريق لكسر (تابوهات) العادات والتقاليد الاجتماعية البالية والنظرة الدونية العقيمة في أوساط الريف اليمني بشكل عام.
ومن هذا المنظور، كانت تشرعن لسنّ تقليد اجتماعي جديد في أوساط مجتمعها الريفي التقليدي، يجيز للأسرة التكيف مع ظروفها المعيشية الراهنة دون الاضطرار إلى تحمل تبعات مكلفة اقتصاديًّا هي فوق طاقة احتمالها.
التضحية بدجاجة، فكرة وتقليد جديد على الأسر الريفية في ريف مديرية شرعب السلام بمحافظة تعز، ليس بالأمر السهل في البداية، لكنه يعد خطوة جريئة ستفتح الطريق لكسر (تابوهات) العادات والتقاليد الاجتماعية البالية والنظرة الدونية العقيمة في أوساط الريف اليمني بشكل عام.
تدرك (أ.ع) مدى حاجة أسرتها لتناول وجبة اللحوم لمرة واحدة في العام خلال أيام عيد الأضحى، لكنها تدرك أكثر مدى حاجتهم للتكيف مع واقعهم المعيشي الصعب، ومع أنها هذا العام قامت بتربية أضحية العيد في منزلها، لكنّ الحاجة دفعتها للتضحية بالأضحية والعادات الاجتماعية العقيمة والتوجه لبيعها، وفي مقابل قيمتها ستقوم بشراء الحاجيات الضرورية لأسرتها على أن تستبدل أضحية الماعز بأضحية من الدجاج.
من جانبه، يرى حمود المريري، صعوبة اتخاذ مثل هذا الموقف في القرى إلا في حالة واحدة؛ إذا بدأت الطبقة المثقفة بذلك الأمر الذي قد يؤثر ويشجّع الآخرين.
وأردف المريري، أنه نتيجة لهذه النظرة الاجتماعية القاصرة، يقوم المواطن في الريف برهن ما يملك، وقد يتسول ويظل بدون عيد تحاشيًا لنظرة المجتمع من جانب، ونظرة أولاده من جانب آخر.
وحول مسألة التكافل المجتمعي قال المريري، أنهم لم يستطيعوا إقناع الناس بالسنة النبوية التي تقول بضرورة التصدق بثلثي الأضحية برغم استحالة قَبول الفقراء لمسألة الصدقة في يوم العيد تحديدًا، ووفقًا لحديث المريري، فإنّ أصغر خروف في مديريته تبلغ قيمته خمسين ألف ريال؛ أي ما يعادل مئة دولار أمريكي في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
من جانبه، دعا القاضي عبدالملك الكمالي، إلى ضرورة إغفال النظرة الاجتماعية القاصرة في الأمور الدينية، خاصة في ظلّ الوضع المعيشي والحالة الاقتصادية الراهنة، لافتًا إلى أنّ إزالة الحرج عن الناس يحتاج إلى مبادرات مجتمعية، يصاحبها معالجات ومبادرات صادقة.
وفي زمن الحرب اليمنية، التي دخلت عامها التاسع، تعيش كثيرٌ من الأسر الريفية معتمدة على برامج مساعدات الإغاثة الإنسانية، والتي باتت أحد أهم مصادر العيش التي تعتمد عليها غالبية الأسر اليمنية، في ظل تدهور وانهيار اقتصادي كبير، وبطالة مقنّعة قصمت ظهور شعب بأكمله، حيث بات خروف العيد حلمًا لن يكون بمقدور ملايين الأُسَر شراؤه.