150 لترًا من الوقود يحتاجها الصياد في أفضل المصائد السمكية في بحر العرب (مدينة الشّحْر)، للوصول إلى الأعماق التي يستطيع العثور فيها على مقسومه من الصيد. تكلف هذه الكمية من الوقود مبلغ 75000 ريال يمني (ما يعادل 85$)، ويضطر الصيادون لقطع مسافة 70 ميلًا بحريًّا للوصول إلى المكان المناسب للصيد، وهكذا يستهلكون معظم أرباحهم في شراء الوقود.
يقول الصياد محمد سالم لـ"خيوط"، إن معاناة الصيادين في مدين الشحر بدأت منذ حوالي 25 سنة، أي بعد إنشاء ميناء "الضّبَّة" النفطي، حيث تم منع الصيادين من ممارسة الاصطياد التقليدي قبالة الميناء النفطي بحجة حمايته، كونه يمثل مصدر دخل قومي للبلاد. وهكذا حُرم صيادو الشحر من الانتفاع من إحدى أكثر مناطق الاصطياد وفرة بالأسماك.
وحسب الصياد أحمد، فإن القوات الحكومية حينها، كانت تمنع الصيادين من الاقتراب لمسافة أكثر من ثلاثة كيلو متر مربع، من نطاق الميناء النفطي.
ومع الارتفاع الخيالي لسعر المشتقات النفطية، توقف صيادون كثر عن النزول إلى البحر، بسبب الكلفة المرتفعة للإبحار من أجل الصيد، لا سيما أنهم يشكون أيضًا من قلة الأسماك في هذا الموسم من السنة في البحر العربي. ولهذين السببين، تتضاعف خسارة الصيادين، كما ينذر وضعهم هذا، خاصة إذا ما استمرت أسعار المشتقات النفطية بارتفاعها الجنوبي، بتوقف الدخل عن مئات الأُسر التي يعتمد عائلوها على مهنة الصيد البحري.
قاعدة عسكرية لـ"التحالف العربي"
في العام 2016، تحول ميناء "الضبّة" النفطي إلى قاعدة عسكرية لقوات التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، فيما تم تحويل الميناء السمكي في مدينة الشِّحْر إلى ميناء تجاري، بالإضافة إلى طبيعته السابقة كميناء سمكي. كل هذا ضاعف من الإجراءات المتخذة تجاه الصيد التقليدي، ناهيك عن توسيع نطاق حظر الاصطياد على مساحة بحرية أكبر، وهو ما فاقم معاناة أكثر من 5000 صياد في المدينة، كما أفاد عضو جمعية "المجرف" السمكية بمدينة الشحر، سعيد بن عويش، لـ"خيوط".
وفي منطقة "شُحير" الساحلية وجه آخر لمعاناة الصيادين في حضرموت، فالكثير منهم انتقلوا لممارسة الأعمال الشاقة، فيما انتقل بعضهم للصيد في مناطق أخرى باتجاه الشرق، بعد أن منعت قوات "التحالف العربي" بقيادة السعودية، صيادي المنطقة من مزاولة أي نشاط في سواحل المنطقة، بشكل نهائي.
أحمد الكفو، أحد أهالي منطقة "شخير" قال لـ"خيوط"، إن قوات "التحالف العربي"، وبعد الضغوط المستمرة من قبل الصيادين، اضطرت لمنح 600 ريال سعودي (120 ألف ريال يمني) لكل صياد، كتعويض عن منعهم من الاصطياد في المناطق المحظورة عسكريًّا، وهي مبالغ قال الكفو، إنها "لا تكاد تلبي جزءًا بسيطًا" من احتياجاتهم.
60% فقط، من الصيادين اليمنيين يملكون قوارب صيد، بينما يعمل الباقون مقابل أجر يومي، وأن قرابة الثلث من هؤلاء يملكون القوارب بالشراكة مع آخرين.
وفي العام 2017، قام عدد من الصيادين بتنفيذ وقفات احتجاجية أمام بوابة مطار الريان الدولي، القريب من مدينة المكلّا، حيث تتخذ قوات التحالف العربي هذا المطار مقرًّا لها. رفع الصيادون المحتجون مطلبهم مصحوبًا برؤية للحل؛ وهو السماح لهم بالاصطياد في مناطقهم، على أن يتم ذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة لضمان عدم حدوث اختراقات أمنية. غير أن قوات التحالف العربي، استجابت لمطلب المحتجين بتنفيذ حملة اعتقالات لعدد من المشاركين في الوقفة الاحتجاجية أمام بوابة مطار الريان. وأفاد بعض الصيادين بأن القوات الإماراتية قامت باعتقال رئيس جمعية الصيادين في مدينة "شحير"، صلاح الشبيبي، و60 صيادًا آخرين، واقتادتهم إلى معتقل "الربوة" في منطقة "خَلْف" بالمكلا، والذي يخضع لسيطرة إماراتية.
إحصائيات
حسب إحصائيات نشرها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في مارس/ آذار 2020، فإن صناعة صيد الأسماك في اليمن قبل العام 2015، كانت توفر فرص عمل لأكثر من نصف مليون شخص يعيلون قرابة 1,7 مليون نسمة، فيما تعتبر هذه الصناعة ثاني أكبر صادرات البلاد بعد النفط والغاز.
وتشير الإحصائية إلى أن إنتاج اليمن من الأسماك والأحياء البحرية يبلغ سنويًّا حوالي 200 ألف طن قبل اندلاع الصراع، حيث تم تصدير ما بين 40% إلى 50% من هذا الإنتاج، ما أدرّ عائدات تقدر بحوالي 300 مليون دولار. إلا أن الحرب الدائرة في البلاد، أدت لانخفاض حجم هذا الإنتاج السمكي إلى ما يقارب النصف، بينما تراجعت الصادرات في قطاع الأسماك إلى أقل من 70 ألف طن سنويًّا منذ اندلاع الحرب.
وأظهرت دراسة أجريت عام 2018، أن 60% فقط، من الصيادين اليمنيين يملكون قوارب صيد، بينما يعمل الباقون مقابل أجر يومي، وأن قرابة الثلث من هؤلاء يملكون القوارب بالشراكة مع آخرين.
يتكون النشاط الإنتاجي للاصطياد الساحلي التقليدي من التعاونيات والجمعيات السمكية والصيادين الأفراد، ويبلغ عدد التعاونيات السمكية (129) تعاونية وجمعية سمكية على طول الشريط الساحلي للجمهورية اليمنية، وتمتلك حوالي (23582) قارب خشبي وفيبرجلاس وعبري حتى عام 2012، حيث بلغت قيمة مبيعات الأسماك والإحياء البحرية المصطادة (الصيد التقليدي) (115,365) مليون ريال عام 2012.
وعود حكومية
في 2018، قال وزير الثروة السمكية في الحكومة المعترف بها دوليًّا، فهد كفاين، إنه يتوجب الإسراع في إعادة تفعيل المنشآت السمكية في محافظة حضرموت، وإعداد خطة إجرائية سريعة لعودة العمل في القطاع السمكي بالمحافظة، بعد انتزاعها من سيطرة تنظيم القاعدة.
وطلب كفاين، خلال زيارته الأخيرة إلى ميناء الشحر، من هيئة مصايد البحر العربي، سرعة إعادة العمل في ميناء الشحر السمكي وبقية المنشآت بالمحافظة، لخدمة القطاع السمكي، وتعزيز مستوى الإنتاج.
وفي حين أكد حرص الحكومة على "النهوض بالقطاع السمكي لاستعادة عافيته ومكانته، والعمل على تحسين مستوى معيشة الصيادين، بالتنسيق مع السلطات المحلية والأمنية بمحافظة حضرموت"، لم تلقَ تلك الوعود طريقها إلى النور.
ويشهد اليمن أزمة وقود خانقة منذ العام الماضي، خاصة المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، غير أن الأزمة استطالت الآن لتشمل مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا التي يدعمها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، ويتحكم بجميع المنافذ البحرية والبرية والجوية لليمن.
وفي 12 مارس/ آذار 2021، عبّر المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، عن مخاوف البرنامج حيال صعوبة نقل الوقود إلى القطاع الإنساني، خاصة فيما يتعلق بأنظمة الصرف الصحي لليونسيف، ومنظمة الصحة العالمية في المستشفيات. وأشار في حديثه للصحفيين في واشنطن، حيث يجري مناقشات مع مسؤولين أمريكيين بشأن الحرب في اليمن، إلى أن "ما لا يعرفه معظم الناس هو أن برنامج الأغذية العالمي يجلب الوقود للمجال الإنساني الذي لا يشمل قطاع الغذاء". وتابع: "إذا لم نحصل على المال الذي نحتاجه وعلى الوقود، فربما سنشهد أسوأ مجاعة عرفتها في حياتي".