الحلقة الثالثة من مذكرات القيادي البعثي الدكتور عبدالحافظ نعمان

علي عبدالله صالح أفشل تقارب البعثيين، ورئاسة بشار الأسد مخالفة لنظام الحزب الداخلي!
خيوط
October 9, 2023

الحلقة الثالثة من مذكرات القيادي البعثي الدكتور عبدالحافظ نعمان

علي عبدالله صالح أفشل تقارب البعثيين، ورئاسة بشار الأسد مخالفة لنظام الحزب الداخلي!
خيوط
October 9, 2023
.

حاوره: عبدالله مصلح

يواصل الدكتور عبدالحافظ نعمان، في هذه الحلقة الثالثة، سرد ذكرياته عن تاريخ حزب البعث في اليمن، وأسباب الانشقاقات الداخلية، ومحاولات رأب الصدع بين حزبي البعث العراقي والسوري، وتداعيات المال السياسي الخارجي، وعن دور الرئيس علي عبدالله صالح في استدامة الخلافات بين البعثيين اليمنيين.

ويدلي القيادي البعثي بروايته لمنصة "خيوط"، حول الدعم العسكري الروسي لجنوب اليمن، وموقف سوريا الرافض للوحدة اليمنية.

كما يتحدث عن رؤيته لمستقبل حزب البعث في سوريا تحت قيادة بشار الأسد، بالمخالفة للنظام الداخلي للحزب، وعن مخاطر التدخل الإيراني في سوريا.

سوريا ترفض الوحدة الاندماجية

- في الحلقة الماضية قلت بأن سوريا كانت تدعم جنوب اليمن بالسلاح، ضد الشطر الشمالي، فما هو الدافع لسوريا للقيام بذلك؟

موقف سوريا مع جنوب اليمن، كان ينطلق من اتفاق بين سوريا والاتحاد السوفيتي الذي فوّض سوريا بأن تقوم بتغطية كل متطلبات جنوب اليمن من أموال وأسلحة، وهذا ما التزمت به سوريا، واستمرّ ذلك إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية.

- وماذا كان موقف سوريا من قيام الوحدة اليمنية؟

سوريا كان لديها ملاحظات على الوحدة اليمنية، فلم تكن موافقة على الوحدة الاندماجية بين الشطرين في اليمن، وأنا شخصيًّا نقلت رسالة من الرئيس حافظ الأسد إلى رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية حيدر أبوبكر العطاس، وكان حافظ الأسد يطلب في الرسالة من الإخوة في الجنوب أن يتريثوا قليلًا بشأن اتفاقية الوحدة.

- كيف لرئيس حزب عروبيّ قوميّ ينادي بالوحدة العربية القومية أن يقف ضد الوحدة اليمنية؟

الرئيس حافظ الأسد كان يخشى فشل الوحدة اليمنية وتكرار ما حدث مع الوحدة بين سوريا ومصر وتتكرر المأساة مرة أخرى، ولهذا كان حريصًا على تأجيل اتفاق الوحدة اليمنية، وكان مستعدًّا لتقديم كل الدعم اللازم لجنوب اليمن، حتى لا يضطر إلى التسرع باتجاه الوحدة اليمنية على أسس غير سليمة.

وطلب الرئيس الأسد من الإخوة في جنوب اليمن، القيام بالمزيد من المباحثات بهدف إنضاج الفكرة، وكأنه كان يقرأ المستقبل.

- ماذا كان رد حيدر العطاس على رسالة الرئيس حافظ الأسد؟

حيدر العطاس وافق على مقترح الرئيس الأسد، وكان حينها الأخ جار الله عمر وسلطان أحمد عمر ينتظراني خارج مكتب الرئيس العطاس حين سلمته رسالة الرئيس الأسد، وكان لديهما قلق من اتفاقية الوحدة لأنّها تضمّنت إبعاد العناصر الشمالية المتواجدة في الجنوب، وعدم اعتبارها جنوبية (مثل جار الله عمر ورفاقه في الجبهة الوطنية)، وهذا يعني تعرضهم للمتابعات والمضايقات.

فارتاحوا عندما علموا أنّ العطاس وافق على تأجيل موضوع الوحدة، ولكن علي سالم البيض- الأمين العام للحزب الاشتراكي، كان مندفعًا باتجاه الوحدة الاندماجية.

 الانشقاق والمال السياسي

- نعود إلى حزب البعث في اليمن وانقسامه إلى حزبين، وهما حزب البعث السوري الذي تسيد المشهد السياسي اليمني لفترة زمنية قصيرة، ثم جاء حزب البعث العراقي الذي اكتسح الساحة مقابل تراجع دور البعث السوري. لماذا تراجع دوره؟

حزب البعث السوري في اليمن، لم يتراجع دوره، وإنما نحن جمّدنا نشاطنا السياسي عقب انشقاق الحزب وحتى عام 1979، ثم بدأ حزب البعث العراقي يهتم بالساحة اليمنية عن طريق المال الذي كان يجلبه من بغداد، وهذا المال السياسي كان له تأثيرات سلبية على البنية الحزبية للبعث وعلى ولاءات الرفاق داخل الحزب، وكان هناك بعض الشخصيات، مثل: عبدالرحمن مهيوب (الله يرحمه)، وعبدالواحد هواش، وقاسم سلام، ثم فتحوا الباب لانضمام المشايخ، وهذه كانت إحدى السلبيات. 

- لكن المشايخ وقتها كانوا هم المتحكمين في المشهد اليمني، سواء قبَليًّا أو سياسيًّا، وحتى حزب البعث السوري، كان يوجد فيه مشايخ مثل سنان أبولحوم وغيره؟

ارتباط المشايخ بالبعث السوري لم يكن ارتباطًا ماديًّا كما كان مع حزب البعث العراقي، أيضًا كان البعث السوري يمارس دور المؤثر على المشايخ وليس المتأثر، فعلى سبيل المثال أتذكر أن سنان أبولحوم حين كان محافظًا للحديدة، ورغم أنه كان محسوبًا على حزب البعث، كان البعث يرسل لجانًا أو مندوبين من قبله إلى محافظة الحديدة لرفع الظلم عن الناس الذي كان يمارسه سنان أبولحوم.

أيضًا عندما كان علي لطف الثور مديرَ عام البنك اليمني للإنشاء والتعمير، وكانت هناك شكاوى بأن هناك أراضيَ تم تجميدها من قبل البنك، قام الحزب بالتفاعل مع هذه القضية ونجح في معالجتها.

- الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، هل كان في حزب البعث السوري قبل أن ينتقل إلى حزب البعث العراقي؟ 

عبدالله بن حسين الأحمر كان يبحث عمّن يموله ويعطيه المال، فكان يستلم الأموال من العراق ومن السعودية، ومعه الكثير من المشايخ، وحتى علي عبدالله صالح كان ضمن كشف الأسماء التي تتلقى الأموال من العراق، عن طريق قاسم سلام.

وأتذكر أنّ أحد الأشخاص أخبرني بأنه كان من ضمن الذين ينقلون الأموال إلى المشايخ في شوالات (أكياس كبيرة)، وكان المشايخ يجبرونهم على البقاء في أبوابهم حتى يستكملوا عدّ الفلوس، ثم يسمحون لهم بالمغادرة!   

فالولاء للبعث العراقي كان ينطلق من المصلحة المادية (الأموال)، صحيح أنّ المال يمنحك القدرة على التأثير، لكنه تأثير آنيّ ومؤقت، وهذا الذي خلق إشكاليات فيما بعد.

قال لهم صدام: هل أنتم بعثيون؟ قالوا: نعم. فقال لهم: أنتم تعرفون أنّ قاسم سلام عضو قيادة قومية وأنتم أعضاء قيادة قطرية، ولا يحق لكم أن تقترحوا عزل من هو أعلى منكم. هو يستطيع أن يعزلكم ولا تستطيعون أنتم أن تعزلوه.

- ما أبرز تلك الإشكاليات؟

أتذكر أنه حدث اختلاف كبير بين قاسم سلام وبين عدد من القيادات داخل حزب البعث العراقي في اليمن، وحدث شبه إجماع ضد قاسم سلام، وقررت عدد من الشخصيات أن تذهب إلى بغداد وتلتقي بالرئيس صدام حسين وتشكو له من ممارسات قاسم سلام، وكانوا يتصورون بأن صدام حسين سوف يعزل قاسم سلام، ويوافق لهم على قيادة جديدة، وتمنح لهم الأموال العراقية، ولكن بعد أن وصلوا بغداد وقابلوا الرئيس صدام حسين، واستمع لشكواهم، ضد قاسم سلام، فقال لهم صدام: هل أنتم بعثيون؟ قالوا: نعم. فقال لهم: أنتم تعرفون أن قاسم سلام عضو قيادة قومية وأنتم أعضاء قيادة قطرية، ولا يحق لكم أن تقترحوا عزل من هو أعلى منكم. هو يستطيع أن يعزلكم ولا تستطيعون أنتم أن تعزلوه.   

ثم عادوا إلى صنعاء، والتقوا بالرئيس علي عبدالله صالح، وتبناهم، وصار علي عبدالله صالح هو الأمين القطري لحزب البعث العراقي في اليمن.

- لكنْ عددٌ من هذه القيادات التي ذهبت للعراق انشقت عن حزب البعث العراقي، وتوجهت إلى دمشق وقررت الانضمام لحزب البعث السوري؟ 

حين بدأ حزب البعث العراقي يفقد حيويته، قررت بعض القيادات أن تذهب إلى دمشق للالتحاق بالبعث السوري، وقيل إن علي عبدالله صالح أوعز لهم بذلك.

فنحن في حزب البعث "السوري" رأينا في هذه الخطوة تقاربًا بين دمشق وبغداد، لكن هذه المهمة كان يفترض أن تقوم بها عناصر ناضجة وواعية، بينما العناصر التي جاءت إلى دمشق كانت عناصر ليس لها حظوظ لا في الحقل الثقافي، ولا في الحقل الوطني، وليس لديهم حتى تاريخ حزبي، ولا تمتلك أدنى مؤهلات لتغدو قيادة قطرية، سواء من حيث الثقافة أو القدرات والعلاقات والعطاء؛ لأنهم تعودوا على الأخذ فقط، بينما القيادة هي العطاء، فأنت تعطي من وقتك وتعطي من إمكانياتك وتساعد الآخرين وتساندهم.

ولهذا كان ولاؤهم لعلي عبدالله صالح أكثرَ من ولائهم لحزب البعث.

- حزب البعث السوري كان أقرب للسلطة في عهد علي عبدالله صالح أكثر من حزب البعث العراقي؟

صحيح أنّ الحزب في مراحله اللاحقة اقترب أكثر مما يجب من السلطة، ولكن كان اقترابنا من علي عبدالله صالح اقترابًا تمليه مصلحة الفكر والثقافة والحزب، وكان هناك الكثير من البعثيين يتسنمون مواقع قيادية في المؤتمر الشعبي العام، وأيضًا كثير من الضباط العسكريين البعثيين التحقوا بالمؤتمر ونحن نعرف ذلك، ولكن ظل الولاء للبعث السوري قائمًا.

علي عبدالله صالح كان يحرص على تقسيم الأحزاب واستنساخها، وكان يمثل العائق الأبرز أمام توحد الأحزاب، ومنها حزب البعث، ولولا علي عبدالله صالح لتوحد حزب البعث في اليمن.

مصافحة رفسنجاني

- لماذا لم يتوحد حزب البعث في اليمن بشقيه: العراقي والسوري؟

أنا حاولت إقناع قاسم سلام لإحداث نوع من التقارب فيما بيننا، وإيجاد حزب بعث واحد، وقلت له بأننا لا نمانع أن يكون هو الأمين العام للحزب، لكنه رفض ذلك. 

وأتذكر أنه في إحدى المرات دعاني علي عبدالله صالح، وقال إنه يريد أن يعمل تقاربًا بين البعث السوري والبعث العراقي، فقلت له ليس لدينا مانع، نحن على استعداد أن نمد أيدينا إلى أبعد مدى من أجل وحدة الحزب والتنظيم، ثم تكلم مع قاسم سلام، فقال له: عندما أصافح علي أكبر هاشمي رفسنجاني (سياسي ورجل دين إيراني) سوف أصافح عبدالحافظ نعمان.

يعني يعتبر رفسنجاني أقرب له مني.

- هل كان علي عبدالله صالح حريصًا فعلًا على إحداث تقارب بين البعث السوري والبعث العراقي في اليمن؟

بالعكس، علي عبدالله صالح كان يحرص على تقسيم الأحزاب واستنساخها، وكان يمثل العائق الأبرز أمام توحد الأحزاب، ومنها حزب البعث، ولولا علي عبدالله صالح لَتوحد حزب البعث في اليمن.

لأنّ علي عبدالله صالح كان يعتبر نفسه رئيسًا لكلّ الأحزاب في اليمن، إلى درجة أنه هو من يختار مرشحي الأحزاب لخوض الانتخابات النيابية، وأي مرشح لا يحظى برضا من علي عبدالله صالح لا يمكن له الفوز في الانتخابات.

وأتذكر أننا التقينا نحن وقاسم سلام عدة مرات هنا في منزلي وأحرزنا تقدّمًا كبيرًا، ولكن للأسف يبدو أنّ علي عبدالله صالح لم يكن يوافق على النتائج التي توصلنا إليها.

وأحد اللقاءات، عقدناه في منزل قاسم سلام، وكان لقاءً مثمرًا، ولكن تم إفشاله من قبل علي عبدالله صالح، كان كل خمس دقائق، وهو يتصل بقاسم سلام.

ثم في النهاية اعتذرت لقاسم سلام، وقلت له: أستأذنك سوف أغادر وعندما تجد الوقت المناسب، فأنا موجود.

- إذا كان علي عبدالله صالح عائقًا أمام توحد حزب البعث، فلماذا لم يتوحد البعث بعد مقتل علي عبدالله صالح، وأيضًا بعد مقتل الرئيس صدام حسين وانتهاء حزب البعث في العراق؟

مؤخرًا، بدأ قاسم سلام يخاف على نفسه؛ لأنّ هناك إشاعات تقول بأنه حمل أموالًا كثيرة من العراق قبيل الغزو الأمريكي، وأن بعض الأصوات بدأت تطالب باسترجاع الأموال التي خرجت من العراق؛ لأنها لم تكن أموالًا خاصة بصدام حسين، وإنما أموال الشعب العراقي.

وبعضها أصوات كما فهمتها أنا أنها من الحوثيين، وهذا ما أدّى إلى وجود مخاوف لدى قاسم سلام، وقرر الاعتزال في منزله بصنعاء.

 ولهذا لم يتسنَّ لنا استئناف النقاش حول إعادة توحيد البعث.

- حيازة قاسم سلام لأموال عراقية قبيل الغزو الأمريكي، أهي فعلًا إشاعة أم حقيقة؟

بعد الغزو الأمريكي، خرج قاسم سلام من العراق ودخل إلى الأراضي السورية، وكان لديه أموال كثيرة، حسبما أبلغونا الإخوة من سوريا، فطلبنا منهم أن يسمحوا له بالمرور، وفعلًا انتقل من سوريا إلى الأردن ثم إلى اليمن.

هناك مشكلة بين سوريا وإيران؛ لأن إيران غير قومية ولا تؤمن بالقضية العربية، والآن بدأت إيران تؤسس لحوزات شيعية في سوريا، وهذه الحوزات داخل دمشق، التي هي أصلًا مدينة سنية محافظة.

نقد ذاتي تشريحي

- قراءتك لمستقبل حزب البعث في سوريا في ظل المعطيات الراهنة؟

أعتقد أنه بدون المرور على محطة النقد الذاتي والنقد التشريحي، وتفكيك طبيعة الحقبة السابقة ومعرفة لماذا وصل حزب البعث إلى ما وصل إليه، وإيجاد دراسات معمقة بأبعاد نقدية للتجربة الفكرية والقومية، لا يمكن لحزب البعث أن يسترجع المكانة التي كان يحتلها سابقًا.

فأنت لا تستطيع أن تقدم حلًّا لمشاكل الأمة العربية، وأنت لديك مشاكل داخل بيتك.

فمثلًا الرئيس بشار الأسد جيد ويبذل جهدًا، وشيء طبيعي أن يتم تزكيته، ولكن هناك نظام داخلي للحزب، يحظى بموافقة جميع البعثيين الذين جاؤوا من كل أنحاء الوطن العربي وأعطوه مشروعية، وهذا النظام الداخلي لا يقول بالوراثة.

فالنظام الداخلي هو الذي يحكم حزب البعث ويحكم سوريا، حتى الدولة أو السلطة هي تحت الحزب، ولكن هذا التفكك بين الحزب والسلطة هو الذي مكّن السلطة من التغول.

وبدل ما كان الحزب يدافع عن مصالح الناس، أصبح الحزب مستهدفًا من قبل السلطة.

فسوريا بدون حزب البعث لا شيء؛ لأنّ الناس عرفوا سوريا كقائدة للنضال من أجل هدف آمن به كل العرب أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.

حاليًّا هناك مشكلة بين سوريا وإيران؛ لأنّ إيران غير قومية ولا تؤمن بالقضية العربية، والآن بدأت إيران تؤسس لحوزات شيعية في سوريا، وهذه الحوزات داخل دمشق، التي هي أصلًا مدينة سنية محافظة. 

- لكن الرئيس بشار الأسد ينتمي للطائفة العلوية النصيرية، وهي طائفة شيعية؟

العلوية في سوريا لم تمارس كفكر طائفي، وإنما في إطار العروبة، فالعلويون يعتبرون أنفسهم عربًا أكثر من غيرهم.

أما إيران فلا تؤمن بالفكر القومي والأمة العربية؛ لأنّهم فرس ولديهم حلم استعادة الإمبراطورية الفارسية، وهذا هو الماضي الذي أثقل كاهل حزب البعث العربي الاشتراكي.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English