فوجئ مازن رشاد بحظره من نشر أيّ محتوى على حسابه الشخصي على منصة التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، بعد أن قام بنشر بعض المنشورات التي كان يعبر فيها عن تعاطفه مع ضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الفلسطينية، ويقول في حديثه لـ"خيوط" إنّ فيسبوك قام بإزالة منشوره الأول الذي كان يحتوي على صورة العلَم الفلسطيني مرفقًا بالدعاء لضحايا الحرب في غزة، وقد تفاجأ بهذا التصرف، لا سيما أنه لم ينشر أي محتوى عنيف أو يدعو إلى خطاب الكراهية.
مع تسارع الأحداث وزيادة وتيرة العنف والحرب على الفلسطينيين في قطاع غزة في الأيام السابقة، كان رشاد يحاول نشر بعض أحداث الحرب على صفحته، غير أنّ المنصة كانت تحذف بعض المنشورات وتحجب الأخرى من الوصول إلى المستخدمين، وبعد أيام تم إيقاف حسابه لمدة شهر كامل، وإنذاره بحذف صفحته نهائيًّا في حال عدم توقفه عن نشر المحتوى الذي قالت فيسبوك أنه ينتهك معايير النشر.
ويعاني مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي -الناشرون باللغة العربية- من رقابة واسعة ومضايقات كبيرة وكثيرة من قبل منصات "السوشيال ميديا"، لا سيما منصتي فيسبوك وإنستغرام التابعة لشركة "ميتا" الأمريكية، وهي المنصات الأكبر والأكثر تطرفًا في التعامل مع المستخدمين، ليس اليمنيين فحسب، بل العرب وكل من له رأي مختلف عن الحرب الإسرائيلية على غزة والدعم الأمريكي والغربي الواسع لها، إضافة إلى ما ينشرونه، خصوصًا ما يتعلق بآرائهم تجاه القضية الفلسطينية، ولا يتوقف الأمر على الحسابات الشخصية؛ إذ يُمارس الشيء ذاته على حسابات وسائل الإعلام والمنظمات المدنية والدولية في حالات عديدة.
أيّ محتوى يتعرض لحملة كبيرة من البلاغات على منصات "ميتا" يتم إزالته، لكن الغريب في الأمر أنّ المحتوى الفلسطيني يتم إزالته لمجرد وجود بلاغات وإن كانت قليلة.
حجب وتضليل ممنهج وخوارزميات صارمة
في الـ13 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قالت "ميتا" في بيان نشرته على موقعها الرسمي إنها حددت سلسلة من التدابير التي وضعتها لإدارة المحتوى الضار على منصاتها خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إثر الهجمات التي نفذتها حركة حماس في السابع من الشهر ذاته.
الغريب في الأمر أنّ البيان أعطى صورة مغلوطة عن الواقع من خلال تجريد هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول من سياقها العام، إذ وصفها بأنها أعمال إرهابية "صادمة" و"مرعبة" في اتساق مع الانحياز الفاضح والتضليل والمزايدات غير الدقيقة والمجردة من الأخلاق والقيم المهنية المتبعة في التغطية الإعلامية الغربية للأحداث في إسرائيل وفلسطين، واعتمدت ميتا في بيانها على خطاب صريح في انحيازها ضدّ الفلسطينيّين؛ فهي تشير إلى أحداث 7 أكتوبر بوصفها "الهجمات الإرهابية الغاشمة التي شنّتها حماس"، فيما تستخدِم عبارات ملطّفة ومدروسة في حديثها عن "ردّ الفعل من إسرائيل على غزة".
في السياق، يشرح ماجد أبو سلامة، وهو مهندس مختص في إدارة أمن المعلومات، لـ"خيوط"، أنّ "ميتا" تعتمد على أكثر من وسيلة من أجل محاربة أو حذف المحتوى الفلسطيني على منصاتها؛ أشهرها اعتمادها على خوارزمية المنصات التي تعمل بشكل آلي، حيث يقوم مختصون بإدراج كلمات مفتاحية عديدة ونماذج لبعض الصور أو مقاطع الفيديو إلى النظام الذي بدوره يقوم بحذف وحظر أي محتوى مشابه لها، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك آلية جديدة تعمل عليها منصات ميتا، حيث تقوم بحجب رؤية المحتوى للأعضاء، وهذا الإجراء حديث وخاص فقط بالمحتوى المناهض للاحتلال الإسرائيلي، والمتعاطف مع الفلسطينيين.
كما أكّدت "ميتا" أنها قامت بإزالة أكثر من 795 ألف عنصر محتوى، تراها مزعجة وتنتهك سياسة النشر على المنصة خلال الثلاثة الأيام الأولى من الحرب فقط، وأشار البيان إلى أنه تم إزالة خلال الثلاثة الأيام تلك سبعة أضعاف من عناصر المحتوى يوميًّا بسبب انتهاكها لسياسة المنظمات الخطيرة والأفراد الخطرين باللغتين العبرية والعربية فقط، غير أنّ الواقع يشير إلى أنه لا يتم إزالة المحتوى باللغة العبرية بذلك القدر.
تعتمد "ميتا" على بلاغات المستخدمين لإزالة المحتوى على منصاتها، وفي هذا الجانب يشير أبو سلامة إلى أنّ أي محتوى يتعرض لحملة كبيرة من البلاغات على منصات "ميتا" يتم إزالته، لكن الغريب في الأمر أنّ المحتوى الفلسطيني يتم إزالته لمجرد وجود بلاغات، وإن كانت قليلة. ويؤكّد أبو سلامة إلى أنّ هناك جيشًا إلكترونيًّا كبيرًا تابعًا لوحدة السايبر الإسرائيلية، يقوم بمتابعة المحتوى العربي المنشور بعناية، ويتولى عمليات الإبلاغ عنه باعتباره محتوى عنيفًا أو يحض على العنف ويتم إزالته على هذا الأساس.
رقابة مصحوبة بانتهاكات
وتمتلك "ميتا" سجلًّا حافلًا في قمع المحتوى العربي، لا سيما المتعلق بالقضية الفلسطينية؛ إذ بدأت منذ العام 2016 بتطبيق سياسة نشر صارمة تجاه المحتوى المنشور باللغة العربية، بعد أن عقدت اتفاقًا مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بحجة إزالة خطاب الكراهية أو مواجهة معاداة السامية، وصلت ذروته عقب أحداث حي الشيخ جراح في العام 2021، ما جعل منظمات عدة تحتج على تلك الممارسات وتدعوها إلى إجراء تدقيق مستقل في طريقة إدارتها للمحتوى.
أسست إسرائيل وحدة السايبر، وهي وحدة خاصة بمراقبة المحتوى المنشور على الإنترنت ومحاربة المحتوى المعادي لها. في العام التالي، قامت بتوقيع شراكة مع "ميتا" من أجل محاربة ما أسمته خطاب معاداة السامية، وهو الأمر الذي جعل إسرائيل تستغل ذلك من أجل محاربة المحتوى الفلسطيني داخل منصات "ميتا" والضغط على ميتا من أجل إزالته.
وفي وقتٍ لاحق من العام الماضي 2022، نشرت شبكة الأعمال من أجل المسؤولية الاجتماعية BSR تقريرًا يحتوي على مبادئ وتوصيات الأمم المتّحدة التوجيهيّة بشأن الأعمال وحقوق الإنسان (UNGPs). وتطرّقت تلك التوصيات إلى عدّة مشاكل مرتبطة بأداء شركة ميتا المثير للجدل والانتقادات عام 2021، من تنفيذ سياستها المتعلّقة بالمنظمات الخطرة والأفراد الخطرين (DOI list)، إلى القيود اللغويّة التي فرضتها في ظلّ هذا الوضع المضطرِب؛ إذ نشرت الشبكة توصياتها لـ"ميتا" منذ سنة واحدة بالتحديد، غير أن ميتا لم تلتزم بشيء ولم يتم تطبيق تلك التوصيات حتى الآن.
كما تمتلك ميتا واحدة من أكبر فروع شركتها في إسرائيل، في حين تربطها بالحكومة الإسرائيلية علاقة وطيدة منذ سنوات، إضافة إلى تعيين موظفة سابقة في وزارة العدل الإسرائيلية في مجلس الإشراف على "ميتا".
في العام 2015، أسست إسرائيل وحدة السايبر، وهي وحدة خاصة بمراقبة المحتوى المنشور على الإنترنت ومحاربة المحتوى المعادي لها. في العام التالي، قامت بتوقيع شراكة مع "ميتا" من أجل محاربة ما أسمته خطاب معاداة السامية، وهو الأمر الذي جعل إسرائيل تستغل ذلك من أجل محاربة المحتوى الفلسطيني داخل منصات "ميتا" والضغط على ميتا من أجل إزالته.
توغل وجدوى طرق التحايل
في السياق، أظهر تحقيقٌ استقصائيّ نشرته الجزيرة، مدى الرقابة الذي تفرضه ميتا في منصاتها على المستخدمين الناشرين باللغة العربية، وكان معد التقرير قد أنشأ صفحتين على فيسبوك؛ إحداهما باللغة العربية، والأخرى باللغة العبرية تنشر ذات الأحداث، لكن كل صفحة من منظور آخر. قامت ميتا بإغلاق الصفحة العربية رغم التزامها بقواعد النشر الخاصة بميتا، ولم يتم إحداث أي إجراء للصفحة العبرية، على الرغم من تعمد فريق التحقيق من نشر أخبار مضللة وخطاب عنف وكراهية ضد الفلسطينيين، بحسب التحقيق.
وقد كشف التحقيق توغل أفراد إسرائيليين داخل إدارة "ميتا" وفي مناصب حساسة يتحكمون بإدارة الشركة، بالإضافة إلى علاقة الشركة بوحدة السايبر الإسرائيلية والتي تقوم بإرسال مجموعة من المحتوى المنشور على منصاتها من قبل أفراد أو جهات معينة يتم رصدها، وتقوم ميتا بإزالة ذلك المحتوى على الفور، ويتم ذلك منذ سنوات.
ويلجأ المستخدمون إلى استخدام لغة أخرى غير العربية أو الكتابة بالكلمات المتقاطعة والرمز؛ من أجل تجنب إزالة المحتوى على منصات ميتا، غير أنّ ذلك في بعض الأحيان لا يكون ناجحًا، حيث قد يتعرض في حال عدم إزالته إلى حجبه عن الآخرين.