يزداد الوضع الإنساني سوءًا في اليمن، في ظل استمرار النزاع بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليّا وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، للعام السادس على التوالي.
واعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الأزمةَ الإنسانية في اليمن، الأكبرَ في العالم، وذلك مع ازدياد أعداد المتضررين نتيجة القتال؛ حيث وصل عدد الأشخاص الذين هم بحاجة إلى المساعدات الإنسانية إلى حوالي 24 مليون شخص.
وأدى انخفاض الريال اليمني إلى أدنى مستوى له على الإطلاق خلال الفترة الماضية، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي باتت أغلى بنحو 140% من مرحلة ما قبل الصراع الدائر في البلاد.
يقول زياد عبده قاسم، أحد سكان مدينة تعز: "الراتب لا يكفي لشراء المواد الغذائية الأساسية لمدة أسبوع لي ولأطفالي، بسبب ارتفاع الدولار وغلاء الأسعار".
ويضيف قاسم لـ"خيوط"، أن "أسعار الخضروات ارتفعت لمستويات قياسية، مثل الطماطم التي وصل سعرها مؤخرًا إلى أكثر من ألف ريال للكيلوجرام الواحد، بعد أن كنا نشتريه في غير موسمه بـ400 ريال فقط".
تسببت الحرب في فقدان المواطن اليمني ثلثي دخله نتيجة ارتفاع التضخم وانهيار العملة وارتفاع نسبة الفقر، ومعاناة نحو 80% من انعدام الأمن الغذائي، وفق تقديرات تقرير اطلعت عليه "خيوط"، صادرة عن قطاع الدراسات الاقتصادية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي منتصف العام 2020، ونالت المناطق والمحافظات التي دارت فيها الحرب النصيب الأكبر من المعاناة الإنسانية.
وجدت أحدث تحليلات أجرتها وكالات أممية في 133 منطقة في اليمن أن 40% من سكان البلاد سيعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد مع نهاية هذا العام، وهو ارتفاع من نسبة كانت تبلغ 25%، أي إن العدد سيرتفع من مليوني شخص إلى 3.2 مليون شخص يعانون من الجوع
انهيار العملة وفقدان الريال لنسبة كبيرة من قيمته ساهم في ارتفاع نسبة التضخم وتفشي الجوع، ووضع اليمن على حافة الانهيار الغذائي، كما عجزت عشرات الآلاف من الأسر المعوزة عن شراء المواد اللازمة للبقاء على قيد الحياة، كالطعام والوقود.
يقول الناشط الاجتماعي الدكتور عبدالواسع الواسعي (أمين عام جمعية خيرية) لـ"خيوط"، إن هناك تأثيرات كبيرة للحرب على الوضع الإنساني في اليمن، وخاصة في مكون الأمن الغذائي وسوء التغذية بشكل مباشر.
خطر انعدام الغذاء
في سبتمبر/ أيلول 2020، دق ثلاثة من كبار مسؤولي الأمم المتحدة ناقوس الخطر خلال إحاطتهم أمام أعضاء مجلس الأمن بشأن تزايد انعدام الأمن الغذائي وخطر المجاعة، في العديد من البلدان من بينها اليمن.
بينما وجدت أحدث تحليلات أجرتها وكالات أممية في 133 منطقة في اليمن أن 40% من سكان البلاد سيعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد مع نهاية العام 2020، وهو ارتفاع من نسبة كانت تبلغ 25%؛ أي إن العدد سيرتفع من مليوني شخص إلى 3.2 مليون شخص يعانون من الجوع.
ويحذر التحليل الأخير للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي، وشركاء آخرين، من أن مزيجًا من الصدمات الاقتصادية والصراعات والفيضانات والجراد الصحراوي ولاحقاً جائحة كوفيد-19، يشكل وصفة مثالية من شأنها أن تعكس مكاسب الأمن الغذائي التي تم تحقيقها بشق الأنفس في اليمن في السنين الماضية.
ويتوقع التحليل زيادة مقلقة في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد رغم تراجعه في المناطق التي أجري فيها التحليل العام الماضي 2019، بفضل توسيع نطاق المساعدات الإنسانية.
مدير قسم سوء التغذية في مستشفى المظفر بتعز، الدكتور نشوان السامعي، يتحدث لـ"خيوط" عن ارتفاع حالات سوء التغذية الحاد الوخيم بشكل مخيف في محافظة تعز، قائلًا: "نستقبل ما يقارب 30 حالة شهريًّا داخل القسم، وهذا غير الحالات التي تأتي للعيادة الخارجية".
في السابق كانت أغلب الحالات مقتصرة على الأرياف، أما الآن، بحسب تأكيدات السامعي، فأغلب الحالات تأتي من المدينة نفسها، معظمها أسر معدمة ومستواها المعيشي متدنٍّ للغاية، إذ يرى أن هذا الأمر أثر سلبًا على الأطفال، وهو السبب الرئيس لإصابتهم بسوء التغذية الحاد الوخيم.
ويؤكد السامعي أن استمرار الحرب في اليمن أثر بشكل كبير على انتشار حالة الجوع، إذ أن غالبية السكان فقدوا وظائفهم، ورواتبهم التي كانت تسد رمقهم، وفقدوا مساكنهم التي كانت تأويهم، بل إن نسبة كبيرة من الأسر أصبحت لا تملك أي شيء، وهذا الأمر أثر كثيرًا على الأطفال أكثر من أية فئة أخرى.
وحث برنامج الأغذية العالمي الجمعة 11 ديسمبر/ كانون الأول 2020، على اتخاذ إجراءات عاجلة لتفادي حدوث المجاعة في اليمن، إذ تشير معطيات الأمم المتحدة بشأن انعدام الأمن الغذائي، التي صدرت هذا الشهر، إلى وجود ظروف شبيهة بالمجاعة في اليمن في الوقت الحاضر.
كما تشير المعطيات إلى أن عدد اليمنيين الذين يواجهون مستويات كبيرة من انعدام الأمن الغذائي قد يرتفع بثلاثة أضعاف عما هو عليه الآن، من 16,500 إلى 47,000 بحلول يونيو/ حزيران 2021. كما توضح الأرقام أن أكثر من 16 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد السكان، سيواجهون مستويات من انعدام الأمن الغذائي بحلول منتصف العام المقبل.
وفق برنامج الغذاء الحائز على جائزة نوبل للسلام، فإن عدد سكان اليمن 30 مليونًا وخمس مئة ألف شخص، منهم 24 مليونًا و300 ألف يحتاجون إلى نوع من المساعدة الإنسانية، ونحو 60 مليونًا لا يستطيعون توفير الطعام لأنفسهم. هذه كارثة، هذه قنبلة موقوتة ويحتاج العالم أن يتصرف الآن".
في السياق نفسه، وفي تحليل سوء التغذية الحاد للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الصادر في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسف)، وبرنامج الأغذية العالمي وشركائهم، زادت حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال بنسبة 10% خلال عام 2020 إلى أكثر من نصف مليون جنوب اليمن.
وحذرت منظمات تابعة للأمم المتحدة من أن طفلًا واحدًا من بين كل خمسة دون سن الخامسة، في أنحاء مختلفة في اليمن، يعاني من سوء تغذية حاد، وبحاجة ماسة للعلاج مع ارتفاع حالات سوء التغذية بشكل خاص جنوبي البلاد.
ويعد التدهور الاقتصادي أحد أبرز عوامل انعدام الأمن الغذائي الحاد، يضاف إليه التضخم، مع تراجع العملة المحلية وارتفاع أسعار المواد الغذائية ونضوب احتياطات النقد الأجنبي.
وإلى جانب الأزمة الاقتصادية، فإن استمرار الصراع في اليمن يعدّ أيضًا أحد المحركات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي الحاد. وتأتي جائحة كوفيد-19 لتزيد من تفاقم الأوضاع سوءًا، وخاصة بعد اتخاذ التدابير للحد من انتشارها، وهو ما تسبب بتأثر الاستيراد وبعوائق لوجستية وتعطل الأسواق.
يقول رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بعدن، نجيب السعدي لـ"خيوط": "إن استمرار المواجهات أدى إلى زيادة عدد النازحين في مخيمات النزوح، ويعانون معاناة كبيرة من نقص في المواد الغذائية، والدوائية والإيوائية، إضافة إلى أن الأطفال في المخيمات محرومون من التعليم".
وأضاف السعدي أنه "بعد ستة أعوام من الحرب، وصل عدد النازحين في اليمن إلى نحو 3 مليون نازح، وتتصدر محافظة مأرب أعلى نسبة نزوح بنسبة تصل إلى 35%."
من جهته قال مدير الوحدة التنفيذية للنازحين بمحافظة تعز، حسان الخليدي لـ"خيوط": "إن عدد الأسر النازحة بمحافظة تعز تزيد عن 46000 أسرة، وما زال النزوح مستمرًا يوميًّا مع استمرار المواجهات".
وفي رسالته إلى المنظمات، يقول الخليدي: "هناك أكثر من 46000 أسرة نازحة في 14 مديرية في محافظة تعز، جميعها تفتقر إلى أبسط الاحتياجات الأساسية وسبل العيش في جميع القطاعات (المأوى، الصحة، الغذاء، المياه، النظافة، الحماية، التعليم)، وبحاجة إلى تدخلات عاجلة وطارئة ومستدامة لإنقاذها من المعاناة والموت".