فلسطين ما بين الاحتلال والاستبداد

عندما يكون الخلاف على الزعامة أكبر من الاهتمام بالقضية
عبدالباري طاهر
November 25, 2020

فلسطين ما بين الاحتلال والاستبداد

عندما يكون الخلاف على الزعامة أكبر من الاهتمام بالقضية
عبدالباري طاهر
November 25, 2020

  لم يكن احتلال فلسطين معزولًا عن الوضع العربي القائم مطلع القرن العشرين الماضي، فعقب الحرب الكونية الأولى تقاسمت بريطانيا وفرنسا بلاد الشام والعراق. 

    استولت فرنسا على سوريا ولبنان، في حين كانت العراق وفلسطين من نصيب بريطانيا التي كانت تحكم مصر والسودان وجنوب اليمن والخليج، ولها حضور كبير في نجد والحجاز.

    الأنظمة العربية التابعة في بلدان عربية مستعمرة عبر عنها وعد بلفور 1917، واتفاقية سايكس بيكو 1916.

   الحركة الصهيونية ذات النفوذ الواسع استطاعت تصوير موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين "أرض الميعاد" كحركة تحرر وطني، وتعاونت الأنظمة العربية التابعة في رفدها باليهود المصريين والعراقيين واليمنيين والمغاربة.

    لم تتأخر حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة - كتائب عز الدين القسام 1936-1939، عن المواجهة، ولعب الوجود البريطاني دورًا كبيرًا في القضاء على الحركة، بالتعاون مع العصابات المسلحة الصهيونية، وكانت نقطة الضعف في موقف الإمام أمين الحسيني، الرهان على ألمانيا النازية، في حين كان الملك عبدالله تابعًا لبريطانيا، وكان خلافهما على الزعامة أكبر من اهتمامهما بالقضية. 

    راهن الفلسطينيون على الأنظمة القطرية، شأن إخوانهم اليمنيين (حزب الأحرار)، الذي راهن هو الآخر على الجامعة العربية والملوك العرب لدعم وحماية، وفيما بعد إنقاذ قادة انقلاب 48، ومن يقرأ صحيفة "السلام" التي أصدرها الشيخ عبدالله علي الحكيمي في كارديف 1948، يشعر بفداحة خيبة الأمل لدى الشعبين: الفلسطيني بعد حرب 48، واليمني بعد انكسار الحركة الدستورية كما أسميت حينها في عام 1948. 

    ويبدو أن خطيئة الرهان ظلت ممتدة، وربما تقوّت بعد قيام الثورة المصرية، وانتصار الحركة القومية في سوريا والعراق، وحركة التحرر العربي في الجزائر، واستقلال العديد من الأنظمة العربية. 

    رفدت الحركة القومية الكفاح الفلسطيني، وبالأخص بعد تكوين المنظمات الفلسطينية: فتح 1965، والجبهة الشعبية 1967، وفيما بعد الديمقراطية كانشقاق عن الشعبية، وعشرات المنظمات الأخرى. 

    هناك ترابط بين أحداث المنطقة العربية كلها، ولمصر تأثير كبير على المنطقة، سلبًا أو إيجابًا، وبالأخص على فلسطين ذات الارتباط التاريخي بمصر.

لم يكن أبو عمار مختلفًا عن أي حاكم عربي أو أي حاكم من حكام بلدان العالم الثالث. طوال عقد السبعينيات تصرف عرفات كزعيم سياسي، وقائد للمقاومة ضد أسوأ احتلال استيطاني على وجه الأرض

    ثورة 52 في مصر، أثرت عميقًا في مجرى الأحداث في البلدان العربية، وبالأخص في فلسطين، وكانت الهزيمة، وزيارة السادات للقدس، واتفاقات كامب ديفيد، بدايةَ الانحدار نحو مستنقع التطبيع. 

    بعض دول الخليج نسجت علاقات مشبوهة مع الحركة الصهيونية وإسرائيل، في حين كان همّ الزعيم الفلسطيني إقامة سلطة "إدارة ذاتية"؛ اتفاقية غزة وأريحا أولًا، و"أوسلو" سلام بلا أرض، والتي ندد بها وانتقدها الدكتور إدوارد سعيد في العديد من الدراسات والأبحاث والمقالات في كتابين شهيرين: "سلام بلا أرض"، و"سلام أمريكي".

    لم يكن أبو عمار مختلفًا عن أي حاكم عربي أو أي حاكم من حكام بلدان العالم الثالث. طوال عقد السبعينيات تصرف عرفات كزعيم سياسي، وقائد للمقاومة ضد أسوأ احتلال استيطاني على وجه الأرض، وفي "الفاكهاني" كان يتصرف كحاكم مطلق. 

    انفجرت الانتفاضة الشعبية في فلسطين في العام 1987، واستمرت أكثر من أربعة أعوام، وعجز الجيش الإسرائيلي عن قمعها؛ ما أرغم السلطة الإسرائيلية على التفاوض تحت ضغط دولي كبير. 

    في البَدْء قاد التفاوض حيدر عبدالشافي وحنان عشراوي، وحققا نتائج في زمن قياسي. تخوف عرفات منهما؛ ففتح قناة أمنية مع إسرائيل عبر "أبو مازن"؛ فكان الحل أمنيًّا بين إسرائيل وعرفات.

    جرى الالتفاف على الانتفاضة ورموزها ومنهم حنان عشراوي والشافي والبرغوثي والقائد الشهيد أبو جهاد، وعاد أبو عمار إلى رام الله بعد اتفاقية غزة - أريحا أولًا، وترك الاتفاق الباب مفتوحًا أمام الاستيطان، واحتفاظ إسرائيل بالسيادة على المياه والأجواء والقدس، واستنام عرفات على الوعود الأمريكية المنحازة لإسرائيل، وصداقة رابين، ونسيت منظمة التحرير الفلسطيني قيم وتقاليد حركة التحرير الوطني، وتحولت إلى سلطة لا تختلف عن الأنظمة العربية شديدة التخلف والاستبداد.

   عندما استشهد الزعيم أبو عمار، خلفه نائبه محمود عباس (القناة الأمنية) مع إسرائيل؛ فتكرس التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال، التي وظيفتها الأساس قمع الشعب الفلسطيني، ومصادرة أراضيه وحريته وحياته، وجرى التغاضي عن تمدد الاستيطان إلى مختلف مناطق الضفة الغربية التي جرى تقسيمها بموجب الاتفاق؛ ليسهل الضم والابتلاع على قوة الاحتلال، وجرى ما يشبه التسابق بين المنظمة وحماس، التي أقامت هي الأخرى سلطة دينية شديدة التعصب والاستبداد على من يمثل الإرادة الشعبية.

   تنافست السلطتان على توقيع الاتفاقات، وعلى نسج تحالفات مسيئة للقضية. 

  واقع الحال أن الهدف الأساس لإٕسرائيل الاستيلاء كاملًا على الضفة باعتبارها جزءًا أساسيًّا من يهودا والسامرة، ويهمها الأردن كوطن بديل، أما غزة، فهي جيب مُحاصر، وليست أرضًا توراتية، والجولان تستوطن كحماية وكتهديد للعاصمة السورية دمشق.

    التحول من حركة تحرير وطني إلى سلطة حولت المنظمة إلى سلطة تابعة أو واقعة تحت النفوذ الإسرائيلي، وحصل ما يشبه التواطؤٔ بين إسرائيل وأمريكا والسعودية وأنظمة الخليج لحصار الشعب الفلسطيني والسلطة بقطع المساعدات عنها، والغرض إخضاعها للاحتلال الذي يقبض عنها عائدات الضرائب الفلسطينية. 

    الإجراءات الأمريكية ضد الأونروا، وحجب المساعدات تصب في هذا الاتجاه، فهناك تواطؤ إسرائيلي-أمريكي وخليجي؛ لفرض الاستسلام مع السلطة التابعة، ونقل السفارة إلى القدس، وتوسيع الاستيطان ليشمل الضفة الغربية وغور الأردن قد يكون مقدمة لما هو أسوأ بكثير من نكبة 48، وهزيمة 1967، ولكن الخطورة هذه المرة اشتراك النظام العربي غالبيته، الذي سيكون طرفًا في صنع الكارثة التي تطال الشعب الفلسطيني والأمة العربية كلها.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English