اقتربت حرب اليمن، التي اندلعت في مارس/ آذار 2015، من عامها السابع، مخلفة عشرات الآلاف من الضحايا العسكريين والمدنيين ومئات الآلاف من الجرحى وآلاف المعتقلين والمغيبين قسريًّا، ومشردة الملايين، ودمارًا في الممتلكات لا يوصف.
حرب عبثية مؤلمة، من المؤكد أن قرارها اتخذ في عدة عواصم أجنبية وعربية، فكان أحد أهم أسبابها الرئيسة امتلاكَ اليمن مخزونًا ضخمًا من الثروات الطبيعية، مُنع اليمن يومًا من استغلالها، بالإضافة إلى موقعه المستفز لبعض الدول، وتحكُّمه بطرق التجارة الدولية، وهو ما يمنحه أهمية استراتيجية تجعله منافسًا لجواره النفطي. ذلك ما يمكن استنتاجه من مجريات الأحداث طيلة ست سنوات وبعد السيطرة على المناطق الاستراتيجية والغنية التي لم تكن في الأساس محل نزاع بين اليمنيين.
ولهذه الأسباب وغيرها، كانت السيطرة على المنافذ الحدودية والمناطق الآمنة وطرد السكان منها، كما حدث في جزر كمران وميّون التي تم تحويلها إلى قواعد عسكرية وتسريح الجيش أو مهاجمته بـ"نيران صديقة"، وتقسيم القبائل إلى أطراف متناحرة وتحويل المحافظات إلى دويلات وتذويب مفهوم الدولة التي كانت تمتلك مقومات السيادة والتعددية، التي أثنى العالم يومًا على ديمقراطيتها الناشئة؛ مما ساهم بشكل مأساوي في توسع الحركات الانفصالية والطائفية، وإفشال قيام أي شكل من أشكال الدولة.
وفي ظل ضبابية الحرب وتعدد الأطراف التي لا تريد إيقافها، وفي ظل تردد اليمنيين عن أخذ زمام مبادرة سلام أو تصالح بسبب الضغط الخارجي، ومع غياب الإرادة الدولية لإنهاء الحرب، فإن من المتوقع استمرار هذه الحرب للأسف، إذا لم يحدث أي تغيير في السياسة الدولية. وعلى اليمنيين أن يتأكدوا أن السطو على اليمن سيستمر تحت كل المبررات، إذا ما انتهت هذه الحرب دون حلول، وأن الفوضى والقتل سيستمران بوجود البيئة العسكرية المسلحة ضد المدنيين والأمنيين مع غياب الدولة، ولن يسمح من أشعل هذه الحرب لليمنيين بالتقارب والمصالحة، كي لا تتحول دعوتهم للسلام إلى قضية عالمية عادلة يتبناها الكثير ممن لم تتلوث أياديهم بالدماء ومن يستطيعون بمدينتهم وتوجههم السلمي تشكيل حاجز لإيقاف هذا النزيف الدموي كي يعود اليمن عزيزًا قويًّا.
اليوم نحن نحتاج، أكثر من وقت مضى، إلى المكاشفة من كل اليمنيين عن الحقائق التي حُجبت عن الناس، والتي بدأت دخانًا وتحولت نارًا تأكل الجميع، ويحتاج الإيمان بالسلام لمواجهة هذه الحرب إلى قناعة؛ لأن الكراهية لا تبني وطنًا للجميع وليس لمن يملك السلاح فقط، وأن القوة يجب أن تكون للدفاع عن اليمن والسواعد لبنائها والعقول لإدارتها، أفرادًا وأحزابًا وقوى وطنية ومفكرين وعلماء.
الإرادة الصادقة التي ليس لها حسابات ضيقة وشخصية هي الأفق الوحيد المتاح حتى الآن لليمنيين من أجل تحقيق السلام، والتي يمكن أن تجمع اليمنيين في داخل وخارج الوطن
اليوم، ومع انتهاء الانتخابات الأمريكية وتوقع حدوث توازنات دولية جديدة في الشرق الأوسط، فقد آن لليمنيين أن يكون لهم كلمتهم فيما يحدث على تراب وطنهم وأن يغيروا أساليب اتصالاتهم مع العالم وبالذات مع دعاة السلام، وأن يبادروا إلى إحراج الإدارة الأمريكية الجديدة من خلال توحيد إرادتهم الوطنية وحلحلة عُقَد الأزمة والخروج بها من حالة الجمود والركود، على الأقل فيما بينهم. والتواصل مع القوى الراغبة بوقف الحرب على تراب وطنهم الذين يرغبون بمد أياديهم لليمنيين وتمكينهم من إيصال أصواتهم إلى العالم طلبًا للسلام، خصوصًا وأن الإدارة الأمريكية من مصلحتها الآن وقف هذه الحرب التي تورطت فيها كطرف وتاجر سلاح، متجاهلة كافة الجرائم التي ارتكبها حلفاؤها ضد اليمنيين والإنسانية.
آن لليمنيين أن يرفعوا أصواتهم مستغلين هذه الظرفية، رافضين لهذه الحرب العبثية والتقاتل بكل أشكاله وتحت أي ذريعة كانت. لكي يتوقف هذا العهر الفج الذي يستتر خلفه قتلة لا مصلحة لليمن ولليمنيين في كل جرائمهم. نعم آن لليمنيين أن يرفعوا شعارًا واحدًا في هذه المرحلة «لا للحرب والدمار والقتل المجاني». ولا أظن أن هناك يمنيًّا شريفًا يختلف مع هذا الشعار ومضمونه.
لقد أراد أعداء اليمن لليمنيين أن يفرقوا، بل يتفتتوا لحمتنا إلى أبعد الحدود، ووعينا ورفعنا لصوتنا في هذه المرحلة هو خير رد على هذه الإرادة التي لا يمكن مجابهتها بالسلاح لأنها تملك منه الكثير. ومن هنا يأتي دور النخب والمثقفين في إيجاد الأرضية الصالحة لبناء يمن الغد. فإعادة صياغة اللحمة بين أبناء اليمن الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء هو واجب كل فرد منا، وهو عمل شاق ومضن، ولا يقل أهمية عن بناء الحجر إذا ما وضعت هذه الحرب أوزارها. بل هو أهم من بناء الحجر على الإطلاق. وعلى أبناء اليمن ألّا يضعوا العربة قبل الحصان، وإلا يا ويلنا؛ أن نكون كأننا لم نتعلم شيئًا من بحار الدماء الطاهرة التي أريقت على أرض وطننا يومًا.
وإذا كان أعداء اليمن "وأعدقائه" قد شتتوا أبناءه وبنوا حواجز فيما بينهم، فإنه بإمكاننا كسر هذه الحواجز، واللقاء في مرحلة أولى عبر منصات التواصل الاجتماعي في لقاءات مفتوحة، نتناقش ونتحدث فيها بحرية من أجل إيجاد صيغ تفاهم وتعميق النقاط المشتركة، بما سيساهم في بناء يمن الغد الذي نحب ونريد أن يكون؛ فما بيننا وما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، وعلينا أن ندرك أن هذه اللقاءات أولًا وأخيرًا تأتي من الحرص كي لا يسرقوا منا اليمن غدًا، إذا ما توقفت هذه الحرب، التي لا ولن يربح فيها أحد! ولهذا ليكن حصاننا الذي نراهن عليه هو اليمن ولا شيء سواه. وإلا فما فائدة أن نربح جوازات سفر مختلفة تزين جيوبنا ونخسر اليمن وطننا وحبنا!
وهذا سوف يساعد ويدعم بقوة -بلا شك- كل المخلصين الذين استطاعوا منذ فترة، متسلحين بنواياهم الوطنية الصادقة، تكوين تحالفات وتجمعات مدنية مستقلة للمصالحة والتقارب بين المتحاربين في عدد من المناطق اليمنية، فأثمرت عن فتح بعض الطرقات وتبادل للأسرى دون تدخل من أي طرف خارجي. مما يعني أنه بمقدورنا تقديم الكثير من أجل اليمن وأبنائه، إذا ما توفرت الإرادة الصادقة الرافضة للحرب واعتبرتها وسيلة متوحشة للسلطة، وطالبت بإسقاطها أخلاقيًّا بوسائل سلمية.
إن الإرادة الصادقة التي ليس لها حسابات ضيقة وشخصية هي الأفق الوحيد المتاح حتى الآن لليمنيين من أجل تحقيق السلام، والتي يمكن أن تجمع اليمنيين في داخل وخارج الوطن، وتساعدهم على وضع حلول وصيغ تفاهم، وتقرب وجهات النظر بينهم، وتمكنهم من المساهمة في صنع المستقبل لأبنائهم، وبناء اليمن وفق أرضية صالحة للمصالحة والعدالة والتنمية، الإرادة التي تقرب وجهات النظر المختلفة بكل الطرق بتجرّد وحيادية؛ لأن لليمن حقوقًا على أبنائه جميعًا.
وإنّا لمنتظرون عودة الحكمة اليمانية، وعودة الروح للجسد اليمني؛ فهل من آذان صاغية وهل من مبادر؟