عندما تصبح الشهادة هي الغاية، واكتساب العلم والمعرفة هو الهدف الثانوي، حينها فقط يترك الأساتذة والجامعات واجباتهم في تدقيق البحوث التي يقدمها الطلاب في السنوات الدراسية المختلفة، حيث بات أغلب الطلبة الملتحقين بدرجة البكالوريوس تحديدًا، في مختلف تخصصاتهم، يتجهون إلى الإنترنت، لنسخ ولصق معظم أو كل بحوثاتهم، أو انتحال بحوث جاهزة وتذييل أسمائهم عليها، يساعدهم في ذلك الترويج الكبير من قبل المكتبات ومراكز الخدمات الطلابية الباحثة عن المال والشهرة على حساب الجودة والأمانة العلمية.
آزال السفياني، طالبة في المستوى الرابع بكلية الإعلام- جامعة صنعاء، تتحدث لـ"خيوط" عن السبب الذي يدفع الطلاب إلى اللجوء إلى السرقات البحثية والاستعانة بأصحاب المكتبات ومراكز الخدمات الطلابية قائلة: "يعود ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها جهل الكثير بأهمية البحث العلمي والكسل، والجمود الفكري الذي يسيطر على أغلب الطلاب، بالإضافة إلى غياب الدور الإرشادي من قبل بعض الدكاترة، الذين لا يركزون على التوعية بأهمية البحث العلمي في بناء القدرات والمهارات وتنمية العقل". وتضيف: "هنالك طلاب يقدمون بحوثًا، وهم لا يعلمون عن محتواها شيئًا، فقط قاموا بالنسخ واللصق كإسقاط واجب وضرورة لنيل درجة التكليف، وهو ما يرمي بالمسؤولية على عاتق الأساتذة المشرفين، الذين يعلمون تمامًا مستويات الطلاب، ومدى نضجهم المعرفي".
وتستطرد السفياني: "نحن في كلية الإعلام يتم تحميلنا ما لا طاقة لنا به، إذ يتم تكليفنا بعمل تصاميم لبعض المواد ونحن لا نملك القدرة بسبب غياب التطبيق، لذلك نقوم باللجوء إلى من يملك القدرة، وهذا العيب تتحمله الكلية والمسؤولون في جامعة صنعاء".
كما أنّ التسهيلات وغياب الضوابط في التعامل مع البحوث من قبل أساتذة المواد هي من تدفعهم إلى كل هذه السرقات، إذ لا يسألون من أين لكم هذا؟ أو ما مصادركم؟ ولا يطلب منهم مناقشة المحتوى الذي يسلمونه، علاوة على الدور الذي تمارسه المكتبات مقابل الحصول على المال، فهناك من يدفع ما يقارب ثلاثة إلى ستة آلاف ريال يمني مقابل الحصول على بحث جاهز من مراكز الخدمات الطلابية.
أسباب عدة لتفشي ظاهرة السرقات الأكاديمية، على رأسها افتقار الطلاب إلى مهارات البحث، وضعف القدرة على إدارة الوقت، وعدم قدرتهم على إيجاد المواد المناسبة لإنجاز عملهم وبحوثهم في وقت قياسي، هذا يغريهم بالبحث السريع عن أي محتوى على الإنترنت ودمجه ضمن تكليفهم على أنه من تأليفهم.
غض الطرف
أسماء سعيد، طالبة لغات بجامعة صنعاء، تشعر بالمرارة لما يعانيه التعليم الجامعي، إذ تتحدث لـ"خيوط" قائلة: "جهل الطالب بأهمية البحث والفوائد المترتبة على تطوير هذه البحوثات على المدى المتوسط والبعيد، خلق هذا الواقع الهش، حيث لا يبذل الطالب جهدًا يذكر للبحث عن المعلومة بالطرق التقليدية القديمة، مثل البحث في الكتب والمصادر، طالما بإمكانهم الحصول على كل شيء بسهولة دون عناء".
من ناحيته، يقول طالب الإعلام، عبدالله الأشول لـ"خيوط": "هناك عدة أسباب لتفشي ظاهرة السرقات الأكاديمية، على رأسها: افتقار الطلاب إلى مهارات البحث، وضعف القدرة على إدارة الوقت، وعدم قدرتهم على إيجاد المواد المناسبة لإنجاز عملهم وبحوثهم في وقت قياسي، هذا يغريهم بالبحث السريع عن أي محتوى على الإنترنت، ودمجه ضمن تكليفهم على أنه من تأليفهم لإكمال مهمتهم، بإلاضافة إلى إهمال المشرفين والدكاترة والجهات التي تُقدم إليها البحوث بحيث يتساهلون في مناقشة المضامين".
طلاب بلا غاية
أما الكاتب الصحافي، محمد دبوان المياحي، فأوضح في حديث لـ"خيوط"، أنّ الأسلوب الذي يلجأ إليه بعض الطلاب لانتحال بحوث أخرى أو شرائها جاهزة يكشف بؤس الواقع الأكاديمي، بمعنى أنّ الطالب ينسى الهدف الذي جاء من أجله، ويتناسى أنّ الهدف هو إثبات قدرته على البحث العلمي فيلجأ إلى هذه الحيلة.
ناهيك عن أنّ التعليم يصبح فاقدًا للقيمة تمامًا إذا كان الهدف هو حصد الدرجة والنجاح، الأمر الذي ينعكس على جوهر التعليم ومقاصده، حيث يأتي طالب من أطراف الدنيا، لا هدف له سوى النجاح والدرجات.
يشدد المياحي على أهمية دور الأكاديميين والدكاترة في الضغط على الطالب والتدقيق في كل ما يقدمه لضمان الجِدّة والابتكار والجودة، لكنه أشار إلى أنّه بإمكان الطلاب الاستفادة والاطلاع على بحوث عبر الإنترنت أو المكتبات من أجل اقتباس فكرة من هنا أو هناك ثم إنجاز بحثٍ عمل عليه الطالب بنفسه.
غش مقابل كسب رزق
تعمد المكتبات ومراكز الخدمات الطلابية المتهمة ببيع البحوث ومساعدة الطلاب على الغش وعدم بذل الجهد، إلى إظهار صورتها كجهة ربحية لا علاقة لها بالجانب الأخلاقي للبحث، يؤكد إسماعيل عبدالوهاب، يعمل في أحد مراكز الخدمات الطلابية في صنعاء منذ خمس سنوات، لـ"خيوط"، أنّ أغلب الطلاب لا يملكون الجهد الكافي للعمل على إنجاز بحث علميّ، والبعض يعاني من قصور في معرفة كيف يبدأ، إذ لا يوجد لديه مخزون فكري أو معرفي ومعلوماتي، وهناك من لا يحضر المحاضرات، وكل تركيزه في الحصول على الدرجات عن طريق شراء بحوث جاهزة، فيما لا يرى البعض الآخر في التعليم ما يلبي طموحاتهم، لذلك يفضلون أن يدفعوا المال مقابل الحصول على تكليف أو بحث يسلمه إلى الدكتور ويحصل على درجة عالية.
فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة لهم ببيع البحث الواحد لعدة طلاب، يؤكد عبدالوهاب صحة هذه الاتهامات؛ نقوم بذلك مع بعض الدكاترة "الأساتذة" الذين صار البحث بالنسبة لهم مجرد روتين، وكل همّه أن يرى اسم الطالب مكتوبًا في واجهة البحث"، في حين لا ينظر وفق حديث إسماعيل إلى المحتوى ولا يدقق فيه، بسبب ظروفه النفسية والجسدية التي لا تسمح له ببذل جهد لذلك، إذ ينظر إلى الأمر على أنه بسيط جدًّا ولا يستحق الاهتمام حتى يرى كل تلك البحوث العلمية المقدمة من قبل الطلاب".
ويرى إسماعيل أنهم في مراكز الخدمات الطلابية مجرد وسيط يسعى لكسب المال، "حتى وإن لم نكن راضِين عن هذه التسهيلات، لكننا قد نبرر ذلك بأننا نساعد الطلاب على النجاح بسبب الظروف التي يعيشها البعض منهم".
ويختتم حديثه بالقول: "يأتي الطالب إلى مراكز الخدمات الطلابية، وأحيانًا يتواصل معنا عن طريق الواتس أو الرسائل القصيرة، ويطلب منّا أن ننجز له بحثًا، نتفق على المبلغ ثم يأتي ليأخذه، وهذه الحالة تعتبر كسب رزق فقط، لكن العيب ليس علينا بل على الدكاترة والطلاب أنفسهم".
تسطيح للعقل والفكر
في هذا الصدد، تشير رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام- جامعة صنعاء، الدكتورة سامية الأغبري، أثناء حديثها لـ"خيوط"، إلى تفشي هذه الظاهرة وارتباطها بضعف التعليم العام: "تحدث عملية سرقة البحوث الجاهزة في كل الكليات تقريبًا، وهذا يدل على قلة الوعي؛ لأن الطالب لم يتعلم في مرحلة الثانوية العامة خطوات البحث العلمي وأبجدياته والاعتماد على النفس، وحين التحق بالجامعة واجه صعوبات كثيرة، علاوة على أنّ نظام الأتمتة والملازم زادت الطين بلّة".
يأتي الطالب في آخر لحظة من نهاية الفصل الدراسي لتسليم البحوث، وهذا ما يدفع بعض الدكاترة إلى التعاون معه، وإذا تم التدقيق ووضع الملاحظات، تقف أمام الطالب صعوبات ميدانية، على رأسها عدم توفر مراجع يستند إليها، إضافة إلى ذلك تكون المكتبات قد أغلقت، علاوة على ذلك فإنّ بعض الطلاب يجمع بين العمل والدراسة، وهو ما يزيد من تعقيد الأمور.