لم أسمع كلمة "الجلاء" طوال مدى عمري في كنف الدولة (جمهورية اليمن الجنوبية أو الديمقراطية الشعبية)، في توصيف يوم 30 نوفمبر، وإنّما كانت مفردة "الاستقلال" هي السائدة، ومُضافًا إليها مفردتَي "الوطني الناجز"، وحتى وصف خروج آخِر جندي بريطاني من عدن كان يُعبّر عنه "رحيل" وليس "جلاء".
هكذا نمت ذاكرتنا التاريخية لمثل هذا الحدث الكبير بصيغ تستبعد تمامًا كلمة "الجلاء". وأزعم أن هاجس تركيزي على مصطلحي "الجلاء أو الاستقلال"، ارتفع معياره البحثي لدي، يوم إن وجدت المؤسسة السياسية والإعلامية لما بعد حرب 1994، تكرِّس مصطلح "الجلاء" على يوم 30 نوفمبر في الخطاب السياسي وفي التوجيهات الإعلامية للمؤسسات الإعلامية، وتتجنّب التوصيف بمصطلح "الاستقلال".
وفي ظنّي أنّ مرجع هذه التسمية لدى خروجه إلى العلن العام، إنّما بدأ في أوليات أيام "الوحدة"، عن جهل لدى بعض الساسة والنخب، وخاصة الشمالية، وهي على بعد مسافة زمنية قصيرة من توحد الشمال والجنوب، فأصابها ما يصيب المقصّرين دون عمد، في عدم المعرفة والملامسة التاريخية الصحيحة والدقيقة للفَرْق السياسي والنضالي بين المصطلحين.
وهذا الأمر أملك حقّ القول به في الخطاب السياسي والإعلامي لفترة الأربع السنوات الأولى لدولة "الوحدة"، من توحد عشوائي عكس نفسه في الخيارات وفي الرؤى والاتجاهات المتضاربة وفي عدم فهم الآخر، التي كانت تعصف بالكيان السياسي للدولة الوليدة، وخاصة أنّ مركز القرار في صنعاء والحدث التاريخي في دولة الجنوب الذي كان بعيدًا عن استيعاب الأحداث التاريخية في الجنوب، كما أزعم جدلًا. وهكذا الحال يمكن القول بالنسبة لأحداث الشمال من وجهة نظر بعض النخب الجنوبية.
وهذا التفسير والتناقض في الرؤى يمكن أن يكون متقبلًا نوعًا ما ويصلح تبريره خلال فترة الأربع السنوات الأولى لما قبل 1994، حتى لا يُفهم من ذكر ذلك أيَّ تشبث بنظرية المؤامرة في هذا الموضوع.
مهما كانت الظروف والأسباب التي افتعلها البعض لتبنّي هذا الاصطلاح الحيادي (الجلاء)، فإنّنا نذكر هنا عبرة للتاريخ بأن الوجود الاستعماري لبريطانيا في عدن لم يكن نزهة بل احتلالًا، وصفه الخديوي محمد علي باشا يوم احتلال عدن في 19 يناير 1839، بأن عينًا من عيني الشرق والعرب قد سلب منا.
لقد ظلّ التناقض واضحًا في الخطاب السياسي والإعلامي في وسائل الإعلام في صنعاء وعدن وفي احتفالات المحافظات التي كرست بعضها مصطلح "الجلاء" في مدن الشمال، بينما محافظات الجنوب ومسؤوليها يتبنون مصطلح "الاستقلال".
إلّا أنّ الأمر تغيّر تمامًا بعد أحداث حرب 1994، وقد ظهر على السطح الواجهة مفهومات سياسية مضادّة للوحدة كالانفصال، واستعادة الدولة، وفكّ الارتباط، الذي كان صدوره حتمية طبيعية كنتيجة من نتائج هذه الحرب المشؤومة، والتي أعلن خلالها علي سالم البيض، نائب الرئيس آنذاك، في خطابه الشهير يوم 21 مايو 1994، الانفصالَ وقيام دولة "جمهورية اليمن الديمقراطية"، ولم يُكتب النجاح لهذه الدولة التي أُعلنت في أتون الحرب وهُزم قادتها وجيشها وحزبها.
وجاء على إثر ذلك عهدٌ جديد من عمر الوحدة، ملتبسًا بكلِّ مراوغات المفاهيم السياسية والإعلامية التي كانت تكرّس وجهة نظر المنتصر، وتحاول إعادة تشكيل تاريخ شريك الوحدة ودولته السابقة بمفاهيم وتوجهات وضمن صناعة قرار تتناسب مع الرؤية "المنتصرة والحاكمة"، وفي أغلب الأحيان تتجاهل الواقع التاريخي والموضوعي وتُؤدلجه بحسب الرؤية للسلطة الغالبة، خاصة أنّ الشريك في صناعة الوحدة قد أُقصِي تمامًا.
وهكذا أفردت الساحة ذراعيها لصناعة ليس الحاضر الجنوبي، بل تأويل أحداث الماضي ضمن مصطلحات محسوبة وفي إطار هاجس السلطة الحاكمة، خوفًا من إشاعة أيّ ذكرٍ للانفصال أو حتى مفهوم إعادة تصحيح مسار الوحدة التي كان يتبناها عددٌ من قيادات الحزب الاشتراكي، وفي مقدّمتهم محمد حيدرة مسدوس، وعلي صالح عباد مقبل.
وكان اصطناع مصطلح "الجلاء" ليوم 30 من نوفمبر تجليًا لهذا التوجّه، كما كان تبنّي سلطةِ ما بعد الحرب الصارمُ لتسميته بيوم "الجلاء" وليس "الاستقلال"، تبنّيًا حادًّا وضمن هواجس السلطة الحاكمة والنخب السياسية والقبَلية المتخوّفة من أن يُنهِض ذكر مفهوم "الاستقلال" أيَّ نوازع انفصالية أو روح كفاحية ونضال مسلح أو سلميّ مناهض لدولة الوحدة.
ولم يكن هذا التكريس الجائر جهلًا بالتاريخ الكفاحي لشعب الجنوب الذي قاد مرحلة كفاح مسلح منذ ثورة 14 أكتوبر حتى يوم الاستقلال في 30 نوفمبر، بحسب الافتراضية الأولى، أو لأخطاء ناشئة عن اختلاطات مرحلة ما قبل 1994، والسياسة العامة لدولة 22 مايو 1990 الناشئة، وإنّما عبر عن فعلٍ سياسي مقصود أملته نتائج صيف حرب 1994.
الفَرْق السياسيّ بين المصطلحين
بعيدًا عن التنازعات والأهواء السياسية والجهوية في التماهي والاختلاط أو القصدية في تغليب أحدهما على الآخر، يمكن التفريق بين المصطلحين علميًّا وقانونيًّا ونضاليًّا، على النحو التالي:
الجلاء: يعني وجود قوات أجنبية على أرض دولة مستقلة وذات سيادة وشرعية دولية لحمايتها من مخاطر لا تستطيع مواجهتها اعتمادًا على جيشها الوطني فقط، وعندما لا تعود هناك حاجة لهذه القوات، فإنّ الدولة المستقلة وذات السيادة التي استعانت بقوات أجنبية لحماية بلدها من مخاطر مفترضة، تطلب من الدولة الأجنبية المستعان بحمايتها، إجلاءَ قوّاتها عن أرض الدولة الموجودة فيها، بعد زوال أسباب ومبررات الاستعانة بهذه القوات.
وهذا ما لم ينطبق على الحالة في الجنوب المحتل من قبل الاستعمار البريطاني منذ احتلال مدينة عدن في 19 يناير 1839، على يد القبطان البريطاني هينس بقوة السلاح وبعد مقاومة شرسة من أبناء المدينة، وتمدّد الاحتلال لمناطق الجنوب باتفاقيات الوصاية والحماية على سلطنات ومشيخات الجنوب المتعددة، واستمرار حملات المقاومة المتعددة من القبائل ضد الوجود الاستعماري منذ الأيام الأولى لاحتلال عدن. فهنا يمكن الرجوع إلى كتاب المؤرخ سلطان ناجي– "التاريخ العسكري في اليمن".
أمّا الاستقلال، فمعناه سياسيًّا: أنّ بلدًا ما كان مستعمَرًا من قبل قوات أجنبية تابعة لدولة أخرى، وأنّه نتيجة لهذا الاحتلال قام شعب ذلك البلد المحتل بمقاومة القوات المحتلة بواسطة الكفاح المسلح من قبل الثوّار الوطنيين، الذين يعبرون عن إرادة شعب البلد المحتل، الأمر الذي يجبر الدولة الاستعمارية المحتلة على الاعتراف بالثوّار كممثلين عن الشعب والتفاوض معهم بشأن مغادرة الوطن المحتل مع كافة قواتها ومعداتها العسكرية ومنح البلد الذي كان يقع تحت الاحتلال استقلالًا والاعتراف بدولته المستقلة.
وهذا ما ينطبق كليًّا على الحالة في الجنوب في فترة الاحتلال البريطاني لمدة تزيد على 129 عامًا، حيث كانت حالات المقاومة والنضال والكفاح السلمي والمسلح متوالية، حتى توّج بثورة 14 أكتوبر عام 1963، وتبني الكفاح المسلح كخيار لرحيل المستعمر، وهو ما حصل في 30 نوفمبر 1967.
رغم ما يقال؛ إنّ الاستعمار حدّد يوم 8 فبراير 1967، موعدًا لرحيل قواته، إلَّا أنّه اضطر لتقديم موعد الرحيل إلى 30 نوفمبر 1967، تحت لعلعة السلاح وضربات الفدائيين في عدن ومختلف المدن والقرى.
إجمالًا؛ يمكن القول بأنّ التقليل من القيمة التاريخية والنضالية ليوم 30 نوفمبر، يكون بوصفه يومًا لجلاء المستعمِر البريطاني دون حسبان لمرحلة النضال الطويل والكفاح السلمي والمسلح من أجل نيل الحرية والاستقلال الذي قدّم من أجله قافلة من الشهداء، ضحّوا بأرواحهم لهذا الهدف الوطني النبيل.
فمهما كانت الظروف والأسباب التي افتعلها البعض لتبني هذا الاصطلاح الحيادي (الجلاء)، فإنّنا نذكر هنا عبرة للتاريخ بأنّ الوجود الاستعماري لبريطانيا في عدن، لم يكن نزهة بل احتلالًا، وصفه الخديوي محمد علي باشا يوم احتلال عدن في 19 يناير 1839، بأنّ "عينًا من عيني الشرق والعرب قد سلب منا".
وللتاريخ أيضًا، فإن عدن احتلّها القبطان هينس بعد معركة شرسة وغير متكافئة مع حامية الميناء، خسرها المواطنون واستشهد فيها أبطال المقاومة للاحتلال البريطاني قبل أن يطأ بقدمه على شاطئ ميناء صيرة الضخمة مياهه، بدم الشهداء المقاومين، ولم يدخلها سِلمًا وطواعية، ولقد تواصلت حملات المقاومة الشعبية والقبلية من يوم الاحتلال حتى يوم نيل الاستقلال، وتُوّج هذا النضال والكفاح المسلح بمفاوضات الاستقلال بين وفد الدولة المحتلة- بريطانيا برئاسة اللورد شاكلتون، وبين وفد الجبهة القومية برئاسة الرئيس الراحل قحطان محمد الشعبي، والخروج باتفاقية "استقلال الجنوب العربي"، كما ورد في تسمية الوثيقة، وتحولت التسمية إلى "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية".
إذن، من الحصافة السياسية والقانونية والدلالة السياسية، ودون تجنٍّ على نضالات شعب الجنوب، القولُ عن يوم 30 نوفمبر 1967، يوم الاستقلال وليس الجلاء. وإنّ ما حصل من محاولات تكريس مصطلح "الجلاء" على مفهوم "الاستقلال" بمعانيه النضالية والكفاحية، كان ضمن توجسات ومخاوف سلطة 7/7 من أن يعيد إلى الذاكرة بعد حرب 1994 استرجاع هذا المفهوم والمصطلح على دولة "الوحدة". وهو ما حصل بالفعل، ويتكرس في واقع الجنوب اليوم.
الاستقلال الوطني الناجز
على الضفة الأخرى من المشهد وفي زمن بعيد نسبيًّا، في أوليات أيام الاستقلال وقيام الدولة الوطنية تحت مسمى "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية"، نرى صورة مشابهة للضاغط السياسي الذي أعطى لمصطلح "الاستقلال" إضافة مفهومية واصطلاحية نشأت من رحم الضغوطات أو التحديات التي واجهت السلطة الحاكمة آنذاك (التنظيم السياسي - الجبهة القومية).
من هنا يبدو أنّ التركيز على مفهوم الاستقلال قد شابَهُ شيءٌ التوصيف المضاف في فترة ما بعد الاستقلال، حيث كانت السلطة الحاكمة (التنظيم السياسي- الجبهة القومية) تؤكّد وتركّز في خطابها السياسي والإعلامي على مفهوم "الاستقلال الوطني الناجز".
ثوّار الأمس وحكّام اليوم لم يكونوا حريصين على صبغة يوم 30 نوفمبر بيوم الاستقلال فقط، بل اعتبروه يومًا للاستقلال الوطني الناجز الذي وحّد أكثر من 22 سلطنة ومشيخة في وحدة سياسية وجغرافية واحدة.
ويبدو أنّ دافعَ هذا التركيز على كلمة "الوطني الناجز" إنّما هو بقدر ما كان صحيحًا، إلّا أنّ دوافعه أيضًا كانت دوافع سياسية، عبّر عن حالة دفاع تبنّته سلطة الاستقلال عن هذا المنجز الوطني أمام ما برز من حملات مضادّة كانت تنتقص من قيمة ومخرجات اتفاقية الاستقلال، بل وفي التشكيك في مخرجاتها، وفي كفاءة الوفد المفاوض، بحُجّة وزعم البعض بتفريط الوفد المفاوض في بعض الالتزامات التي كانت تطرحها بريطانيا، مقابل بحثهم عن السلطة - حسب زعم المعارضة السياسية والعسكرية المناوئة للجبهة القومية آنذاك.
ويمكن تلخيص تلك الادعاءات، على النحو التالي:
-الزعم بتنازل وفد الجبهة القومية عن التعويض المالي الذي يفترض أن تقدّمه بريطانيا للدولة الوليدة تعويضًا لفترة استعمارها للبلاد.
-الزعم بوجود بنود سرية في وثيقة الاستقلال لم يعلن عنها حسب التسريبات المشوشة وغير المؤكّدة عمليًّا، ومنها التزام الجبهة القومية بعدم السماح للزعيم جمال عبدالناصر ومصر العروبة وأفكار التحرر الوطني من الاستعمار، للنشاط والتغلُّل داخل الدولة الناشئة بعد الاستقلال.
وعدد آخر من المزاعم التي كانت تدور في أروقة المعارضة العسكرية والسياسية في الخارج يومها والتي كانت تُشكِّك بقدرة وفد الجبهة القومية المفاوض وقيمة النتائج السياسية والقانونية والمكاسب الجغرافية التي تحقّقت للوفد المفاوض لتسلّم زمام دولة الجنوب من أقصى المهرة إلى باب المندب وتوحيد أكثر من (22) سلطنة ومشيخة وحِمية في دولة واحدة.
ويمكن إضافة التأكيد على إصرار السلطة السياسية الحاكمة بعد الاستقلال بتوصيف يوم 30 نوفمبر بـ"الاستقلال الوطني الناجز"، أنّه جاء على خلاف رغبة بريطانيا بالرحيل عن الجنوب وجلاء قوّاتها سلميًّا وتحديد موعد الجلاء في 8 فبراير 1968، وذلك بسبب الواقع على الأرض واشتداد حدّة العمليات الفدائية في عدن وغيرها، وتوابع الهزيمة العسكرية والسياسية التي تلقّاها الاستعمار البريطاني بتحرير مدينة كريتر في قلب عدن في 20 يونيو 1967 من سلطة الاحتلال لأكثر من عشرين يومًا، واعتبر هذا الحدث ردًّا قوميًّا لنكسة العرب في 6 يونيو 1967، وارتداداتها السياسية المحبطة في لندن، ما جعلت بريطانيا تعجّل بالرحيل تحت ضربات ولعلعة السلاح في ظهيرة يوم 29 نوفمبر، ووصول وفد الجبهة القومية مُعلِنًا الاستقلال وقيام الدولة الوليدة.
كلُّ هذا هو ما منح الجبهة القومية، وللشعب عمومًا، ويحقّ لها ذلك، أن ترى أنّ الاستقلال لم يأتِ كرغبة في الجلاء، وإنّما تحت واقع كفاح مُسلّح وشعبيّ مرير عُمّد بالدماء، ولذلك كان التعبير السائد يومها "الاستقلال الوطني الناجز" الذي لم يفرط بذرة رمل واحدة، ردًّا على كلّ الإشاعات والتسريبات التي كانت تُشكّك بقدرة السلطة الوطنية الجديدة على تحقيق منجز الاستقلال وبمضمون ونتائج "الاستقلال الوطني الناجز" عن بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس.
وهذه واحدة من "الاصطراعات" التي جرت قبل أكثر من 55 عامًا على تحديد التوصيف السياسي ليوم 30 نوفمبر 1967 "الاستقلال"، مضافًا إليه وصف "الوطني الناجز".
وربما تعكس حادثة إجلاء بعض القوات الجوية البريطانية المحدودة التي اتُّفق على بقائها في عدن لتدريب القوات في جيش دولة الاستقلال، والحماسة التي أبداها وزير الدفاع يومها (علي سالم البيض) وخطابه المشهور بضرورة جلائها دون قيد أو شرط باعتبار وجود قوات استعمارية، يعطي انطباعًا بعدم اكتمال "الاستقلال الوطني الناجز".
وهي من حماسات القيادة السياسية الشابة والمندفعة وردود الافعال الثورية ردًّا على ما كان يروَّج عن عدم اكتمال عقد الاستقلال.
إذن، ثوّار الأمس وحكّام اليوم لم يكونوا حريصين على صبغة يوم 30 نوفمبر بيوم الاستقلال فقط، بل اعتبروه يومًا للاستقلال الوطني الناجز الذي وحّد أكثر من 22 سلطنة ومشيخة في وحدة سياسية وجغرافية واحدة هي "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية"، وفي محافظات ست.
وكان هذا الإنجاز التوحيدي لأرض الجنوب تاريخيًّا لوطن كان محتلًّا ومشتّتًا في ولايات ومشيخات وسلطنات وصار دولة ذات سيادة وحدود جغرافية معترف بها إقليميًّا ودوليًّا ولها مقعد في الأمم المتحدة والجامعة العربية وفي سائر المنظمات والهيئات العربية والإقليمية والإسلامية والدولية.
كان هذا إنجازًا وطنيًّا لشعبٍ لم يرضخ لسلطة استعمارية، بل ثار حتى نال استقلاله الوطني الناجز قانونيًّا وسياسيًّا وجغرافيًّا، ودولة ذات سيادة.
خلاصة
كل ما سبق ذكره أمرٌ لم تلتفت إليه قيادة دولة الوحدة من "الشريك" تحت زهو الانتصار العسكري في عام 1994، ولم تتعامل مع هذه الحقائق والمعطيات برؤية تاريخية واستراتيجية، وإنّما نظرت إليها برؤية قاصرة وغير تاريخية غلّبت المنافع الخاصة، والثأر السياسي، وثقافة الفيد والإقصاء والتهميش والغلبة، ومحاولات مسح الهُويّة الوطنيّة للجنوب، وحذف تعبيره الخاص سياسيًّا وثقافيًّا وهُويّةً وكيانًا وتراثًا نضاليًّا وكل مساوئ السيطرة والاحتواء التي جعلت من استعادة مفهوم الاستقلال الثاني مطلبًا مرغوبًا لدى غالبية الجنوبيين.
وكما دخل رئيسا الجنوب والشمال (البيض وصالح) عام 1989، نفقَ الجولدمور وفاجأَا الجميعَ بوحدة غير مدروسة التحقيق ومتعجلة الهوى والحماسة، يدخل الجميع اليومَ، شمالًا وجنوبًا، نفقَ الحرب ولم يخرجوا منه، حتى كتابة هذه السطور، إلى أن يروا بصيص نور لحل سياسي يمنح الجنوبيين تطلعاتهم، أو يعطي "شمال اليمن" الاستقرار.
أو يسبغ على وجوه الجميع حقّهم في العيش الآمن والكريم مثل بقية الشعوب. بل ما يزال الكل تحت رحمة البند السابع الأممي.