"العمارة المدنية العثمانية في مدينة صنعاء؛ دراسة أثرية معمارية"، كتاب مميّز للغاية، وهو في الأصل أطروحة دكتوراة للباحث صالح أحمد الفقيه، يتناول فيه المنشآت المدنية التي شيّدها العثمانيّون في مدينة صنعاء عاصمة ولاية اليمن، ويقول إنّها لم تدرس من قبل كغيرها من المنشآت الدينية والعسكرية التي حظيت بدراسات أثرية علمية وأكاديمية. وإنّ الذي استدعى القيام بهذه الدراسة لتوثيق ما تبقّى من معالمها، هو تعرض معالم المدينة العثمانية للهدم والتجديد.
والدراسة حسب الباحث تندرج ضمن الدراسات الآثارية الأكاديمية الرامية إلى استخدام الشواهد المادية المعمارية للإنسان في الكشف عن المظاهر الحضارية للشعوب وتطور خصوصياته في مكان وزمان معين، حالة صنعاء القديمة.
يقول الدكتور مبروك الذماري في تقديمه للكتاب:
"تقوم فصول الكتاب بتتبع المنشآت المدنية العثمانية، سواء القائمة كليًّا أو جزئيًّا، ثم دراستها وفق منهجية علمية واضحة ابتداء بتوطين مواقعها، ثم تاريخ إنشائها، ومراحل عمارتها، ووظائفها حتى الوقت الراهن، بالإضافة إلى وصفها وصفًا معماريًّا وفنيًّا وافيًا، والبحث في خصوصياتها، ثم تحليل أنماطها التخطيطية وعناصرها الثرية ومقارنتها بمثيلاتها داخل اليمن وخارجها".
يبدأ الكتاب بالمبحث التمهيدي، الذي يدرس فيه الباحث خصائص الحكم العثماني في مرحلتيه: الأولى الممتدة من 1538م إلى 1638م، والثانية من 1849م إلى 1918م، ودورهم في إدخال بعض المظاهر المدنية الحديثة لليمن، وتمثّلت تلك المظاهر في تطبيق النظم والقوانين العثمانية الإدارية والمالية والقضائية، وتشكيل المجالس المحلية والنيابية، وتأسيس إدارة البريد، ومدّ خطوط التلغراف والسلك، وإدخال المطبعة والصحافة، وتعبيد الطرق وتأمينها، وبناء الفنارات، والاهتمام بالصحة والتعليم، والاهتمام بترتيب وتنظيم وحفظ الوثائق.
الفصل الأول من الكتاب، خصّصه لدراسة خصائص المنشآت الصحية، مثل حمام الميدان بالقرب من قصر السلاح، والمستشفى العسكري الذي كان يقع في منطقة التحرير ضمن مجمع مباني المتحف الوطني، والدائرة الصحية التي تقع في ذات المنطقة.
الفصل الثاني خصّصه لدراسة خصائص المنشآت الإدارية والتعليمية والمهنية، مثل داري الحكومة في منطقة الميدان (ميدان اللقية)، ومجلس إدارة ولاية اليمن (بيت زهرة) وكان يقع فيما يعرف بسوق النصارى، وسوق البز اليوم القريب من الميدان، والمجلس البلدي (بلدية صنعاء) والذي يقع في باب السبح بميدان التحرير، ويستخدم اليوم كمقر (قسم جمال جميل).
أمّا المنشآت التعليمية والمهنية التي يدرسها الباحث، فهي مكتب الصنائع الذي كان موقعه المتحف الحربي حاليًّا بميدان التحرير، والمكتب الرشدي للإناث (مدرسة البنات) وموقعه اليوم ضمن مباني الهيئة العامة لمكافحة الفساد بميدان التحرير.
الفصل الثالث من الكتاب خصّصه الباحث للمنشآت الخدمية والسكنية، ومن السكنية دار الفتوح بحي بير العزب، والتي تعرف أيضًا بدار الصافية، وأعاد بناءها العثمانيّون في وجودهم الثاني. وبيت الوالي (بيت الميري) في فناء مدرسة جمال جميل. أمّا المساكن الخدمية التي حصرها الباحث فهي دار القلوب، وهي مجموعة مبانٍ في سوق النصارى ومصطلح القلوب لاتيني متداول في اللغة العثمانية ومعناه المنتدى، ومنها السمسرة والمقهى. مبنى سوق الحَبّ ويقع في وسط سوق صنعاء. ومن المنشآت المائية التي يدرسها الباحث بئر الباشا بالقرب من القلعة (قصر السلاح)، وسبيل الحميدي في حارة الأبهر.
الفصل الرابع والأخير من الكتاب، خصّصه للمنشآت الدارِسة التي أُزيلت ولم يبقَ سوى ذكرها وأوصافها في الشفاهية عند كبار السن أو ما ذكرتها المرويّات في الوثائق والكتب والصور الفوتوغرافية، ومنها: الصيدلية التي كانت تقع بين باب السبح وباب شرارة، ومستشفى الغرباء ويقع بالقرب من ميدان شرارة (التحرير)، وعرف أيضًا باسم (خستخانة الغرباء) أو المستشفى البلدي، ومبنى المطبعة وكان يقع بمبنى وزارة التربية والتعليم القديم بالتحرير، ومبنى التلغراف والبريد، والذي يقع في أحد المباني الحكومية، المقابل لجامع البكيرية بالميدان.
ومن المنشآت التعليمية الدارسة مكتب أزدمر الابتدائي بحارة الزُّمر، والمكتب الرشدي الملكي (المكتب الإعدادي) بالقرب من القلعة الذي أصبح دارًا للمعلمين، وأزيلت نهاية السبعينيات لتقام بدلًا عنها مدرسة اللقية، ومكتب (فيضية الابتدائي)، ونسبة تأسيسه للوالي أحمد فيضي في 1885، وحوّله الإمام لمقرّ وزارة المعارف قبل أن يزال ويصير أحد الشوارع الفرعية في منطقة التحرير. ودار المعلمين الذي كان يقع شمال قبة البكيرية، وكان يؤدّي وظيفته حتى العام 1919 قبل أن يأمر الإمام بهدمه ونقل أحجاره إلى دار السعادة بالقرب من ميدان شرارة.
الكتاب صدر بطبعته الأولى عن المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية – صنعاء 2022، بـ(597) صفحة من القطع الكبير.