كانت يسرى عبدالله (28 عامًا)، تعيش حياة روتينية عادية قبل أن تنقلب فجأة رأسًا على عقب، بعد أن قررت اقتحام الحياة السياسية والحزبية، لم تكن تتصور أنّ هذا الحقّ الذي أرادت ممارسته سيؤدي إلى سلبها الكثير من الحقوق، كالحصول على بعض الفرص في العمل والاستقرار في العيش.
تُعدّ الأحزاب جزءًا رئيسيًّا من مكونات الحياة السياسية في أي بلد، خصوصًا التي تنتهج النظام الديمقراطي، فتطورت المنظمات الحزبية الحديثة وانتشرت خلال العقود الماضية في جميع أنحاء العالم التي تتعدد أشكال وأنواع أنظمتها السياسية؛ فمنها من يعتمد نظام الحزب الواحد، والبعض يتبع نظام الأحزاب المتعددة.
تحكي يسرى لـ"خيوط"، أنها أصبحت تواجه العديد من التحديات بمجرد أن تخرج من منزلها، قائلة: "أبذل جهدًا مضاعَفًا لعمل أشياء يمارسها البعض بجهد أقل بسبب العداء المجتمعي لصورة المرأة المتحزبة، إلى جانب وجود المناكفات الحزبية بين الأحزاب؛ ما يجعلنا معرضين للكثير من الأمور، منها الإساءة وانتهاك الخصوصية".
وصلت هذه الفتاة العشرينية -كما تتحدث- لمرحلة الإقصاء من أمور وفرص عديدة؛ لكونها "امرأة حزبية"، مثل الفرص التدريبية والتأهيلية أو فرص العمل، بغض النظر عن الحزب الذي تنتمي له.
إلى جانب ذلك، تكمن معاناة يسرى في أبسط الأشياء التي يعدّ الحصول عليها من حق أي أحد، وهي الاستقرار في منزل وممارستها حياتها بشكل طبيعي في الحي الذي تسكنه، وهو أمر تفتقده بحسب تأكيدها، كونها "متحزبة" كما يُطلِق عليها البعض متهكمًا، فهي دائمة التنقل والبحث عن شقة للإيجار، وهو أمر أثر عليها كثيرًا، نفسيًّا وعلى كافة المستويات، فكلمة "متحزبة" يعني أنّ حياتها ستكون مليئة بالصعوبات والمشاكل.
يحتكر الرجال المواقعَ القيادية في بنية الأحزاب اليمنية، وتعامل نخبها القيادية مع المرأة كملحق وتابع أو لغرض التمثيل الديكوري الذي تتطلبه بعض شروط الحياة الديمقراطية وليس كشريك أساسي وفاعلٍ يُشكِّل قوة اجتماعية وسياسية وازنة في المجتمع.
تشرح يسرى أنه بسبب هذه النظرة، يتم إخراجها من السكن بعد معرفة مُلّاك العقارات والمساكن أنّها متحزبة. إلى جانب ذلك، يرفض البعض التعامل معها والاختلاط بها، بسبب كونها متحزبة، فالمرأة التي تناضل حسب اعتقادها، لإثبات وجودها السياسي وأن تكون جزءًا من مشهد يستحوذ عليه الرجال غالبًا، هي "امرأة فولاذية"، كونها استطاعت أن تحارب لتقف الند للند مع الرجل، ونيل حقها ووجودها في أكثر المواقع التي تهدّد حياتها بسبب نظرة المجتمع وعاداته وتقاليده.
احتكار وممارسات إقصائية
ليست يسرى وحدها من تعاني كونها امرأة متحزبة، إذ تقول أضواء عبدالجليل (30 عامًا)، رئيسة دائرة المرأة في حزب رابطة اليمن الاتحادية بتعز، إنّ انخراطها في الحياة السياسية والحزبية، جعلها امرأة قوية وواعية للكثير من الأمور في المجتمع، بالرغم من سلبها راحتها.
بحسب أضواء، في حديثها لـ"خيوط"، فإنّ "اليمنية المتحزبة" هي امرأة مضطهدة ويتم تمييزها حتى داخل الأحزاب السياسية التي لا تمثّل المرأة فيها بمناصب قيادية بشكل مناسب، إضافة إلى مشاركتها المحدودة في البرامج وصناعة القرار داخل الأحزاب.
يرجع ذلك، وفقَ اعتقاد عبدالجليل، إلى عدة عوامل تقف أمام وجود مشاركة فعلية للمرأة المتحزبة في اليمن، منها -كما تقول- التنشئة الاجتماعية والسياسية، والتي تصنِّف المرأة بأنها غير قادرة على خوض غمار السياسة ولا اتخاذ القرارات المهمة، والسبب الذي يعول عليه دائمًا أنّ المرأة أقل "عقلانية" من الرجل أو أن مكانها المنزل فقط.
في السياق، يرى الباحث الاجتماعي عيبان السامعي، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ المرأة اليمنية المتحزبة تناضل في واقع قاسٍ، وفي ظل جملة من الممارسات والقيم الإقصائية التي تستهدف وجودها ودورها.
يأتي ذلك على الرغم من أن الخطاب السياسي لغالبية الأحزاب في اليمن، يؤكّد على أهمية قضية المرأة ومشاركتها السياسية، إلا أنه على الصعيد العملي لم تقدِّم هذه الأحزاب أيَّ شيء ملموس، فالمرأة هي آخر ما يمكن أن تنشغل به الأحزاب، كما يقول السامعي.
مشيرًا إلى احتكار الرجال للمواقع القيادية في بنية الأحزاب اليمنية وتعامل نخبها القيادية مع المرأة كملحق وتابع أو لغرض التمثيل الديكوري الذي تتطلبه بعض شروط الحياة الديمقراطية وليس كشريك أساسي وفاعلٍ يُشكِّل قوة اجتماعية وسياسية وازنة في المجتمع.
التحدّي الأهمّ
ظهرت مؤخرًا العديد من التكتلات الحزبية الجديدة والناشئة على الساحة اليمنية، والتي يُشكِّل الشباب ممّن ينتمون لأحزاب أخرى على الساحة في اليمن نسبةٌ مناسبة فيها، وذلك لتشكيل تكتلٍ حزبي يضمّ ويتبنى رؤى شبابية تعمل من أجل إنماء المجتمع.
بهذا الخصوص، يفيد رئيس حزب تيار "نهضة يمن"، عقبة عباس، في حديث لـ"خيوط"، أنّ عددَ أعضاء تيار "نهضة يمن" وصل إلى 20 ألف عضو، تشكِّل المرأة المتحزبة ما نسبته 40%، مؤكِّدًا أنّ هذه النسبة من الممكن أن تتضاعف مستقبلًا إلى نحو 60%؛ وذلك لإيمانه بأهمية مشاركة المرأة اليمنية بشكل فاعل في المجال السياسي، بالأخص على مستوى الأحزاب السياسية.
ويؤكِّد عباس، أنّ المجتمع لا يمكن أن يتطور ويتقدم على كافة المستويات، إذا لم يكن للمرأة دورٌ في صياغة القرارات المتعلقة بحياتها الخاصة والعامة، وإذا لم تأخذ حصَّتها من الأعمال المهنية والإدارية والاقتصادية، إضافة إلى مشاركتها الفاعلة في صناعة القرار بالمؤسسات العامة والخاصة، فتمكين المرأة بات يُشكِّل التحدي الأهم لتحقيق التنمية على أساس المشاركة والفرص المتساوية.
ويبقى النهوض بوضعية المرأة اليمنية في كافات المجالات، أمرًا مُلِحًّا يتطلب تضافر جهود كل مكونات المجتمع، خصوصًا في الوضع الراهن الذي تعيشه اليمن من أزمات متعددة على كافة المستويات.