تعتقد شريحة واسعة من اليمنيين أنّ الأطباء اليوم يسعون لجعل المريض يخضع للعديد من المعاينات والفحوصات الموجودة في عياداتهم الخاصة، أو عيادات أصدقاء لهم بمبرر صحي أو بدونه، وغالبًا ما يتجاوز سعر هذه الفحوصات والإجراءات الأولية أضعافًا مضاعفة عن أسعارها في المستشفيات والمراكز الحكومية.
تبدأ مراحل الضعف عند المريض، عندما يفقد الثقة بالأطباء وبمدى صوابية إجراءاتهم بالنظر لسعيهم الحثيث للربح على حساب ألمه، لكنّ جزءًا واسعًا من المواطنين يرون عكس ذلك في أنّ الأطباء يبذلون جهودًا جبارة في ظل ظروف صعبة يمر بها اليمن بفعل الحرب الدائرة منذ العام 2015.
بحسب محمد الجرباني (صيدلي)، فإنّ المرض هو نقطة ضعف المريض، خاصة حين تتعلق المسألة بحياته، وهو ما يجبره على الذهاب للطبيب، بصرف النظر عن موقفه السابق منه، أو إدراكه لجشعه، منوهًا أنّ استغلال بعض الأطباء لهذا الاحتياج الملِحّ، تحول لظاهرة خاضعة للتنافس السلبي، دون وجود معايير حقيقية وقانونية تحكم هذا المجال.
فضلًا عن وضعية القطاع الصحي والطبي في اليمن وانحرافه عن مساره وهدفه الحقيقي منذ فترة طويلة، إذ وضع بعض الأطباء مصالحهم فوق قيم الرسالة الإنسانية التي من المفترض أنهم يجسدونها على أرض الواقع.
وتجاوز الأمر إلى استغلال الطبيب للمريض، بحسب الجرباني، عبر زيادة التكلفة بشكل مباشر، بل امتد لعقد الصفقات مع شركات الأدوية، في مقابل فائدة تعود عليه تصل أحيانًا إلى قرابة 30%، حيث يقوم الطبيب بإحالة المرضى وإلزامهم بشراء أدوية أو مستلزمات بعينها، حتى وإن كانت غير مناسبة.
تدهور معيشي ورقابي
خالد النهاري، طبيب أطفال يعمل في المستشفى السويدي في إحدى المناطق الريفية بمحافظة تعز، يقول لـ"خيوط"، إنّ راتب الطبيب في اليمن متدنٍّ جدًّا، ويعتبر أقلَّ راتبٍ يتقاضاه طبيب على مستوى العالم، وهذا قد يكون له تأثير في قيام أطباء بدورهم الإنساني المعتاد ومبادرات لخدمة المجتمع، مشيرًا إلى ما يعاني منه القطاع الطبي في اليمن، من ارتفاع قيمة المعاينة الطبية وأسعار المعدات، وكذلك المحاليل والأدوات الطبية؛ حيث إن معظمها لا تباع إلا بدولار، كما يؤكد النهاري أنّ المجتمع ينظر للطبيب باعتباره ذا دخل ماديٍّ كبير، وهذا ما حرمه من الدعم والمساندة والتعاطف الإنساني.
الأطباء في اليمن يجب أن يمتلكوا روح المبادرة الإنسانية بالرغم من صعوبة الظروف الراهنة؛ لأن الجميع متضررون من هذه الأوضاع الناتجة عن الحرب وفي مركب واحد، لذا عليهم مساعدة المجتمع.
ويلاحظ أن نسبة كبيرة من الأطباء العاملين في القطاع الحكومي يعملون في الوقت نفسه، في القطاع الطبي والصحي الخاص، ويمتلك بعضهم عيادات ومستشفيات خاصة.
وفق النهاري، فإنّ الأهم في هذا الجانب ألَّا ينسى الطبيب دوره الإنساني، وأن لا يطغى الاستثمار والعمل التجاري على الخدمة المقدمة، إذ إنّ بالمقابل، هناك متاجرة بهذه المهنة وبأرواح الناس، وهذا يعود إلى ضعف رقابة الجهات المختصة بمواجهة الفساد في القطاع الصحي، إضافة إلى غياب قوانين الردع التي تلزم الأطباء بالقيام بواجباتهم على أكمل وجه، كما ساهم ضعف الرقابة المجتمعية في تردي الواقع الطبي وتراجع أداء الأطباء، والإيغال في أخطائهم.
ويطالب أطباء ومختصون في القطاع الصحي بضرورة وضع قوانين صارمة على شركات الأدوية، التي كان لها دور كبير في تحريك دوافع الثراء والجشع في هذا القطاع عبر دفع نسب وبونصات كبيرة، من أجل تصريف سلعهم الدوائية؛ مما أثّر بشكل سلبي على المرضى.
المشافي الخاصة
تتزايد المستشفيات الأهلية في اليمن، بشكل ملحوظ، بسبب الشلل شبه التام الذي تعاني منه المرافق الصحية الحكومية، إضافة إلى احتواء القطاعات الطبية، الخاصة منها، على المعدات والأجهزة الحديثة والمتطورة التي تتطلبها الحالات المرضية الحرجة، إلى جانب تواجد نخبة من الأطباء المتخصصين في مجالاتهم، أمر يدفع المرضى للتوجه نحوها، ولو مجبرين.
يختار العديد من المواطنين المرضى العيادات الخاصة، لأسباب ترتبط بمستوى الاهتمام من قبل الطبيب والمتابعة التي يوليها للمرضى، وإن كانت التكاليف أكبر.
إذ يلجأ العديد من الأطباء لإضافة المختبرات، والصيدليات الخاصة بهم، لتكون في ذات مساحة العيادة، وبذلك يكون الطبيب، قد وضع كل إمكانياته لاستثمار وضعه وطبيعة عمله، وبالتالي تبدو التكاليف أكثر لأن ما يقرره الطبيب من فحوصات وأدوية، تكون موجهة للأقسام التابعة لعيادته أو مشفاه.
عدنان سيف القاضي (مواطن)، يرى في حديث لـ"خيوط"، أنّ الأطباء في اليمن يجب أن يمتلكوا روح المبادرة الإنسانية بالرغم من صعوبة الظروف الراهنة؛ لأن الجميع متضررون من هذه الأوضاع الناتجة عن الحرب وفي مركب واحد، لذا عليهم مساعدة المجتمع.
يضيف أنّ الحرب الحالية وانقطاع المرتبات واتساع ظاهرة الفقر والعوز في أوساط اليمنيين، أدّت إلى انتشار الأمراض وتدهور الصحة العامة، وهو ما يحتّم على الأطباء القيام بدور فعّال لإنقاذ الكثير من محتاجي المساعدة، أسوة ببقية الأطباء في مختلف دول العالم، الذين لهم مبادرات إنسانية وأخلاقية مجانية.
ويتطرق الكاتب الصحفي عبدالقوي شعلان (صحافي)، في حديثه لـ"خيوط"، إلى القطاع الصحي والمرافق الخاصة ووضع المرضى بعد أن تعطلت المستشفيات الحكومية وتحول أطباء تلك المستشفيات للعمل في المستشفيات الخاصة عبر سرد قصة مريضة صادفها بنفسه في تعز كانت تعاني من التهابات الرئة، وربما كانت مصابة بالقلب، إذ إنّ الكارثة أنها، بعد توجهها لأحد المشافي الخاصة، لم يتم تشخيص مرضها بالضبط، نظرًا لتضارب الأقوال؛ فـ"هناك من يقول قلب، وهناك من يقول رئة"، وهو ما تسبب في تدهور صحتها، وهو الحال ذاته لنسبةٍ من المرضى الذين يتعرضون لأخطاء طبية نتيجة للتشخيص الطبي الخاطئ.
وفي ظل الفوضى التي تجتاح المرافق الطبية في الأرياف والمناطق النائية والإهمال الذي تعاني منه، وارتفاع تكاليف العلاج في هذه المرافق وغيرها من المرافق والمشافي التي تعاني من وضع مشابه في المدن، لذا فإنّ انقطاع معظم المرضى عن زيارة الأطباء، يؤدي إلى تفاقم الوضع الصحي لمعظم المرضى، وساهم في تدهور معظم الحالات التي كان بالإمكان تلافيها، نتيجة عدم قدرة غالبية المواطنين، خاصة الريفيين من تحمل أعباء السفر للمدن وشراء الأدوية، أو إجراء الفحوصات المطلوبة .
* تحرير خيوط