قبل خمس وخمسين سنة من اليوم (5 نوفمبر 1967)، تمت إزاحة الرئيس عبدالله السلال من موقعه كرئيس للجمهورية العربية اليمنية أثناء مغادرته إلى العراق، وتمت إزاحة طاقمه القريب. هذه العملية صارت، في أدبيات التاريخ السياسي، توصف بـ"الحركة" من الفاعلين فيها، وبـ"الانقلاب" من معارضيها. الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني (مهندس ورئيس هذه الخطوة) برّر وقوعها بأنّها كانت ضرورية للحفاظ على النظام الجمهوري، والمُضِيّ في طريق السلام بين اليمنيين، وحتى يقطع الطريق على مجموعة المشايخ الملكيين الذين كانوا يتحجّجون في محاربة الجمهورية بوجود الجيش المصري في اليمن، ووجود السلال في الرئاسة:
"كان معظم المشايخ الملكيين يزعمون أنّ مناصرتهم لبيت حميد الدين، إنّما كان بسبب وجود القوات المصرية، وسبب تولّي الرئيس السلال لرئاسة الجمهورية، وكان على رأس هؤلاء الغادر، وفكرنا في الأمر، وقال المشايخ: إنّ أحد العامِلَين -وهو الوجود المصري- قد زال بانسحاب القوات المسلحة المصرية، وبقيَ السلال فنرى تنحيته، ويكون الإرياني بدلًا عنه، ونقوم بعد ذلك بتوجيه نداء لإخواننا المشايخ ندعوهم فيه إلى اللقاء، في ظل النظام الجمهوري. وبعد أخذ وردّ، اتفقنا على تطبيق قرارات مؤتمر خَمِر. وبناء عليه تم تشكيل مجلس جمهوري برئاستي، وعضوية الشيخ محمد علي عثمان، والأستاذ أحمد محمد نعمان، والقاضي عبدالسلام صبرة، والفريق حسن العمري. كما تشكّلت وزارة برئاسة الأستاذ محسن العيني، وتلمسنا رأي القوات المسلحة، وبالذات الصاعقة والمظلات، وهما أقوى وحدتين في الجيش، فكان الإجماع منعقدًا، وكذلك هو شأن المشايخ، باستثناء الشيخين أحمد العواضي ومحمد ناجي القوسي، فقد كانا من المؤيدين للسلال، ولكنهما في الأخير دخلا في صف الجماعة، وقاما بواجبهما في الدفاع عن الثورة في ظل الوضع الجديد.
وفي أثناء الليل، انتقلنا إلى بيت الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، واتفقنا على صياغة البيان الذي أذيع صبح يوم الخامس من نوفمبر، بتشكيل المجلس الجمهوري، مع بيان تشكيل الحكومة وتنحية السلال، وأشرنا في البيان إلى التنديد بأحداث ثلاثة أكتوبر ضدّ القوات المصرية، وحمّلنا السلال تبعة ذلك، وقد أردنا بذلك أن نكسب الـ(ج. ع. م) إلى جانبنا، وكانت قواتها لا تزال في الحُديدة وحراز والحيمة"(1).
وبالمقابل، وصفها أحد قادة ثورة سبتمبر، عبدالغني مطهر، في كتابه (يوم ولد اليمن مجده)، بـ"الانقلاب المشؤوم"، وقال:
"خلال شهر أكتوبر1967م، أعلن المشير عبدالله السلال عزمَه السفر إلى موسكو وبغداد لإجراء مفاوضات مع المسؤولين بهما حول شراء أسلحة للجيش اليمني، كما كان قد أعلن أيضًا -بمناسبة قرب انتهاء عملية مغادرة القوات المصرية لليمن- أنّ الجمهورية تفتح ذراعيها لاستقبال كل أبنائها المتواجدين خارج البلاد لبداية عهد جديد يتآلف فيه الجميع ليواجهوا المستقبل متكاتفين، يسودهم الوفاق والوئام.
وعلى إثر ذلك الإعلان، وصل إلى الحُديدة من الخارج خليطٌ من اليمنيين، يضمّ عناصر عُرف عنها موالاتها للملكيين وتأييدها لفكرة الدولة الإسلامية، وعناصر أخرى تعمل لصالح الأحزاب، كما جاءت إلى الحُديدة من الداخل عناصر مدفوعة من جهات أجنبية، والتقى معهم بعض العناصر الوطنية، وسرعان ما توجه وفد ذلك الخليط، وعلى رأسه القاضي عبدالرحمن الإرياني إلى قصر البوني بالحُديدة، حيث اجتمع أعضاء الوفد بالمشير السلال. وقد دار بين الجميع حوارٌ حول العهد الجديد، واستمرّ ذلك الحوار ثلاثة أيام متتالية، وانتهى بتشكيل حكومة جديدة وبالتوقيع على وثيقة تعهَّدَ فيها الجميع أن يكونوا كتلة واحدة، وألّا يخون بعضهم بعضًا، ورغم توقيع ذلك الميثاق فإنّ بعض العناصر التي شاركت فيه كانت قد بيّتت النية على اغتيال رئيس الجمهورية عندما يتواجد بمطار الحُديدة، وقبل أن يستقلّ الطائرة التي ستتوجه به إلى القاهرة، ومنها إلى بغداد وموسكو.
في 4 نوفمبر سنة 1967، وقبل حركة الانقلاب المشؤوم، اتصل بي تليفونيًّا الأخ علي الضبعي، وأبلغني أنه يريد زيارتي، وعندما وصل إلى المنزل، بدأ حديثه معي بالاعتذار من عدم اتصاله بي خلال تلك المدة الطويلة، ثم أخبرني أثناء حديثنا، الذي استمرّ ساعة كاملة، أنّه من المحتمل أن أسمع من إذاعة صنعاء خبرًا جديدًا أو قرارات.
في الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة الخامس من نوفمبر، أيقظني من النوم الحرس الموجودون بمنزلي، وأخبروني بأنّ بباب المنزل مصفحة بها ضابط وخمسة جنود، وأنّهم يريدون مقابلتي. وفدٌ علمت منهم أنّ الضابط المذكور هو علي الضبعي. ولم يغب عن ذهني وقتئذٍ احتمال أن تكون عناصر الغدر قد بادرت بالكشف عن حقيقة نواياها"(2).
__________________
(1) مذكرات الرئيس القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني، الجزء الثاني 1962-1967، الطبعة الأولى 2013، الفصل الحادي عشر: حركة الخامس من نوفمبر، ص 620-621.
(2) يوم ولد اليمن مجده، عبدالغني مطهر، طبعة ثانية 1990، ص179 وما بعدها.