لا يجب أن يلفنا العجب والاستغراب في طياته، إذا تصادمت آراؤنا ونظرتنا نحن جيل الثورة، مع الجيل الجديد، جيل ما بعد الوحدة، لهذا الحدث العظيم 30 نوفمبر، ذكرى استقلال جنوب البلاد عن المستعمر البريطاني، لأن النتائج تحسب بمآلات الأمور وصيرورتها.
فنحن جيل الأمس، عشنا بقناعاتنا، بما وفرته لنا حركتنا الثورية من عيشة طيبة ومساواة وعدل إلى حد كبير، رضي به الغالبية والسواد الأعظم من الشعب الجنوبي، ولاقى هذا المزاج الجماهيري توافقاّ مع المد القومي العربي. بمعنى أن تأثيرات المحيط العربي أججت في داخل نفوسنا جذوة التحرر والاكتفاء والصبر على بدايات التحول، في مغازلة للمستقبل والحلم بقادم آت يلبي الطموحات والآمال، بأن القيادات الوطنية خير لنا من المستعمر وأعوانه في السلطنات.
اليوم نعيش الذكرى الـ53 لنوفمبر المجد والعزة، نتذكر تضحيات الشهداء الذين قضوا من أجل أن نحيا بسعادة وكرامة، وننعم بخيرات وطننا ونراه شامخاّ يعانق السماء نماءًا ونهوضًا وتطورًا وحرية، فهل تحقق لنا من هذا الحلم شيئا؟
نحن جيل الأمس عشنا بقناعاتنا بما وفرته لنا حركتنا الثورية من عيشة طيبة ومساواة وعدل إلى حد كبير، رضي به الغالبية والسواد الأعظم من الشعب الجنوبي، ولاقى هذا المزاج الجماهيري توافقاّ مع المد القومي العربي
جيل الأمس عاش انكسار الحلم بعد عدة دورات دموية بين الرفقاء، ثم تجددت آماله بإنجاز أهم أهداف الثورة اليمنية المتمثل بثورة 22 مايو 1990، وهو يرى فيها خلاصه من الشمولية والاتجاه يساراّ واعتناق الأفكار الشيوعية التي كان يغرد بها القادة بعيداً عن القاعدة وخارج نطاق السرب الإقليمي.
فيما جيل الوحدة كان أقل منا صبرًا وأكثر انفتاحًا وجرأة، ورغبة في مواكبة العالم وتقدمه، فكانت صدمته قوية جدًا باتجاه الواقع الناجم عن استغلال وانفراد ثلة من المتنفذين بمصير الشعب والوطن والفيد والاغتناء الشخصي على حساب بناء الدولة المدنية، دولة المواطنة والمساواة والحرية، وخطف لقمة العيش من أفواه البسطاء، ما وسّع الفجوة بين الحاكم والمحكومين، وجرّ البلاد إلى متاهات عدمية جعلت هذا الجيل يكفر بالثورة ويلعنها ويلعن قيامها، بل ويترحم على زمن الاستعمار والسلاطين. هذه المتاهة التي يقارن فيها بين الماضي والحاضر ويمد بصره إلى ممالك الجوار وما تعيشه من رغد العيش وتنمية وتمدن كنا نحن السابقون إليه بمئات السنين.
حالنا اليوم يبكي ويحزن، بعد ما أصبحنا كالنطيحة والمتردية والسباع من حولنا تريد افتراسنا إثر تجريدنا من أقوى ما نملك؛ هويتنا الوطنية التي باعها ساستنا بثمن بخس في سوق النخاسة وكانوا فيها من الزاهدين.
عدت يا نوفمبر، ونحن نحتاجك لتشعل فينا جذوة الانتفاضة والثورة على مستعمر وطني أذاقنا الويلات والعذاب أكثر من المستعمر الأجنبي، ومعذرة أيها الشهداء الأبطال لقد ذهبت تضحياتكم هدراّ وكانت سببًا في نكستنا وتعاستنا. ويا ليتكم لم تثوروا!