اضطر الموظف المتقاعد محمد العنبري، إلى القَبول بعمل شاقّ مقارنة بسِنّه الذي يصل إلى 65 عامًا، في منطقة ملبية (150 كيلومترًا شمال محافظة لحج، جنوب اليمن)، حيث يعمل في تكسير الصخور، وبيعها للحصول على أجر زهيد لا يزيد على 40 ألف ريال يمني في الشهر.
معاناة شاقة يتكبدها العنبري لممارسة عمله الذي يجبره على صعود مرتفعات جبلية شاهقة وتجاوز مخاطر يومية محدقة في سبيل تأمين مصدر دخل يساعده في تحسين معيشة أسرته المكونة من 10 أفراد.
لم يكن العنبري قبل اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، كما يتحدث لـ"خيوط"، يرغب في العودة للعمل نظرًا لسِنّه، لكن الحاجة وعدم انتظام صرف راتبه الحكومي كموظف متقاعد دفعه للعمل في هذه المهنة المحفوفة بالمعاناة والمخاطر في تقطيع وتكسير الأحجار.
صعود شاق ومخاطر
يقول العنبري، إنه استأجر الجبل من أحد الملّاك مقابل 20% من نسبة المبيعات تذهب لمالك هذا المكان، كونها الفرصة الوحيدة التي أتيحت أمامه في الوقت الراهن.
العنبري نموذجٌ لمسنين أجبرتهم الظروف المعيشية القاسية على التوجه لميدان العمل، والقَبول بما هو متاح أمامهم من فرص قد لا تناسب سنّهم لمشقتها عليهم، إذ يعض الستيني الآخر، بجاش الدلي، بالنواجذ على مهنة صناعة الفخار الطيني وهي صناعة شعبية اكتسبها صغيرًا، لكنه توقف عنها قبل أكثر من عقد، حيث انشغل بالعمل الزراعي.
يبدأ هذا الرجل عمله من الساعة السابعة صباحًا وحتى السادسة مساء، يتخلله راحة في فترة الظهيرة، فهو يقوم بالصعود إلى الجبل عبر حبل إلى أعلى الجبل مع معدّاته الخاصة بالعمل، كالديناميت الذي يستخدمه لتفجير الصخور والأحجار، حيث يضطر أحيانًا بسبب هبوب الرياح، لربط نفسه على شجرة تفاديًا لسقوطه من هذا المرتفع، حيث فقدَ زميلًا له من جبل مجاور يعمل بذات المهنة بعد سقوطه من الجبل.
ويمضي العنبري في حديثه بأن العمل الشاق ينتج عنه توفير 300 حجر في اليوم وإنزالها وتسويتها أسفل الجبل ثم بيعها على من يأتي من الزبائن إلى هذا المكان، إذ يصل سعر الحجر إلى نحو 400 ريال، حيث يتم البيع بالقطعة الواحدة.
ويتحدث عن مصاعب عديدة تواجهه، بالإضافة إلى التعطل المستمر لأدوات التفجير، والتي تتسبب عند تعطلها بتوقف العمل لعدة أيام، فضلًا عن المشتقات النفطية وارتفاعها، وخطورة السقوط عندما تكون الرياح شديدة، فتجبره على إيقاف العمل حتى تخف.
مجامر الطين الزهيدة
العنبري نموذجٌ لمسِنّينَ أجبرتهم الظروف المعيشية القاسية على التوجه لميدان العمل، والقَبول بما هو متاح أمامهم من فرص قد لا تناسب سنّهم لمشقتها عليهم، إذ يعض الستيني الآخر، بجاش الدلي، بالنواجذ على مهنة صناعة الفخار الطيني، وهي صناعة شعبية اكتسبها صغيرًا، لكنه توقف عنها قبل أكثر من عقد، حيث انشغل بالعمل الزراعي، غير أنّ الحرب وتداعياتها على الوضع الاقتصادي والمعيشي لليمنيين أعادت بجاش مجددًا إلى هذه المهنة للتكسب منها، بالرغم من كونها غير مربحة.
يسلك الدلي طريقه صباحًا من منزله نحوَ جبلٍ يبعدُ قليلًا عن قريته، حيث يتم حفر هذا الطين، ومن ثَمّ نقله إلى منزله والبدء بعملية صناعة المجامر الطينية التي اشتُهر بصناعتها.
يقول الدلي لـ"خيوط"، إنّ العمل الذي يمتهنه شاق عليه في هذا السنّ والظروف والأوضاع، مع تطور مثل هذه الحرف والأعمال المهنية ودخول صناعات حرفية ومهنية حديثة، لكنه يحاول من خلالها توفير ما أمكن لإعالة أسرته من خلال بيع ما ينتجه في الأسواق الشعبية بأسعار زهيدة، والتي تتراوح ما بين 500 و1000 ريال، وهو مبلغ لم يعد الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية اليومية المرتفعة.
تأخذ عملية صناعة المجامر الطينية مراحلَ عدة عند الدلي، تبدأ بجلب الطين ثم خلطه بالماء، وبنائه وتركه يومًا كاملًا تحت الشمس، وبعد أن يجف ينسج الألوان على الفخار الطيني ثم يُعرَض في السوق.
يختتم الدالي حديثه بالإشارة إلى أنّه أحيانًا عندما يخف العمل في هذا المجال، يلجأ للاشتغال في قطعة أرض يمتلكها، والتي قام بزراعتها بعض محاصيل ومنتجات الخضروات والفواكه كالبقل والشمام والطماطم، وذلك لتنويع مصادر العيش، لكن شحّة الإمكانيات تجعله عاجزًا في كثير من الأحيان عن مواجهة بعض التحديات، كالآفات "الحشرات" التي تتلف منتجاته الزراعية، وتبدّد ما يبذله من جهد شاقّ، مطالِبًا مكتب الزراعة بمساندته وغيره من المزارعين، ودعم العمل الزراعي بشكل عام، للمساهمة في التخفيف من الآثار السلبية للحرب على السكان بمختلف فئاتهم.