رغم التطور الحاصل في محافظة شبوة على مختلف المستويات التنموية والاستثمارية، إلا أنه في المقابل لا تزال هناك قطاعات خدمية مهمّة تراوح مكانها وتشهد تدهورًا متواصلًا، مثل قطاع الصحة الذي يتطلب اهتمامًا أكبر بما يؤدي إلى تحسين وضعيته وخدماته المختلفة المرتبطة بالناس بشكل مباشر.
ويشكو مرضى من محدودية الخدمات المقدمة في المرافق الصحية في شبوة والتي تفتقد التجهيزات الطبية الحديثة؛ الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم معاناة المواطنين والمرضى الذين يبذلون جهودًا شاقة وتكاليف باهظة للانتقال إلى مناطق ومدن أخرى للعلاج مثل عدن وغيرها، وهو ما يضاعف كثيرًا من معاناة المرضى على كافة المستويات، ويؤدي إلى تدهور أكثر في وضعيتهم الصحية، إذ إن بعضهم لا تسمح لهم وضعيتهم الصحية الحرجة بالتنقل والسفر من منطقة لأخرى.
ويقول المواطن محمد العولقي، من سكان شبوة، لـ"خيوط"، إن طفله يعاني من شحنات كهربائية في الدماغ، تم تشخيصه بالمرض قبل حوالي أربعة أعوام، ومنذ ذلك الحين يقطع رحلة من عتق (عاصمة المحافظة الواقعة جنوب شرقي اليمن) إلى مدينة المكلا في محافظة حضرموت المحاذية، لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة والرجوع إلى عتق، ومن ثم العودة الطبية كل ستة أشهر؛ ما سبب، على الطفل والمرافقين له، صعوبات كبيرة أثناء التنقل، غير الخسائر المادية التي "تقطع مع الرأس فقرة" كما أشار العولقي في حديثه.
ويضيف أنه اضطر للسفر لعلاج طفله بسبب عدم وجود أخصائي مخ وأعصاب في شبوة كلها، على الرغم من كثرة الحالات المشابهة لحالة طفله أو مثلها، وهو ما يدفعهم للانتقال إلى المكلا أو عدن للعلاج والفحوصات والقيام بمثل هذه التدخلات الطبية.
من جانبه، يقول صالح الأحمدي، وهو ممرض في قسم الطوارئ وضابط إداري في مستشفى عتق العام، إن كثيرًا من الحالات المرضية يتم تحويلها إلى خارج المحافظة؛ نظرًا لحالة الطوارئ التي يمر بها المريض، كالإصابة بطلق ناري أو حادث سير، التي لا تستطيع المستشفيات تقديم الخدمة اللازمة لها.
ويضيف الأحمدي لـ"خيوط": "بحكم أني ضابط إداري ومطّلع على أوراق التحويل في الفترة المسائية، يوميًّا يتم تحويل حالة على الأقل من مستشفى عتق سواء قادمة من مستوصفات خاصة أو من المستشفى العام نفسه".
غير أن معظم المرضى الذين يتم تحويلهم هم مرضى السرطان، وعلى الرغم من وجود مركز لمرضى السرطان إلا أن حاجة المرضى للعلاج الكيماوي يضطر بالأطباء لتحويلهم للمكلا أو عدن، أما إذا كان المريض يحتاج للعلاج الإشعاعي فهو يقطع 18 ساعة لتلقي العلاج في صنعاء؛ نظرًا لعدم وجود هذا النوع من العلاج في هذه المحافظات، أو الخروج خارج اليمن لتلقي العلاج المناسب.
كغيرها من المحافظات والمدن اليمنية التي انتشر فيها فيروس كورونا، واجهت المرافق الصحية في محافظة شبوة صعوبة بالغة في التعامل مع حالات الإصابة مع فيروس كورونا لتدهور وضعيتها وعدم جاهزيتها في التعامل مع هذه الحالات الطارئة.
ويتابع الأحمدي: "الحديث في هذا الموضوع يطول نظرًا لاتساعه، والمعاناة ما زالت مستمرة، رغم أنها أقل نسبة للأعوام السابقة بعد توفير جهاز الأشعة المقطعية بالمستشفى العام، وهذا أيضًا لا يكفي وحده حيث إن أهم الخدمات الطبية التي لا تستطيع المرافق الصحية تقديمها للمرضى ما زالت غائبة، وحتى المتاح منها ليس بالمستوى المطلوب وبالصورة التي يحتاجها المواطن".
وتقع محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن، ويشكل سكان المحافظة ما نسبته (2.4%) من إجمالي سكان الجمهورية، وعدد مديرياتها (17) مديرية، ومدينة عتق مركز المحافظة، وأهم مدنها بيحان وحبان وعزان، وتعد الزراعة، وتربية النحل، والاصطياد وتعليب الأسماك من أهم الأنشطة الرئيسة لسكان المحافظة، ويشكل إنتاج المحافظة من المحاصيل الزراعية ما نسبته (1.9%) من إجمالي إنتاج المحاصيل الزراعية في الجمهورية.
وضعية متدهورة وجهود تطويرية
وتفتقد المرافق الصحية في شبوة، كغيرها من المحافظات في البلاد، البنيةَ التحية والتجهيزات اللازمة لتقديم الخدمات الطبية للمرضى، خصوصًا الأمراض المستعصية وأجهزة المناظير الخاصة بأمراض القلب والكلى وغيرها من الخدمات الضرورية المقدمة للمرضى في المحافظة.
ومن أهم الخدمات الطبية التي تفتقدها المحافظة ولا تستطيع المرافق الصحية تقديمها للمرضى، لعدم وجودها إطلاقًا أو الخدمة المقدمة للمريض لا ترتقي لمستوى احتياجه- أقسام العناية المركزة، وتوجد فقط في مستشفى عتق العام ومستوصف آخر، إلا أنه ليس بالمستوى المطلوب لقلة الكوادر المختصة.
ويأمل القائمون على القطاع الصحي في شبوة أن تشكل هيئة مستشفى شبوة، الجاري العمل على استكمال إنشائها، إضافة نوعية في تطوير القطاع الصحي والخدمات التي يقدمها في محافظة شبوة، وانطلاقة كبيرة نحو العمل الصحي والقطاع الطبي.
وكان وزير الصحة في الحكومة المعترف بها دوليًّا، قاسم بحيبح، قد أشاد في زيارة قام بها مؤخرًا إلى محافظة شبوة بما تشهده من نهضة كبيرة في المجال الصحي، مؤكدًا التعاون مع السلطة المحلية لدعم القطاع الصحي وإنجاحه.
مواجهة الفيروس
انتشار فيروس كورونا في اليمن منذ منتصف العام الماضي عن معاناة القطاع الصحي المتدهور في جميع المحافظات اليمنية، إذ اتضح أنه لا يزال غير مؤهل للاستجابة السريعة والمبكرة لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية ومنها جائحة كورونا؛ مما ساهم في تفشي الكثير من الأوبئة.
وبشكل عام في اليمن، لا يزال النظام الصحي دون المستوى المطلوب، وقد تعرض لصدمات قوية بالتوازي مع ضغوط الطلب على المرافق الصحية.
وكغيرها من المحافظات والمدن اليمنية التي انتشر فيها فيروس كورونا، واجهت المرافق الصحية في محافظة شبوة صعوبة بالغة في التعامل مع حالات الإصابة مع فيروس كورونا لتدهور وضعيتها وعدم جاهزيتها في التعامل مع هذه الحالات الطارئة.
وأدى انتشار فيروس كورونا، وفق تقرير صادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي في اليمن بالتعاون مع اليونيسف، اطلعت عليه "خيوط"، إلى تفاقم احتياجات السكان في اليمن بشكل عام، من المياه والنظافة الصحية، وبالتالي زيادة الضغط على الاحتياجات الخدمية والسلعية من المياه والأدوية والمواد الغذائية، وكذا أدوات النظافة الصحية والمعقمات، إذ تعد الفئات الأكثر فقرًا والمهمشة الأكثر عرضة بشكل خاص للمخاطر.
في السياق، تسلم مكتب الصحة العامة والسكان محافظة شبوة الأسبوع الماضي الأجهزة والمستلزمات الطبية لمراكز العزل العلاجية بالمحافظة بتمويل من منظمة الصحة العالمية ومجموعة البنك الدولي، والتي شملت عددًا من أسرة الرقود والأدوات والأدوية والمعقمات المستخدمة في علاج كوفيد-19.
وأكد عبد ربه هشلة، الأمين العام للمجلس المحلي بالمحافظة، على أهمية هذا الدعم في مجال الصحة ودعم مراكز العزل في ظل وجود جائحة كورونا وارتفاع الإصابات في الفترة الأخيرة، أملًا أن يشمل تقديم الدعم لمختلف قطاعات الصحة في المحافظة.
من جانبه، ناشد مدير عام مكتب الصحة الدكتور سعيد بافاضل، وزارة الصحة والمنظمات الدولية التدخل في توسعة غرف العناية المركزة لمراكز العزل العلاجية في شبوة نتيجة تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا.
معاناة شاملة
النظام الصحي في اليمن بشكل عام، غير مؤهل ويفتقر للإمكانات للاستجابة السريعة والمبكرة لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية؛ حيث كانت محافظات في شمال وجنوب شرقي اليمن، تعاني من مستويات مرتفعة وتثير القلق حول عدم توفر خدمات الأمراض المعدية في المرافق الصحية بنسب تفوق 60%. وبوجه عام، كان 43% فقط من المرافق الصحية العاملة يتوفر لديها خدمات مكتملة لمعالجة الأمراض المعدية؛ بينما 40% من المرافق العاملة توفرها جزئيًّا و17% لا توفر تلك الخدمات كليًّا. إضافة إلى أن الصراع الدائر في اليمن خلّف ما يقرب من 20 مليون نسمة، نصفهم من الأطفال، ممن هم في حاجة للحصول على مساعدات الرعاية الصحية الأولية.
ويشير التقرير إلى أن 7 ملايين شخص من أصل عدد سكان 30 مليون نسمة، بحاجة إلى خدمات الرعاية الصحية، وأن 14 مليون بحاجة -صنفها التقرير بالـ"ماسة"- لهذه الخدمات، إضافة إلى ثلثي المديريات؛ 203 مديرية من أصل 333 مديرية تعد ضمن الأشد احتياجًا للخدمات الصحية بسبب ضعف إمكانية الوصول للخدمات الصحية، وتتوزع هذه المديريات على 22 محافظة، ويتفاوت مستوى شدة الاحتياج من محافظة إلى أخرى.
*تحرير خيوط