أكتوبر في بعض كتابات المفكرين والمثقّفين والباحثين

مثّلت خطرًا حقيقيًّا على جوهر المصالح الاستعمارية في المنطقة
خيوط
October 15, 2022

أكتوبر في بعض كتابات المفكرين والمثقّفين والباحثين

مثّلت خطرًا حقيقيًّا على جوهر المصالح الاستعمارية في المنطقة
خيوط
October 15, 2022

نعرض هنا نتف متفرقة من بعض كتابات المفكرين والمثقفين والباحثين السياسيين عن ثورة الرابع عشر من أكتوبر في ذكرى انطلاقها التاسعة والخمسين، حيث انفجرت شرارتها الأولى من جبال ردفان لتصل عدن، ومنها عمّت كلّ أرجاء الجنوب اليمني، لتتوج باستقلال ناجز في الثلاثين من نوفمبر 1967، وبعد تضحيات جسام قدّمها اليمنيون من أجل نيل الحرية والاستقلال. 

_______________________________

انتفض دفاعًا عن عروبته

"مهما يكن من شيء، فإنّ انتفاضة أكتوبر تجربة نضالية هائلة لنا. تجربة نابضة بدماء الضحايا والشهداء، مشحونة بكلّ ما هو عظيم وأصيل من شعبنا. عفويته النضالية النادرة، ووفاؤه الفذّ للمناضلين المكافحين. وما أجدرنا أن نعمق هذه التجربة وندرسها ونستمدّ منها الدروس والحقائق. والحقيقة الأولى والرئيسية أنّ انتفاضة أكتوبر ليست مجرد نزوة أو انفعال مؤقت، ولكنها امتداد لانتفاضات الشعب السابقة، وانطلاقة جديدة لتيار القومية العربية الذي يغمر كل المجال العربي، ويكسب كل يوم أرضًا جديدة. وبالتالي، فإنّ انتفاضة أكتوبر انتفاضة سياسية وطنية تحمل في ذاتها مضمون حركتنا الوطنية الهادفة إلى التحرر والوحدة، والذين ضحوا واستشهدوا لم يسقطوا من أجل فرد أو هيئة، وإنّما من أجل القومية العربية، وشعبنا لم ينتفض عبثًا، ولكنه انتفض دفاعًا عن عروبته، واحتجاجًا على الحكم الذاتي المشبوه، وتأكيدًا لحقنا في تقرير مصيرنا، طبقًا لميثاق حقوق الإنسان، ومبادئ هيئة الأمم، ووفقًا لأهدافنا في التحرير والوحدة". 

(كتابات مختارة، عبدالله باذيب، لجنة تنسيق الكتاب اليمني، 1978م، دار الفارابي، بيروت، ج1، ص216-217)

ملجأ أخير

في الملحق للعدد 224 من جريدة الثوري الصادر في يوليو 1974، كتب عبدالفتاح إسماعيل، الأمين العام للتنظيم السياسي للجبهة القومية، ما نقتطف منه فقرات حول خلفية الكفاح المسلح:

"على امتداد سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات، كان الشعب قد تمرّس على أساليب النضال الوطني، وخاض مختلف طرق النضال السلمي من أجل تحرره من الاستعمار البريطاني. في البداية الأولى للستينيات، بدأت تغزو بعض التنظيمات السياسية أفكار الكفاح المسلح، وكانت في الواقع تجسيدًا لجوهر رفضها للوجود الاستعماري في البلاد، وكانت في نفس الوقت ملجأها الأخير، بعد أن أثبتت تجربة النضال السلمي فشلها، وعدم جدواها في الاضطلاع بالمهام الحقيقية للتحرر الوطني بفعل الطبيعة الاستعمارية الإمبريالية البريطانية، بل الطبيعة التي تلازم عادة كل المستعمرين في عصرنا الراهن. وكانت حركة القوميين العرب من بين التنظيمات الأخرى التي تبنت أسلوب الكفاح المسلح طريقًا للتحرر الوطني. لكن كان تقييمنا لهذه المسالة، أنّنا لا نستطيع أن نبدأ الكفاح المسلح، قبل إسقاط النظام الإماميّ الكهنوتي في صنعاء.

وقد كان تقييمنا لهذه المسألة صحيحًا، فبعد فترة بسيطة لترسيخ القناعة بضرورة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، قامت ثورة 26 سبتمبر، وتم إسقاط النظام الإمامي الكهنوتي، وقام النظام الجمهوري، وولدت ظروف ملائمة في صنعاء، يمهد لانتقال الكفاح المسلح من حيز الإيمان النظري إلى حيز التطبيق العملي."

(سلطان ناجي، التاريخ العسكري لليمن 1839-1967، دار العودة بيروت، الطبعة الثانية 1985؛ يُنظر: مرحلة الكفاح المسلح، ص265)

البذرة الأولى للثورة

"لا يختلف اثنان في أنّ ثورة 26 سبتمبر 62، كانت واحدة من أهم الأسباب المؤدية إلى قيام ثورة 14 أكتوبر 63 في الجزء المحتل من بلادنا، وذلك بما هيّأته ثورة سبتمبر من ظروف مناسبة، وفرص مواتية لقيام ثورة في الجنوب، وهي ظروف وفرص كانت تفتقر إليها الحركة الوطنية اليمنية عمومًا وخصوصًا، منها تلك التي كانت قد نمت وتشكّلت في عدن منذ بداية الخمسينيات، وظلت ضعيفة وحبيسة مدينة عدن نفسها، حتى ظهور فصائل أخرى استطاعت أن تمتد إلى خارجها من مناطق الجنوب لتستقر هناك كقوى يناضل بعضها من أجل جنوب عربي مستقل (الرابطة)، وآخر يناضل من أجل تحرير الجنوب ووحدة اليمن وبأساليب سياسية، وبعض ثالث قومي عربي ويساري يعمل من أجل التحرير والاستقلال وبأساليب سياسية لدى بعض منها، وبأسلوب الكفاح المسلح لدى البعض الثاني منه... وكانت حركة القوميين العرب واحدة من تلك القوى الوطنية القومية التي تشكّلت ونمت في عموم الساحة اليمنية، وأسهمت بقدر ملموس في إنجاح ثورة 26 سبتمبر 62م، بقيادة الضباط الأحرار، وإقامة وانتصار النظام الجمهوري في النهاية، وبعد ذلك مباشرة ومن صنعاء بدأت البذرة الأولى لثورة 14 أكتوبر 63م في الظهور، وتكوين أداتها الأولى القومية". 

(أفكار أولية حول البدايات الأولى لقيام ثورة 14 أكتوبر 63 وحتى الاستقلال 30 نوفمبر 67، أ. عبدالحافظ قائد فارع- الندوة الوطنية التوثيقية للثورة اليمنية 14 أكتوبر، إعداد وتوثيق مركز الدراسات والبحوث اليمني صنعاء، ص29).

عدن وأولى العمليات الفدائية

"بداية الانتفاضة في ردفان، وعجز القوات البريطانية وجيش الاتحاد عن سحقها وامتدادها إلى مناطق أخرى بما فيها المدينة عدن التي شهدت أولى العمليات الفدائية. فخلال الفترة من 14 أكتوبر، وحتى بداية عام 1965، كانت الجبهة القومية تمتلك اثنتي عشرة جبهة قتالية في العديد من مناطق الجنوب اليمني المحتل سابقًا، إضافة إلى أنّ العام 64 في هذا الطور، قد تميز بنقل العمل العسكري إلى مدينة عدن المستعمرة وضواحيها التي شهدت مظاهرات وإضرابات سياسية جماهيرية تأييدًا للانتفاضة المسلحة شارك فيها العمال والفلاحون في الأرياف. وفي العام 1965، تم تنشيط العمل الإعلامي الجماهيري، والعمل في المنظمات النقابية والثقافية والاجتماعية والرياضية والنسائية العلنية، وتم تشكيل لجان الإصلاح، وجيش التحرير في المناطق الريفية تتبع الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل". 

(الاحتلال البريطاني ومراحل المقاومة الوطنية اليمنية، د. سلطان عبدالعزيز المعمري، الاحتلال البريطاني ومراحل المقاومة الوطنية اليمنية، الندوة الوطنية التوثيقية للثورة اليمنية 14 أكتوبر، إعداد وتوثيق مركز الدراسات والبحوث اليمني صنعاء، ص53).

تغيير البنية التقليدية

"ولكن هدسون يعتقد أنّ تحريك القوى الاجتماعية عن طريق الأحزاب ظلّ بطيئًا، ويشير هدسون إلى أنّ السلاطين الصغار والمنتفعين من العشيرة وعلماء الدين، قد تغيروا على المستوى المحلي والوطني، وأصبح أيضًا الفلاحون والصيادون والعمّال يشاركون في السلطة الثورية بجانب المثقفين رغم الصعوبات التي جابهت الثورة. ويرى هدسون أنّ وضع اليمن الجنوبي سابقًا كان أكثر اقترابًا من التحول البنياني للمجتمع بسبب تثوير الحركة السياسية أيديولوجيًّا، وقدرتها على تغيير البنية التقليدية". 

(ثورة الرابع عشر من أكتوبر في نظر الباحثين الغربيين، أ. عبده علي عثمان، الندوة الوطنية التوثيقية للثورة اليمنية 14 أكتوبر، ص181).

معارضة على أساس اجتماعي

"يذكر هوليداي أنّ الجبهة الوطنية المتحدة كانت بمثابة ائتلاف من قوى سياسية انفصلت عن الرابطة والجمعية العدنية، وبعضها إلى النقابات العمالية، وكانت تطالب بحق الانتخاب لكافة أفراد الشعب، وإلى انسحاب بريطانيا من عدن وإقامة دولة وحدوية في الجنوب، كما طالبت بالوحدة مع الشمال، (بالطبع بعد إقصاء الأئمة). وقد أوقف نشاط هذا التجمع من قبل الحكومة، وتم نفي زعيم الجبهة الوطنية المتحدة من عدن، وهو الأستاذ محمد عبده نعمان. وقد مهّدت هذه التغيرات في منتصف الخمسينيات إلى ظهور الحركة العمالية، وتنظيمها في المؤتمر العمالي، وقد ضمت عشرات الآلاف من اليمنيين في الشمال والجنوب، وتطورت المعارضة على أساس اجتماعي. وفي الوقت نفسه، أدّت الانتصارات القومية في مصر بعد العدوان إلى خلق وعي سياسي مع بداية الثورة في الجزائر، وقد تجاوبت هذه الروح مع الروح الوطنية العفوية، وازدادت حدة المعارضة نتيجة استغلال العمال اليمنيين الذي مارسته بريطانيا في عملية الانتخابات، إضافة إلى سياسة التوظيف والتمييز في مجال التعليم، وسياسة الترحيل ضد اليمنيين الشماليين، وخاصة عندما رحلت مجموعة بعد أحداث 57-58م، وكان التحدي الرئيسي للعمال اليمنيين هو استخدام العمالية الأجنبية في عدن، وقد حصل هؤلاء على حقوق متدنية، بينما حرم العمال اليمنيون الشماليون، وقد حدثت سلسلة من الإضرابات، وأعلنت حالة الطوارئ عام 58م، وقبض على الأمين المساعد للمؤتمر العمالي، وأغلقت جريدة العامل، ثم عادت للظهور باسم العمال، وفرض قانون التحكيم الإجباري قبل القيام بأي إضراب عام 1960، وشلت محكمة لحل النزاعات والخلافات في حينه. والجدير بالذكر أن موقف بريطانيا من الاتحاد قد تغير عام 1956؛ فقد أدركت ضرورة اتحاد عدن والمحميات، وقد أحدث ذلك انقسامًا في الجمعية العدنية 1958 إلى جماعة سمّيت "مؤتمر الشعب الدستوري" بقيادة لقمان، وظلت تنادي بانفصال عدن. أما الجماعة الأخرى، فقد شكّلت تجمعًا آخر سمي الحزب الوطني المتحد بقيادة البيومي، وقادت هذه المجموعة الأخيرة المباحثات التي أدّت إلى دخول عدن الاتحاد عام 1962. وقد أثار الاتحاد المقترح معارضة مسلحة في الداخل، وقد شجع إمام اليمن هذه المعارضة، لأنّ الاتحاد في الستينيات، وتشكيل الجبهة القومية عام 1963م، وبداية التجمعات الأولى للثورة في 14 أكتوبر 1963م على جبال ردفان". 

(ثورة الرابع عشر من أكتوبر في نظر الباحثين الغربيين، الندوة الوطنية التوثيقية للثورة اليمنية 14 أكتوبر، أ. عبده علي عثمان، 176-177).

الوطن الأمّ 

"تشكّلت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في أغسطس 1963م، وقد حملت في البداية تسمية (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل)، وفيما بعد عدلت إلى الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، تأكيدًا على أنّ الجنوب اليمني المحتل جزءٌ لا يتجزأ من الوطن الأم، وقد ورد في ميثاقها القومي الأول (أنّ الجنوب والشمال يكونان اليمن الواحد، ومن الطبيعي أن يكون اليمن جزءًا لا يتجزأ من الأمة العربية، ولتبدأ الجبهة القومية بتدريب المجاميع على الأسلحة والإعداد لفتح الجبهات العسكرية في الريف والمدينة، حيث لم يأتِ 14 أكتوبر كانطلاق للثورة المسلحة إلا بعد إعداد مسبق تنظيميًّا وعسكريًّا للجبهة القومية.

نضال الحركة الوطنية اليمني عبر مختلف المراحل التاريخية الماضية هو جزء لا يتجزأ من تاريخ ونضال الشعب اليمني عبر التاريخ، وهو جزء لا يتجزأ من الحلقات المتصلة بنضال الشعب العربي الذي كان وما زال مركز اهتمام وتركيز الاستعمار القديم والجديد، والذي عانى من السلب والنهب والاستعباد بشكل أو بآخر، نفس ما عاناه شعبنا اليمني بشطريه من قبل المستعمرين الأتراك والإنكليز وغيرهم. حيث إنّ التاريخ الكفاحي البطولي لشعبنا اليمني ضد مختلف الغزوات الأجنبية، والتي كانت من محصلة تلك الغزوات سيطرة الاستعمار التركي والإنكليزي على اليمن قد أثبت هذا الترابط. إنّ مصالح الشعوب مترابطة وواحدة لا تتجزأ مثلما هو نضال مترابط أمام تلك المطامع والأطماع والأهداف الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية للمستعمرين، والذين اتفقوا على تقاسم وتقسيم الشعوب فيما بينهم، واتفقوا على تقاسم الأسواق لبيع منتوجاتهم، والمتاجرة بالأيادي العاملة التي كانوا يجلبونها من البلدان التي تقع تحت نفوذهم، والتي احتلوها بترسانة أسلحتهم، ورموا بكل ثقلهم فيها؛ مستخدمين أبشع الأساليب والوسائل اللاإنسانية ضد السكان، كما أنّ نضال الشعب اليمني، وحركته الوطنية الديمقراطية مرتبط دون انفصام بنضال حركة التحرر الوطني العربية والعالمية؛ فهناك العديد من الثورات والانتفاضات تأثرت بها الحركة الوطنية اليمنية على النطاق العربي والدولي، وفي المقدمة ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى التي فتحت آفاقًا جديدة ورحبة واسعة أمام نضال الشعوب المضطهدة والمغلوبة على أمرها، والتي كانت تفتقر إلى الخلفية والسند في دعم نضالها ضد القراصنة والمحتلين، ومنها شعبنا اليمني في الشطر الجنوبي من الوطن، والذي احتل من قبل الاستعمار البريطاني في 19 يناير 1839م حتى 30 نوفمبر 1967م- عام طرده بعد مقاومة باسلة". 

(محمد سعيد عبدالله (محسن)، عدن.. كفاح شعب وهزيمة إمبراطورية، دار ابن خلدون بيروت- دار الأمل صنعاء، طبعة ثانية، يوليو 1989، ص11و31و32)

تأثير المد القومي

"يمكننا أن نلمس من خلال البيئة السكانية لمدينة عدن بعض المؤشرات السياسية والاجتماعية التي ساهمت في نموّ المقاومة السياسية للمشاريع الاستثمارية، ثم تطوّرت إلى أشكال المقاومة المسلحة في ردفان وفي مناطق أخرى وفي عدن ذاتها. فالأوروبيّون الذين يعملون في الإدارة الاستثمارية ظلوا مسيطرين حتى بداية الانتخابات عام 1955 (الانتخابات التشريعية)، أمّا الهنود، فقد كانوا يعملون في التجارة وفي الوظائف الحكومية والبنوك، وتشاركهم في الوظائف الحكومية نسبة محدودة من السكان اليمنيين من عدن ومن المناطق اليمنية الأخرى، كما كانت تعمل نسبة ضئيلة من اليمنيين في مجال التجارة من أبناء الشمال والمناطق الشرقية وبعض التجار والقلة من اليهود، وكانت التجارة عامة تحت سيطرة الشركات الأوربية، وخاصة شركة لول توماس، وكانت القاعدة الأساسية للإنتاج والخدمات والحرف والبناء من عدن تعتمد، إلى حدٍّ كبير، على العمال اليمنيين من الشمال والمناطق الأخرى من الجنوب، بينما كان العديد من أبناء المناطق الشرقية والغربية وعدن يعملون في الجيش والبوليس والخدمات في القاعدة البريطانية. وعمومًا، فقد قدّرت العمالة في عدن عام 1965م، بـ(80975) عاملًا، موزعين على القطاعات الاقتصادية المختلفة في الميناء والبناء والتجارة وتجارة الجملة والمفرق والحكومة والبوليس والجيش والخدمات الأخرى والمشاريع الصناعية، وخاصة صناعة تكرير النفط، وقد شكّلت هذه القاعدة الإنتاجية الخدمية من العمال الأرضية الأساسية لنمو البدايات الأولى للتيارات والحركات السياسية والعمالية في عدن، وقد رافق ذلك تأثير المدّ القومي المعادي للاستعمار، والتيارات المعارضة لحكم الأئمة، ودور الصحافة والراديو في تطور الوعي السياسي في عدن والمناطق اليمنية الأخرى". 

(فرد هوليداي: المجتمع والسياسة في الجزيرة العربية 1976، عرض الأستاذ عبده علي عثمان، الندوة التوثيقية للثورة اليمنية 14 أكتوبر، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، ط1، 1993، ص 174-175).

اتحادّ هشّ

"كان الموقف في عدن مع ديسمبر 1963، يبدو مُبشِّرًا للبريطانيين في الجنوب العربي، وبحسب معظم الروايات، فإنّ الاتحاد الفتي والهشّ كان يكتسب شيئًا فشيئًا القوة والاستقرار. كانت عدن قد انضمّت إلى الاتحاد، والصراع الجاري في اليمن لم يتسرب إلى الاتحاد، ورغم أنّ البريطانيين كانوا ينظرون إليه بعين الخشية والقلق، فإنّ الهجوم على المندوب السامي البريطاني في عملية قنبلة المطار يوم 9 ديسمبر 1963، قد أزاح ستار القوة ومظهر الاستقرار في عدن، وكان أن مضت أحداث السنة اللاحقة قُدمًا في إضعاف قوة الاتحاد المزعومة أصلًا، ومع نهاية عام 1964، كانت فرص بريطانيا بالاحتفاظ بموقعها في الجنوب العربي موضع شك". 

(ترجمات عن اليمن والجزيرة العربية: ثورة 14 أكتوبر في الدراسات الأجنبية – توطيد الاتحاد الفيدرالي وانهياره، ترجمة: حامد جامع، عبدالكريم الحنكي، عدد 13 سبتمبر، 2003، ص21).

الخميرة الأولى

"المبادرة بدأت عندما لوّحت حركة القوميين العرب بتبني فكرة الكفاح المسلّح ضد الاستعمار وعملائه في المنطقة، وهي الفكرة التي قرّبها قادة الحركة إلى أذهان الرئيس السلال والقيادة العربية في اليمن، وذلك بعد اشتداد أوار المعارك ضد أعداء الثورة، وتعدد جبهات القتال التي كان الاستعمار يقودها من الجنوب والرجعية السعودية من الثورة في مدينة عدن إلى مدينتي صنعاء وتعز، لتقف على أعتاب المشاركة في الدفاع عن الثورة ونظامها الجمهوري. كانت حركة القوميين العرب واحدة من القوى الوطنية التي تشكّلت ونمت في عموم الساحة اليمنية، وأسهمت بقدر ملموس في إنجاح ثورة 26 سبتمبر 62، بقيادة الضباط الأحرار، وإقامة النظام الجمهوري وانتصاره في النهاية، وبعد ذلك مباشرة بدأت في صنعاء البذرة الأولى لثورة 14 أكتوبر 63 في الظهور، وتكوين أداتها الأولى (الجبهة القومية). لقد بدأت عناصر رئيسية من قيادات حركة القوميين العرب التفكير بالكفاح المسلح ضد الإنجليز مبكرًا، وكانت الخميرة الأولى لهذا التفكير في أواخر الخمسينيات، وبالتلازم في نموّ وانتشار تنظيماتها من مختلف مناطق اليمن شمالًا وجنوبًا، وكان التواجد للعناصر الرئيسية لمركز الحركة في مصر قد أسهم إلى حدٍّ ما، في التحرك بهذا الاتجاه، حيث كانت القاهرة تعج بالطلبة اليمنيين، وكان النشاط الرئيسي للنضال يتحرك من الجنوب والشمال اليمني، ومن التنظيمات التي تبنّت ورفعت شعار الجبهة القومية كأداة عامة للنضال". 

(ثورة 14 أكتوبر اليمنية من الانطلاقة حتى الاستقلال، راشد محمد ثابت، دائرة التوجيه المعنوي، صنعاء، 2007، ص93-94).

إعاقة نشوء الدولة

"وبعد انتهاء الحرب اليمنية – السعودية، التي لعبت بريطانيا الدور الأساس في إضرامها، رسمت العربية السعودية واليمن في عام 1935، الحدودَ التي تفصل حاليًّا بين هاتين الدولتين العربيتين. وهكذا تمكّن المستعمرون البريطانيون الذين طبّقوا سياسة "فرّق تَسد" من أن يعيقوا عملية نشوء الدولة في اليمن، واحتفظوا بنفوذهم في الجزيرة العربية لأمدٍ طويل، ولم يُطرَد المستعمرون البريطانيون من اليمن الجنوبي إلا في عام 1967، بعد نضالٍ مرير خاضته القوى الوطنية في جنوب الجزيرة العربية". 

(الاستعمار البريطاني وتقسيم اليمن، عزيز خودا بيردييف، دار التقدم، موسكو، 1990، ص168).

ضربة قاضية

"بالرغم من أنّ ثورة 14 أكتوبر 1963، لم تكن أولى الثورات المسلحة في العالم العربي، فقد شهد العالم العربي في الخمسينيات الكثير من الانتفاضات الجماهيرية المسلحة، كان على رأسها ثورة الجزائر التي واصلت الكفاح المسلح ضد الوجود الاستعماري الفرنسي منذ 1954، حتى اضطرت فرنسا إلى الاعتراف باستقلال الجزائر 1962. بالرغم من ذلك اكتسبت ثورة 14 أكتوبر، ومن اللحظة الأولى أبعادًا هامَّة، وخاصة في المجال العربي. فالثورة نشبت في عدن والجنوب التي كانت يعتبرها الاستعمار البريطاني الملجأَ الأخير له؛ حيث توجد أخطر قواعد عسكرية وجوية وبحرية، وخاصة بعد أن اضطرت بريطانيا إلى أن تكفّ عن أحلامها بالنسبة لقناة السويس بعد أن سقط حلف بغداد، وبعد أن اشتعلت القارة الهندية، ومضت الهند في طريق بناء استقلال حقيقيّ يقضي تمامًا على أيّ شكل من أشكال النفوذ البريطاني. والثورة نشبت كذلك في أعقاب ثورة 26 سبتمبر في الشمال؛ لتقوم بين الثورتين علاقة تضامن، ودعم متبادل ضدّ كل القوى المعادية في الداخل والخارج. ففي الوقت الذي كانت ثورة 14 أكتوبر تستقطب فيه الاهتمامات العسكرية البريطانية لمواجهة حركتها المسلحة في الداخل، وتزيح بذلك عبئًا هامًّا من على عاتق قوى الثورة والقوات المصرية في الشمال لتفرغ لمهامها في تصفية المرتزقة، وحرب الاستنزاف التي حاولت القوى الاستعمارية والرجعية إثارتها على الحدود الشمالية لليمن- كانت ثورة 26 سبتمبر هي الأخرى، تمثّل رئة طبيعية يتنفس من خلالها ثوار الجنوب، ولتقوم هناك قواعد التدريب، وإمدادات الأسلحة وغيرها من الجهود التي ساهمت بدرجة كبيرة في تطوير وإنضاج الكفاح المسلح في الجنوب. كذلك فإنّ اندلاع الثورة المسلحة في الجنوب قد وجه ضربة قاضية لكل المخططات الاستعمارية والرجعية السابقة، والتي عملت بشراسة خلال 1961-1962 على عزل ومحاصرة القوى التقدمية في العالم العربي ممثّلة في الأساس في الجمهورية العربية المتحدة. ليس هذا فقط، بل إنّه ساهم بدرجة كبيرة في أن تتحول القوى التقدمية إلى مواقع الهجوم، والهجوم على أخطر موقع مرجعيّ واستعماريّ في المنطقة؛ فلقد نشب الكفاح المسلح على أطراف حقول البترول الهامّة الممتدة في الخليج والسعودية، وأصبح يمثّل خطرًا حقيقيًّا على جوهر المصالح الاستعمارية في المنطقة". 

(تجربة الثورة في اليمن الديمقراطية، فتحي عبدالفتاح، بيروت، لبنان، طبعة أولى، 1974، ص56-57).

يوم الزحف الكبير

"قبل يومين من قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، تصاعَدَ النضال الوطني المعادي للمشاريع البريطانية إلى أوجه، حين تضامنت القوى الوطنية، كان العمّال في مقدّمتها، وأعلنت الإضراب العام، وتسيير المظاهرات لإفشال اجتماعات المجلس التشريعي لعدن، والتي خُصّصت لاتخاذ قرار لضمّ عدن إلى اتحاد الجنوب العربي لإكمال المشروع البريطاني وتشكيل دولة اتحادية تمنحها بريطانيا استقلالًا صوريًّا، ولتظلّ تحت حمايتها، وإبقاء القواعد البريطانية في عدن، كان لهذا المشروع أبعادٌ خطيرة، أهمّها أن يكون لدولة اتحاد الجنوب العربي شرعية دولية، تعيق تحقيق وحدة الوطن اليمنيّ شمالًا وجنوبًا".

(سعيد أحمد الجناحي، الموسوعة اليمنية، الجزء الثاني، الطبعة الثانية 2003، مؤسسة العفيف الثقافية صنعاء، ص795)

تقييم ثابت

"لم يكن غريبًا أن تندلع ثورة 14 أكتوبر بعد عام واحد فقط من انتصار 26 سبتمبر؛ فقد كان لانتصار ثورة 26 سبتمبر عام 1962م، تأثيرًا كبيرًا على مجمل الأوضاع اليمنية في الإقليم: شماله، وجنوبه؛ فشكّلت بذلك قاعدة أساسية لانطلاق ثورة 14 أكتوبر عام 1963، والتي وجدت العوامل المساعدة في الظروف الجديدة التي هيّأتها ثورة 26 سبتمبر... لقد ظل تقييم عدن لدور صنعاء والوجود المصري في توفير الظروف الموضوعية الموائمة لانطلاق الثورة واستمرارها في الجنوب، ظل هذا التقييم ثابتًا وواحدًا في كل الظروف". 

(الصراع في عدن، شاكر الجوهري، مكتبة مدبولي، ط1، 1992)

موقف أقوى

"أصبح العمل الفدائي أمرًا واقعًا مزعجًا للإدارة البريطانية؛ فقد طالت رشاشات وقنابل الفدائيين رؤوسَ العديد من المسؤولين الإنجليز وسيادتهم ومكانتهم، بحيث صارت الحياة بالنسبة لهم لا تطاق، وكذلك العمليات الفدائية الضخمة على الإذاعة البريطانية (قام بها خمسة وعشرون فدائيًّا بأسلحتهم الأتوماتيكية)، ونسف طائرة المندوب السامي، ومهاجمة الضابط في قسم البوليس في الشيخ عثمان أمام الشعب، كما أنّه كان لوجود الممثليات الأجنبية ووكالات الأنباء الأجنبية، بالإضافة إلى الصحافة المحلية في عدن، ما أكسب الثورة التحريرية كثيرًا، ووضعها في موقف أقوى لتميز جبهة عدن من سائر الجبهات في الريف. هكذا انتقلت الثورة التحريرية إلى قلب منطقة الوجود الاستعماري وقاعدته العسكرية؛ فقد قامت الجبهة القومية بهجوم قاصف وخاطف على مطار سلاح الطيران الملكي البريطاني بخور مكسر- عدن، مساء يوم الأحد، 2 أغسطس 1964م؛ بحيث قصفت قوات الجبهة بمدافعها ثلاث طائرات تُقِلّ جنودًا من نوع "بيفرلي"، تُقدّر قيمتها بحوالي خمسة عشر مليون جنيه إسترليني، كما أشعلت النيران من جوانب متعددة من المطار، وأدّى ذلك إلى احتراق وتلف كثير من الأدوات والمخازن الحربية فيه. ونتيجة لهذا الهجوم والذعر البالغ الذي أصاب السلطة البريطانية، لجأت هذه السلطات إلى اتخاذ كثير من الإجراءات المشدّدة؛ فقد أعلنت سلطات الاحتلال البريطاني إقفال جميع الحدود بين الشمال والجنوب، كما وضعت العناصر الوطنية في عدن تحت المراقبة الشديدة إلى جانب المضايقات والإجراءات الانتقامية". 

(عدن في سنوات الاختيار، 20 نوفمبر 1967م- يونبو 1969م، د. سيف علي مقبل، مركز عبادي للدراسات والنشر ط1، 2002، ص16-17).

أبطال ردفان

"في 14 أكتوبر عام 1963، بدأت الشرارة الأولى للثورة المسلحة في جبال ردفان؛ حيث أعلنت التمرد المسلح، وقطع المواصلات، وأعلنتها ثورة مسلحة ضد الوجود البريطاني، وقد ساندتها الجمهورية العربية اليمنية ماديًّا ومعنويًّا، وبدأت انطلاقة الثورة من جبال ردفان الشاهقة، وتجاوبت أصداؤها في المنطقة بكاملها، وقد حاولت بريطانيا بكل ثقلها وبكل إمكانياتها الجوية والبرية وأسلحتها المدمرة، لقمع هذه الثورة، ولكنها فشلت وهُزمت أمام أبطال ردفان، وتراجعَ الجيش البريطاني بمعداته وذخيرته وقواته التي هُزِمَت ومُنِيَت بالفشل أمام أبطال ردفان".

(الجنوب اليمني، عبدالله الثور، مطبعة المدني، ط1، 1986، ص289-290).

دور مصر البارز

"في تلك الظروف، وبعد اشتداد قتال القوات البريطانية ضد أبناء ردفان، وصلت بعثة مصرية إلى صنعاء لبحث وسائل دعم أبناء ردفان. وبالفعل قدّمت للمقاتلين دعمًا عسكريًّا كبيرًا قبل أن تسند مصر للجبهة القومية تسيير المعركة، وإنزال عبدالله المجعلي إلى ردفان. والحقيقة أنّه منذ اليوم الأول لانتفاضة ردفان في 14 أكتوبر 1963، كان لمصر دورها البارز في مساندة الثوّار الذين فجّروا الشرارة الأولى للثورة الشاملة ضد الاستعمار البريطاني؛ إذ كانت صلات مصر المبكرة مع أبناء الجنوب اليمني الفرصةَ المواتية لتصعيد المقاومة؛ حتى أمكنهم بالفعل هزّ الوجود الاستعماري على امتداد ساحة الجنوب، وهو ما قفز بالقضية قفزات واسعة وسريعة على المستوى العربي والدولي سياسيًّا وإعلاميًّا جنبًا إلى جنب مع تصعيد العمل النضالي المسلح". 

(عبدالناصر وثورة الجنوب: العملية صلاح الدين، 1963-1967م، إعداد وتأليف: سالم علي حلبوب، ط1، 2012، ص100).

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English