ساهم الخطاب الإعلامي طوال السنوات الماضية من عمر الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، في تأجيج وانتشار خطاب الكراهية وزيادة هوة الانقسام في المجتمع الذي تسببت به أطراف الحرب والصراع في البلاد.
مختلف هذه الأطراف استهدفت الإعلام والصحافة في اليمن وعملت على تأطيرها، وفقًا لأجندتها الخاصة التي تحملها وتغذية نهجها في الحرب والصراع الدائر، واستخدامها في بث رسائلها الدعائية التي تسببت بأضرار فادحة للمجتمع واستقراره وتعايشه.
توسع وانتشار هذا الخطاب الإعلامي التحريضي يرى كثيرون أنه من الأسباب التي ساهمت في إطالة أمد الحرب والتباعد والشقاق وعدم المساهمة في خلق بيئة مؤاتية للحوار وتحقيق السلام في البلاد.
أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين، محمد شبيطة، يؤكد في هذا الصدد أن النقابة تنبهت منذ البداية إلى مثل هذه الخطابات وكان لزامًا عليها مواجهتها في المجال الصحفي، حيث تم تنظيم عدة لقاءات مع الصحفيين لمواجهة خطاب الكراهية، وضرورة ابتعاد الصحفيين عن التمترس مع القوى المتصارعة احترامًا لمهنتهم وتقديسًا لكلمتهم.
يضيف شبيطة أن هذه الفعاليات واللقاءات طالبت الصحفيين الالتزامَ بالمهنية والمسؤولية الأخلاقية والوطنية بما يجعل لغة الخطاب أداة للملمة الجراح ورأب الصدع ونشر السلام والوئام داخل المجتمع.
خطاب متنامٍ
عرف خطاب الكراهية على أنه أي نوع من التواصل، بالقول، أو بالكتابة، أو بالفعل، يستخدم لغة تمييزية تحقيريّة تهجّمية عند الإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس هويّته؛ أي بعبارة أخرى: على أساس دينه أو عرقه أو جنسيته أو لونه أو نوعه الاجتماعيّ أو أي عامل آخر يحدّد هويّته.
يقول منصور القدسي، أستاذ الإعلام في جامعة الحديدة، لـ"خيوط"، إن خطاب الكراهية جاء بسبب انتماءات وسائل الإعلام السياسية والمذهبية والطائفية، وتنامى خطاب الكراهية هذا بفعل النزاع المستمر في البلد، حيث استُخدم الإعلام كأداة لتأجيج حدة النزاع من قبل أطراف الحرب للنيل من بعضهم البعض بصورة مرعبة.
يرى خبراء في مجال الاتصال والإعلام ضرورة وجود مرصد يتخصص برصد كافة أشكال خطاب الكراهية التي تروج له الوسائل التابعة لأطراف النزاع، إذ إن هناك معايير دولية يتوجب احترامها واتباعها لضبط الخطاب الإعلامي ليتبع في هذه الظروف التي يعيشها اليمن نهج صحافة السلام بدلًا عن العنف والكراهية
ويشهد خطاب الكراهية تناميًا مطردًا في وسائل الإعلام اليمنية المختلفة، تلفزيونية وإذاعية وصحفية، وكذا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتسم هذا الخطاب بالتحريض ونبذ الآخر.
تؤكد ثريا دماج، رئيسة منصة "يمن فيوتشر" لخيوط"، أن خطاب الكراهية وجد فضاءً رحبًا وواسعًا خلال السنوات الماضية، وخاصة مع غياب سلطات تنفيذ القانون واتساع دائرة الحرب في أنحاء البلاد، وهناك بوادر خطابات علنية تهدد السلم الاجتماعي وتقسم المجتمع وتقود إلى ترسيخ ممارسات عنصرية.
كما وجدت لها فضاء ومتسعًا لنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام تقليدية تابعة لأطراف معينة، الأمر الذي زاد من تحديات التصدي لها.
من جانبه، يرى عادل عبدالمغني، مدير مشروع مواجهة خطاب الكراهية والتحريض في وسائل الإعلام اليمنية، في حديث لـ"خيوط"، أن خطاب الكراهية والتحريض تنامى في اليمن بصورة متسارعة ومخيفة، ولعله أسوأ ما أفرزته الحرب المشتعلة في البلد منذ نحو ثماني سنوات.
وخلال السنوات القليلة الماضية، تحول خطاب الكراهية إلى ما يشبه ثقافة إعلامية سادت غالبية وسائل الإعلام اليمنية وانتشر كالنار في الهشيم في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت منابر لتغذية الكراهية والتحريض على العنف. يضيف عبدالمغني أن تنوع خطاب الكراهية على أسس جهوية ومناطقية، ومذهبية وعنصرية، وهي جميعها أسلحة خطيرة ومدمرة ما لم يتم وضع حد لانتشارها.
ومن أبرز أسباب انتشار خطاب الكراهية، حسب عادل عبدالمغني، هو تخندق غالبية وسائل الإعلام وراء الأطراف المنتمية لها أو المحسوبة عليها، وتبني خطابها المعادي أو المتعالي على الآخر. والأمر نفسه يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي التي تعمل بلا ضوابط مهنية أو أخلاقية.
فيما يعتقد القدسي أن هناك إشكالية لدى الإعلاميين اليمنيين، حيث لا يُفرَّق بين حرية الرأي والتعبير وبين خطاب الكراهية التي ميزته القوانين الدولية؛ الرأي هو أن توصل الحقيقة للجمهور، ويمكن أن يُبدَى رأي، لكن لا يحق لصحفي أن يخلط ما بين الحقيقة ورأيه ويحاول أن يوظفها لتحريض لصالح طرف ضد طرف وشيطنة الآخر، كما هو حاصل الآن في وسائل الإعلام الموالية لأطراف النزاع.
عواقب خطيرة
في ظل ظروف الحرب التي تعيشها اليمن، فإن خطاب الكراهية يجد مناخًا ملائمًا للتوسع والانتشار بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من عوامل التفكك والتصدع في المجتمع، بينما لم يساعد الانفتاح الإعلامي في الحد من خطاب العنف وابتعاد كثير من وسائل الإعلام عن دورها الحقيقي في التوعية والتثقيف وإيصال الحقائق إلى الجمهور.
كما أن استمرار خطاب الكراهية يؤدي إلى مزيد من التصدعات في النسيج الاجتماعي، ويفضي إلى ارتكاب أعمال عنف وجرائم قد تصل إلى القتل بالهوية.
حسب منصور القدسي، فإن هناك استقطابًا حادًّا من الجهات لإطالة أمد الحرب، إن لم تتم محاكمة مروجي هذا الخطاب مثل التحريض العنصري، فسيقضي على فئات ومكونات، وسيودي التحريض الجهوي بحياة الأفراد والأقليات، لذا -وفق حديثه- يجب محاسبة القائمين على التحريض حتى لا تصبح اليمن كدول، مثل رواندا التي قتل فيها مليون شخص بسبب خطاب الكراهية التي تبنته وسائل الإعلام.
يضيف بالقول: "ستصل أطراف النزاع إلى تسوية سياسية، لكن أنصار أطراف النزاع الذي تم تعبئتهم تعبئة خاطئة من الصعب إقناعهم بتقبل الآخر، إذ إن أطراف النزاع -كما يؤكد القدسي- ستجمعهم مصالحهم وفق تسوية سياسية، بينما أفراد المجتمع سيكونون ضحية التحريض الذي تقوم به وسائل الإعلام التابعة لهذه الأطراف.
حلول ومعالجات
خطاب الكراهية انعكاس طبيعي لتعقيدات الأوضاع وضيق الأفق السياسي ولجوء الأطراف والقوى إلى الشحن المناطقي والسياسي لاستهداف الآخر وشيطنته، بدلًا من التقارب معه ومحاولة رأب الصدع الوطني والتعايش بعيدًا عن أي حسابات أخرى.
الصحفي ماجد الداعري، يشير في حديث لـ"خيوط"، إلى أن ثقافة الكراهية إحدى نتائج وويلات الحرب والصراع العسكري، ولا يمكن تجاوزها إلا بحل توافقي وطني شامل يقوم على شراكة حقيقية لكل الأطراف.
ويرى خبراء في مجال الاتصال والإعلام، ضرورة وجود مرصد يتخصص برصد كافة أشكال خطاب الكراهية التي تروج له الوسائل التابعة لأطراف النزاع، إذ إن هناك معايير دولية يتوجب احترامها واتباعها لضبط الخطاب الإعلامي ليتبع في هذه الظروف التي يعيشها اليمن، نهج صحافة السلام بدلًا عن العنف والكراهية.
كما يتطلب الأمر تكاتف المجتمع ومنظمات المجتمع المدني وقادة الرأي والنخب الثقافية للتصدي لخطاب الكراهية، ومواجهة كل ما من شأنه إثارة وتغذية العنف وتفتيت النسيج الاجتماعي.
ويحذر عبدالمغني من تداعيات هذا الخطاب على حاضر ومستقبل اليمن، مشددًا على ضرورة وضع حد لخطاب الكراهية، والعمل على احتواء ومعالجة هذه الظاهرة المقلقة والخطيرة قبل أن تتحول إلى ثقافة عامة ونزعات متطرفة، خاصة في ظل الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي والميديا الحديثة التي تساهم في سرعة انتشار هذا النوع المدمر من الخطاب.