خرجت "سمر عبدالجبار" من المستشفى، جثة هامدة، بعد 25 يومًا من العذاب، نتيجة خطأ طبي، خلال عملية تجميلية، خضعت لها وهي بكامل صحتها.
تحكي هبة عبدالجبار قصة شقيقتها التي بدأت عملها التجاري، وأرادت تغيير مظهرها والتخلص من سمنتها، لكنها وقعت في فخ "الأخطاء الطبية" ودفعت ثمن ذلك حياتها.
بينما قررت سمر إجراء عملية "تحويل مسار المعدة" للتخلص من السمنة، بعد أن طمأنها الطبيب الجراح أن العملية سهلة، آمنة وخالية من أي مضاعفات بالنسبة لها.
تقول هبة أن شقيقتها خرجت من غرفة العمليات، وفور استفاقتها بدأت تشعر بضيق شديد في التنفس، وكان تفسير الطبيب "ت.م" أن الأمر طبيعي والمسألة مسألة وقت، خصوصًا للأشخاص الذين يعانون من السمنة، ووجه بإعطائها الأكسجين، وقرر خروجها من المستشفى.
"رفضنا الخروج حتى نطمئن عليها وتعود لحالتها الطبيعية" تقول هبة، مضيفة: "في ثاني يوم من العملية، بدأت حالة سمر تتدهور وتشعر بنقص كبير في الأكسجين، وعندما عملنا إشاعات للصدر وجدنا أن الرئتين فيهما التهاب حاد، استدعينا طبيب مختص بحسب توجيهات الطبيب الجراح (ت.م)، واكتشف أن الالتهاب ناتج عن تجرثم بسبب إجراء العملية، ما استدعاه لإعطائها مضادًّا".
في اليوم الثالث، قرر الطبيب الجراح السماح لـ"سمر" بالأكل والشرب، وبدأ فصلًا جديدًا من المعاناة، تقول هبة: "كلما أكلت أو شربت شيئًا كانت تبكي من الألم، والدكتور يقول إن كل هذا مضاعفات بعد العملية، ووجه بإعطائها الأكل بالغصب".
مرت 7 أيام على إجراء العملية وحالة سمر تسوء بشكل مضاعف كل يوم: "بدأ جسم سمر بالتورم، مع احتمالية كبيرة بوجود سوائل، غير أن الطبيب كان في كل مرة يقول إن كل هذا مضاعفات العملية التجميلية، رافضًا إجراء أي فحوصات أو التأكد من سلامة العملية"، قالت هبة شقيقة الضحية.
مضاعفات أخرى
أحيلت "سمر" إلى أخصائي كلى، بعد أن ثبت وجود سوائل في معدتها، بسبب المضاد الحيوي، حينها قرر طبيب الكلى تغيير العلاج، وإعطاءها مدر للسوائل، تقول هبة: "في اليوم الثاني استيقظت سمر وهي تتقيأ دمًا صافيًا وبكميات كبيرة، فيما الدكتور (ت.م) يقول إنها مضاعفات، لكن العملية سليمة وناجحة".
تحدث الأخطاء الطبية في إجراءات التجميل لأسباب عدة، منها الانتشار الكثير لمراكز التجميل التي لا تخضع لإشراف طبي ولا يعمل بها أطباء يمتلكون شهادة في الطب أو حتى شهادات تدريب، إذ تقوم هذه المراكز بجميع الإجراءات الطبية حتى التي يجب ألَّا تتم إلا عن طريق أطباء جلدية أو جراحي تجميل.
وأضافت هبة: "في اليوم التاسع، اكتشف الأطباء سوائل متسخة بمنطقة البطن والحوض، عندها قرروا إدخال سمر غرفة العمليات من جديد، توقف نبضها حينها، فقاموا بعمل إنعاش لها، ثم تدخل الدكتور(ت.م) جراحيًّا واكتشف أن سبب التهاب المعدة وجود دم وحمض ارتجع من المعدة يوم إجراء العملية، وأن الدم الذي كانت تتقيؤه سببه نزيف في المعدة، وأن توصيلة تحويل المسار ذابت بسبب السائل الحمضي، وأن الأكل والشرب لم يدخل المعدة نتيجة لذلك واختلط بأحشاء البطن".
أقر الطبيب الجراح بفشل العملية، لكن بعد أن أصيبت سمر بفشل كلوي، والتهاب رئوي حادي، تسبب بانتشار السموم في بطنها، والسوائل في جسمها، وأخيرا تقيؤ الدم، ومغادرة الحياة.
أخطاء بالجملة
"سمر" ليست الوحيدة، فهناك نساء كثر تحدثن لـ"خيوط"، تعرضن لأضرار متفاوتة بسبب أخطاء العمليات التجميلية الطبية؛ منهن من تضررت عيونهن، وأخريات أنوفهن حتى فقدن القدرة على التنفس من خلالها، ومنهن من أصبن بحروق جلدية التي بدورها خلفت تشوهات وبقعًا داكنة في الجلد.
يعرف أستاذ مادة الجلدية بجامعة عمران الدكتور أيمن الوادعي، الأخطاء الطبية الحقيقية بـ"الخطأ الناجم عن تقصير الطبيب الذي يؤدي إلى نتيجة لا رجوع فيها كالبتر أو التشوه أو إحداث خلل دائم أو الوفاة، بسبب إجراءات طبية خارجة عن المعايير المعترف بها عالميًّا من قبل الجمعيات العلمية المختصة في مجال الطب التجميلي، سواء لعدم الحصول على تدريب كافٍ أو قلة الخبرة أو استخدام المواد والإجراءات غير المناسبة أو بسبب عدم تنبيه المريض بالإجراءات الوقائية التي يجب عملها قبل وبعد الإجراءات التجميلية".
وبحسب الوادعي، فإن "المريض يتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية نتيجة قلة الوعي أو نتيجة البحث عن نتائج غير واقعية أو عدم التزامه بنصائح الطبيب"، لافتًا إلى أن "نسبة الخطأ واردة في أي إجراء طبي، سواء علاجي أو تجميلي، حتى بالنسبة لأمهر الأطباء وأكثرهم خبرة، إذ إن هامش الخطأ والمضاعفات معترف بها دوليًّا".
ويؤكد الوادعي في حديثه لـ"خيوط"، أن النسبة الكبرى من الأخطاء الطبية التجميلية تقع بسبب الإجراءات التي تتطلب جراحة كعمليات شفط الدهون وعمليات تكبير أو تصغير الصدر والأنف والجفون؛ مضيفًا أن "التدخلات الأخرى التي تعتمد على استخدام الليزر أو البلازما أو الميزوثيرابي (علاج تجميلي، غير جراحي، تستخدم فيه الحقن التي تعتمد على مستخلصات نباتية، يستهدف حَقن الميزوثيرابي الخلايا الدهنية، عن طريق الحث على تحلل الدهون، وتمزق وموت الخلايا الدهنية)، أخطاؤها أقل بكثير وأغلبها تنجم عن عدم رضا المريض عن النتيجة".
وأوضح الوادعي، أن هناك فرقًا بين الترميم (Reconstructive) والتجميل (Cosmetic)؛ "فالترميم يعمل على إعادة وظيفة عضوٍ ما وتحسين مظهره، بينما التجميل هو الرغبة بتغيير المظهر نحو الأفضل بدون وجود حالة مرضية".
أسباب الفشل
تحدث الأخطاء الطبية في إجراءات التجميل لأسباب عدة، في نظر الوادعي، منها "الانتشار الكثير لمراكز التجميل التي لا تخضع لإشراف طبي ولا يعمل بها أطباء يمتلكون شهادة في الطب أو حتى شهادات تدريب، إذ تقوم هذه المراكز بجميع الإجراءات الطبية حتى التي يجب ألَّا تتم إلا عن طريق أطباء جلدية أو جراحي تجميل".
ويضيف: "وقد تحدث بسبب قلة خبرة الطبيب وعدم معرفته بالمضاعفات المتوقعة للإجراءات وكيفية التعامل معها إن حصلت، فالطبيب المدرك لجميع جوانب الإجراء الطبي من فوائد ومضاعفات وإمكانية حدوث الأخطاء، يأخذ دائمًا حذره".
يعتقد الوادعي أن المنافسة الشديدة والسباق المستمر لإثبات التميز، يدفع البعض "لاستخدام تقنيات جديدة ما زالت في مراحلها الأولى قيد التجريب أو مواد حديثة لم تثبت فعاليتها ولا آثارها الجانبية على المدى الطويل"؛ الأمر الذي يفاقم مشكلة الأخطاء التجميلية.
منوّهًا أن للدعاية والإعلان دورًا سلبيًّا في وقوع الأخطاء الطبية، "في أغلب الأحيان تحصل هذه الأخطاء بسبب تهافت الناس على طلب هذه الخدمة بسبب الدعاية والتسويق المكثف لها من قبل الشركات".
وتتعمد مراكز طبية وأطباء عاملون في الجراحة التجميلية، الغش بصورة مباشرة لكسب أعلى نسبة من الأرباح، هذا الغش يظهر بوجهين وفق الوادعي؛ الأول "استخدام مواد رخيصة الثمن مجهولة المصدر، والثاني إجراء بعض الخطوات التجميلية التي تتضمن جرح الجلد في أماكن غير مؤهلة، ومعظم الأخطاء تتم في هذه الأماكن حيث يلجأ البعض إلى عدم إعلام المريض بالنتائج المتوقعة والمضاعفات والإجراءات البديلة حتى لا يتردد المريض".
ووجه الوادعي الجهات المعنية إلى الإشراف والمراقبة على المراكز التجميلية، وعدم منح التصاريح للمراكز غير المؤهلة أو التي لا يعمل فيها أطباء متخصصون.
كما نبّه المواطنين إلى رفض أي إجراء تجميلي في مراكز غير مرخصة، وعدم إجراء أي جراحة تجميلية إلا بعد التأكد من نجاحها وعدم وجود مضاعفات على المدى القريب والبعيد.
وحثّ مراكز التجميل على استخدام الأجهزة والمواد من مصادر معروفة وذات جودة عالية، مؤكدًا أن "من مسؤوليات الطبيب إعلام المريض بالنتائج الواقعية والمضاعفات التي قد تحصل نتيجة للإجراء التجميلي".