(إب)، بكسر الألف وباء مضعّفة معجمة من أسفل؛ مدينةٌ تقع على بُعد 193كم إلى الجنوب من صنعاء، وترتفع عن سطح البحر 2000 متر. كما جاء في الموسوعة اليمنية. ووصف المؤرخ القاضي محمد علي الأكوع، مدينة إب القديمة بأنّها تقوم على ربوة ومعين، وتبدو مربعة الشكل على سفح جبل ريمان من بعدان، مسوّرة بسورٍ من الحجَر المنحوت، لها أربعة أبواب تحفّها الأشجار المثمرة.
اختلفت معاني تسمية مدينة إب، التي لم تُعرَف بهذا الاسم إلّا إبان حكم الملكة الصليحية الحرة السيدة أروى بنت أحمد، لكونها غنية بالماء ومَكسُوّة بالخضرة، ويُرجّح أنّه من "أبًّا" كما في اللغة، أو أنّها من "آب" شهر أغسطس وفير المطر.
ولكن بحسب أصلها الحِميَري، فإنّ تسميتها جاءت على سياق المدن اليمنية الأخرى بأسماء الملوك -كما ذمار، ويريم- ويعود اسمها للملك "أب كرب أسعد".
ويدعم ذلك ما أورده نزيه العظم في كتابه (رحلة في بلاد العربية السعيدة) ١٩٣٧م، أنّه تجول في مدينة إب ورأى أبنية ضخمة قد تداعت أطرافها، تعود لأيام حِميَر، مكتوبٌ على كثيرٍ من حجارتها وأبوابها ومنافذها كتابات مطولة بالخط الحميري، ويعزّز هذا الرأي أكثر تخطيط المدينة العمراني والذي يُشبه مدنًا تاريخية عاصرها الملك "أب كرب أسعد". فكلٌّ من مدينة تكريت، هيت، أربيل، كركوك، بُنيت كما مدينة إب؛ على ربوة يحيطها سور له أبراج وأبواب.
عبر شبكةٍ من الأزقة وبعضٍ من ذاكرةٍ قصصية لأجدادٍ مُعَمرين سيكون من السهل علينا أن نرسم خارطةً زمنيةً للمكان. مدينة عُمِّرت على ربوة خضراء مدورة، ضمن سورٍ حجري ذي أضلاعٍ غير متساوية. تتزاحم أبنيةٌ برجية بنسيجٍ شبه متضامٍّ يتكون من ثلاثةٍ وثلاثين حيًّا، وثمانيةٍ وثلاثين قصرًا (دارًا)، واثنين وثلاثين مسجدًا، وسبع مدارس دينية، وأسواق.
يخبرنا مُعَمَّريها بألوان الناس الذين سكنوها وأديانهم وأعراقهم، وقصصًا كثيرة عن أزمنةٍ لم تفرِّق فيها المجاعاتُ والأوبئة بين مسلم ويهودي وفقير وأمير.
وتأخذنا تعاريج أزقتها إلى قرونٍ من تعاقب أجيالٍ حوصرت بالخوف، لم يؤمنها سوى سورها وتقارب أبنيتها وتلاصق أحيائها.
وقد حدث فيها كلُّ ما يمكن أن يحدث لمدينةٍ في التاريخ، فقد شهدت مجاعات وأوبئة وزلزالًا وقحطًا وغلاء وحروبًا وثورات وحصارًا ونهوضًا، وقد تجاوزتها.
تعاقبت الأجيال، وتهالك السور، وتغيّرت بعض معالم المدينة، وبقيت عامرة. وبقيت الحياة تسري في أروقتها. كان السؤال دائمًا: "ما الذي يميّز هذه المدينة ولا ندركه؟!"، ولماذا ما زالت حاضرة؟! وما صور الاستدامة المتبعة في تخطيطها؟
التكوين العام للمدينة
بُنيَت مدينة إب القديمة بما يتلاءم مع مناخ المنطقة الواقعة فيها، فهو معتدل صيفًا وشتاءً. يتميز بغزارة الأمطار وكثافة الخضرة صيفًا، لذلك سُمِّيَت المدينة باللواء الأخضر.
تتراصّ أبنيتها على رابية مرتفعة، ثم تنحدر على هيئة مدرجات زراعية، حتى تصب في سهل أخضر -قديمًا- كما وصفها الرحالة العربي أمين الريحاني عند زيارته لها سنة 1922م/ 1342هـ، كأنّها "قبضة لؤلؤ على بساط أخضر"، ويعود ذلك لما كانت عليه العادة في طلاء المباني بمادة النورة البيضاء اللامعة.
الحارات
تتكون المدينة من مجموعة من الحارات، تتخلّلها شبكة من الشوارع والممرّات -الأزقة- وتربط بينها وبين المراكز الرئيسية للمدينة والأسواق والمساجد والمدارس.
الشوارع
تمتد الشوارع الداخلية للمدينة في مسارات غير منتظمة، وتتغير اتجاهات المسار بشكل فجائي وبزوايا مختلفة، كما تأخذ الساحات التي تقع على المسارات أشكالًا مختلفة أيضًا، وذلك يسمح لجميع الطرقات بالتعرّض لأشعة الشمس أطول فترة ممكنة خلال النهار، وتوفّر تيار هواء مناسبًا للمنطقة الباردة، بالإضافة لتحقيق عامل الأمان.
الأزقّة
تتميز أزقة المدينة بأنّها ضيقة متعرجة ومتقاطعة، مرصوفة بالحجارة المربعة، وأبعادها حسب مقياس الإنسان راجلًا وراكبًا. وبعض الممرات تكون مسقوفة بأسقف مسطحة وأخرى مقبّبة تربط بين بيتين مثل باب الريشة، وجمعها ريش، والتي تستخدم كطرق مختصرة للتنقل بين المساكن، ولتصريف المياه خلالها، وبعضها يوفر فراغًا إضافيًّا يربط بين مسكنين.
الأسواق
توزع الأسواق في مدينة إب القديمة بحسب نوع السلعة كما في بقية المدن التقليدية، ففيها سوق اللحام، والطعام، وسوق القماش، وسوق الحلاقين، والمعطارة، والحطب والمدر واللبن، والملح، والجنابي، وسوق اللحمة.
المساجد والمدارس
تشغل المساجد والمدارس مكانة مهمة في المدينة، ويُعدّ الجامع الكبير من أهم وأقدم المساجد فيها، ويسمى بالجامع الخطابي، والعمري، نسبة للخليفة عمر بن الخطاب الذي أمر ببنائه. وتُعدّ الساحة -مقابل هذا المسجد- هي الساحة الرئيسية للمدينة، والتي يتجمّع فيها السكان لإحياء المناسبات الدينية والاجتماعية.
الخصوصية (المساكن)
يتحقّق عامل الخصوصية -والذي يصاحب عامل الأمان- من خلال أسلوب التدرّج في الاحتواء من العام إلى شبه العام، ثمّ إلى شبه الخاص، فالخاص. وهذا ما يتناسب مع مستخدمي الفراغ، فيكون العام مفتوحًا لزوّار ومرتادي السوق والمسجد من كل أنحاء المدينة، ثم ينغلق تدريجيًّا إلى حارات تجمع عددًا من المساكن المتزاحمة تتوسطها ساحات صغيرة تكون أزقة عبور وساحات للعب الأطفال، ولقاءات الجيران. ثم باتجاه الفراغ الخاص تنغلق الفعالية لتقتصر على المساحة الفاصلة بين جارين أو ثلاثة.
الانفتاح على الزوّار (السماسر)
كانت السمسرة فراغًا مهمًّا في تخطيط المدن اليمنية التقليدية، منها مدينة إب، التي تميّزت بالضيافة والترحاب كما ذكر الثعالبي -الرحالة التونسي- عندما زارها عام ١٩٢٤، فقال: "يمتاز قضاء إب عن غيره من البقاع والأعمال اليمنية بوجود أبنية عمومية يلتجئ إليها المسافرون والقوافل عند نزول الأمطار، وهي منتشرة من السياني إلى المخادر، وكلّها على نسق واحد، بناؤها من الحجارة المربعة"، وقد اتفق بذلك مع ما جاء عن الرحالة الدنماركي كارستن نيبور. ويقصد بهذه الأبنية السماسرة، وهي خانات ضيافة للمسافرين وعابري السبيل والتجّار القادمين إلى المدينة، وقد أحصى الثعالبي عشرين سمسرة، وكانت توجد خمسًا منها داخل المدينة، وهي: السمسرة الأعلى، سمسرة فارس، سمسرة الصنعاني، سمسرة الغرباني، والسمسرة الأسفل، كما تنتشر البقية خارج المدينة، على الطرق التجارية قديمًا، وجوار مجاري الوديان.
التقنيات المستدامة في تخطيط المدينة
إدارة المياه "الساقية"
تُعدّ الأمطار المصدر الرئيسي للمياه بالنسبة لمدينة إب، وقد اعتمد نظام الساقية الحجَرية في توصيل المياه من خزانات مياه الأمطار بسفح جبل بعدان، إلى أزقة المدينة.
وبحسب ما نقله الأدهمي عن الباحث الصهبانيّ الإبّيّ، "فإنّها كانت ساقيتين؛ واحدة تحملها القناطر أو العقود، والثانية في أسفل العقود على الأرض. حيث كان الماء يتجمّع في ساقية تبدأ من السائلة في محل يقال له المرد، ويقع في الثلث الأخير من مستوى ارتفاع جبل بعدان، ومن هناك تمتد هذه الساقية المبنية بالحجَر والنورة إلى مرتفعات الشهد ثم تهبط إلى المشنة. ومن المشنة تبدأ العقود الحجرية -القناطر- حيث تنقسم الساقية إلى قسمين؛ واحدة في الأعلى تسير على العقود، والثانية في أسفلها. وهذه الثانية، أيّ الأرضية، تغذّي مورد ماء المدينة تحت إحدى نوب الحراسة في سور المدينة القائمة على باب النصر، وتتفرّع منها عند مورد ماء المدينة ساقيتان؛ واحدة تتجه نحو الشمال، والأخرى نحو الجنوب. وتغذّي ساقيةُ الشمال المساجدَ بالماء مثل الحمزاوي، وكذلك الحوض المعدّ لسقي الأغنام. كذلك ساقية الجنوب تغذّي بقية المساجد الواطئة بالماء مثل مسجد الجاءة".
ويضيف الصهباني أنّ "السيول قد كشفت بفعل انجراف التربة، عن أنابيب من الخزف كانت تستخدم لنقل الماء إلى المدينة قبل بناء الساقية الحجرية، وربما تعود إلى ثماني مئة عام، وهذه الأنابيب أو القطع الأنبوبية تلتصق بمادة النورة التي وضعت من تحتها وفوقها وجوانبها".
بقيت الساقية لقرون تقوم بوظيفتها في إيصال ونقل المياه، منذ القرن السادس عشر وحتى هدمها في النصف الثاني للقرن العشرين.
تصريف المياه
بُنيَت تحت المدينة شبكة من الأنفاق -الأقنية- بالحجارة وتحمل سقوفها عقودًا نصف دائرية، تستخدم لتصريف المياه العادمة، وأيضًا تستخدم أمنيًّا كممرات للتنقّل من المدينة إلى خارجها للحصول على الإمدادات والمؤن في أوقات الحصار والأخطار والمعارك قديمًا.
مواد البناء
بالطبع تعتبر عمارة المدينة صديقة للبيئة، فقد شيّدت المدينة بالأحجار مع استخدام الأخشاب كذلك. وقد رصفت شوارعها وأزقتها، وبُنيَت جميع مبانيها بنوعٍ من الحجر المحلي والمستخرج من المنطقة الجبلية التي تقع فيها المدينة. وتكون ألوان الحجر رمادية أو وردية أو برتقالية. واستخدمت أحجار الجرانيت في أساسات المباني؛ لقدرتها على مقاومة الرطوبة، وتغطى بطبقة من القضاض (النورة).
المراجع:
- الموسوعة اليمنية، الجزء الأول، مؤسسة العفيف الثقافية، الطبعة الثانية، 2003، ص (81-82).
- الأدهمي، محمد مظفر. تاريخ إب، دراسة لمدينة إب وما حولها، جامعة إب، ٢٠٠٧.
- حنشور، أحمد إبراهيم بن إبراهيم. الخصائص المعمارية للمدينة اليمنية القديمة، دراسة تحليلية (رسالة دكتوراة)، ٢٠٠٧.
- الثعالبي، عبدالعزيز. الرحلة اليمنية، مركز الدراسات والبحوث اليمني، الطبعة الثانية، 2013.
- العظم، نزيه مؤيد. رحلة في بلاد العربية السعيدة، من مصر إلى صنعاء، 1986.
- السياغي، حسين أحمد. معالم الآثار اليمنية، صنعاء، ١٩٨٠.