"تعرّضت للتعنيف والتشكيك بـ"شرفي"، لمجرد أن أهلي يتصورون أن كل تلك الأسماء الخادشة للحياء، التي أظهرها "كاشف الأرقام اليمني" تخصني، وأن لي علاقات مختلفة، مع عدة أشخاص حفظوا رقمي بتلك الأسماء"- تقول مها يوسف -اسم مستعار- (30 سنة)، لـ"خيوط"، وهي تصف مدى الأذى النفسي، الذي تعرضت له من إخوانها وزوجها، الذين وجهوا لها أشد الألفاظ سوءًا؛ لأنهم وجدوا مسميات بذيئة جدًّا لرقم هاتفها لدى مستخدمين آخرين، عبر تطبيق "كاشف الأرقام اليمنية"، هذه المسميات جعلتهم يعتقدون أنها سيئة السيرة والسلوك.
أسباب جديدة للعنف ضد المرأة في اليمن، أحدثه ضدهن تطبيق "كاشف الأرقام اليمنية"، الذي يستكمل ما تبقى من قوائم العنف الممارس ضدهن.
"كاشف الأرقام اليمنية" تطبيق مجاني، أصدرته شركة باندورا سوفت، تقوم خدمته على كشف هوية الأرقام المجهولة، ويدعم هذا التطبيق جميع خطوط شركات الاتصالات اليمنية، وآلية عمل التطبيق قائمة على إدخال رقمٍ ما في محرك البحث لدى بيانات التطبيق، تظهر له أتوماتيكيًّا كلُّ الأسماء التي تم تسجيلها ونسبها لذلك الرقم لدى مستخدمين آخرين. ما يعني أن التطبيق يعتمد أثناء تزويده بالخدمة التي أنشئ من أجلها، على انتهاك خصوصية المستخدمين وتخزين بياناتهم، بما فيها سجلات الأسماء لديهم، ولم يكتفِ بذلك، بل يتيح مشاركتها لدى أطراف ثالثة، وهذا الانتهاك للخصوصية تسبب بضرر كبير بحق النساء في مجتمع محافظ جدًّا، بل إن بعض الأسر غير الواعية تستخدمه كدليل لإدانة أو نزاهة هذه المرأة أو تلك اعتمادًا على نتائج الأسماء التي يتم بها تسجيل أرقامهن لدى مستخدمين/ات آخرين قد سبق أن استخدموا التطبيق ذاته، وتم تخزين بياناتهم/ن، بالرغم من أن تلك النتائج قد تكون، في الأغلب، غير حقيقية.
ضحايا لدوافع افتراضية
تروي أسماء غالب -اسم مستعار- (24 سنة)، قصتها لـ"خيوط"، بألم جراء العنف الذي مورس في حقها من قِبل أخيها، وذلك لاطلاعه على مسميات "مشبوهة" تنسب إلى رقمها، على حد زعمه، تقول غالب: "تعرضت، بسبب تطبيق كاشف الأرقام اليمنية، لأبشع حالات العنف من قبل أخي، وما زلت حتى اللحظة تصلني كلمات جارحة وتحذيرات تكويني كل يوم، بالرغم من مرور أكثر من شهر ونصف منذ أن اطلع أخي على مسمياتٍ وصَفها بالمشبوهة تخص رقمي، وعنفني بسببها؛ بالرغم من أن تلك المسميات هي في الواقع مسجلة لدى هواتف صديقاتي "أسماء دلع"، لكنه لم يصدقني".
قصص كثيرة ومآسٍ لا حصر لها أحدثها هذا التطبيق ضد المرأة اليمنية، وإن اختلف سياقها من قصة إلى أخرى، ذلك ما أفادته ضحية أخرى؛ سمر حازم -اسم مستعار- (27 سنة) وهي طالبة جامعية، في حديثها لـ"خيوط"، معتبرة أن تطبيق "كاشف الأرقام اليمنية" يشكل حاليًّا السبب الرئيس الذي يتسبب بالأذى اللفظي أو الجسدي، وحتى المعنوي للمرأة.
وتكشف حازم في حديثها لـ"خيوط"، عن تعرضها للعنف اللفظي والجسدي من قبل أسرتها، دون أي مبرر أو حتى دوافع تمس بها أو بشرفها، يبرر ذلك التعنيف الموجّه إليها، وتتابع بحرقة وألم، أنها لأول مرة تتعرض لمثل هذا التعنيّف المخيف، من قبل الأسرة، وما يؤسفها أكثر هو فقدان ثقة الأهل منها لمجرد دوافع افتراضية وشكوك وهمية لا تمت للواقع بصلة، ولا تعرف حتى من الشخص الذي سجل رقمها بأسماء ونعوت أثارت شكوك أهلها وأشعلت فيهم العدوانية ضدها، حسب قولها.
واختتمت حازم حديثها بالقول: "هذا التطبيق، ألحق بي ظلمًا وبهتانًا؛ علاقتي بأسرتي، التي كنت أعتبرها ملاذي الأول والأخير تدمرت تمامًا، كما أنّ الكثيرات من زميلاتي وصديقاتي يضطررن إلى إنشاء مجموعات واتس آب تضم فيها كل سجلات الأسماء لديهن؛ وذلك لإرسال الأسماء التي تراها ستشكل عليها عنفًا أو حتى مُساءلة، ولتعرف من خلال تلك المجموعة من يكون/ تكون مسجل/ة أرقامهن بتلك الأسماء التي تبدو في نظر أسرهن "مشبوهة"، في محاولات منهن لحذفها أو تغييرها".
الثغرة المسكوت عنها في تطبيق (كاشف الأرقام اليمني) هي في الواقع تسبب نتائج مأساوية مختلفة، بما فيها، عنف وخلافات ومشاكل أسرية مأهولة؛ لأن الكثير من المستخدمين يثقون بهذه النتائج بشكل كلي، دون أي شكوك
يُعتبرُ تطبيق "كاشف الأرقام اليمنية" وسياساته وخدمته انتهاكًا صارخًا لكل خصوصيات المستخدم وبياناته المختلفة، وفقًا لـ: عدنان عثمان، مطور ويب وباحث أمن رقمي، الذي تحدث لـ"خيوط" قائلًا: "بمجرد أن يخزن (كاشف الأرقام اليمني) بيانات مستخدم واحد فقط حال تثبيته، يكون حينها قد خزن بيانات مئات المستخدمين الآخرين المسجلين في سجل الأسماء المحفوظة لديه، ولا يكتفي بسجل أسماء المستخدم فقط، بل يخزن بالإضافة إلى ذلك، إيميلاتهم وعنوانين حساباتهم الأخرى المرتبطة بسجل الأسماء."
ويؤكد عثمان أنّ التهديد الأسوأ هو مشاركة سجلات الأسماء لدى أطراف ثالثة، باستخدام محرك بحث بيانات التطبيق، بالقول: "إن هذه الثغرة المسكوت عنها هي في الواقع تخلف وستخلف نتائج مأساوية مختلفة، بما فيها عنف وخلافات ومشاكل أسرية مأهولة؛ لأن الكثير من المستخدمين يثقون بهذه النتائج بشكل كلي، دون أي شكوك".
ويشير عثمان إلى أن هناك اعتبارات كثيرة يمكن أن تؤكد عدم يقين نتائج البحث لدى تطبيق "كاشف الأرقام اليمني"، وخصوصًا في حال اعتبار نتائج هذا البحث معيارًا لتقييم أخلاق وسلوك المُستخِدم الذي يتعرض على إثره للتهديد والعنف، كما يحدث مع المرأة في اليمن، حيث تعرضت الكثيرات للعنف، كوننا نعيش في مجتمع محافظ يعتبر المرأة رمز الشرف، ويمنح نفسه صلاحيات إنزال أقسى العقوبات عليها في حال توهم أو ظن أنها قد تجلب له العار!
يضيف عثمان أن المرأة كمستخدم، ليست مسؤولة عن أرقام/ خطوط الاتصال التي كانت في فترة سابقة لدى مستخدمين آخرين، بعد أن تم توقيفها مثلًا لانتهاء صلاحية الخط وعدم تسديدها، وهذا الخط سبق وأن تم تسجيله بأسماء مختلفة (منها مشبوهة وبذيئة، كما يصف أرباب الأسر) لدى مستخدمين آخرين حينها، وهذا باعتقادي يعتبر السبب الأبرز الذي تعنف المرأة بسببه، ويظهر جهلًا مركبًا حول هذا الموضوع، فضلًا عن وجود اعتبارات أخرى كثيرة لا تتحمل تبعاتها المرأة؛ منها وجود الفارغين الذين يظلون يبحثون عن أرقام بنات بطرق مختلفة وعشوائية، لكن للأسف، معظم أولياء الأمور وأرباب الأسر يجهلون هذه الاعتبارات".
تضليل للمستخدم
يتضح من خلال الاطلاع على سياسية التطبيق، التي تبدو مبهمة للأشخاص الذين لديهم معرفة بهذه الأمور التقنية أنه "عند تشغيل المستخدم للتطبيق، يطلب منه الموافقة على السماح بتخزين جميع جهات الاتصال، بما في ذلك، معلوماته الشخصية: كالإيميل، والمواقع، وبيانات أخرى، بحيث يتم تخزينها في قاعدة بيانات التطبيق، كما تتعهد السياسة بأنه لن يتم مشاركتها مع طرف آخر، وهو ما لا يحدث عند استخدم التطبيق، إذ يمكن تسريب هذه البيانات والسماح لأطراف ثالثة معرفة هويات وأرقام أخرى".
من المرجح أن يؤدي "كاشف الأرقام" إلى زيادة العنف النفسي والجسدي ضد المرأة، كوننا نعيش في مجتمع محافظ ومتأزم بسبب الحرب، كما أنّ من المحتمل أيضًا، أن يستخدم التطبيق في ممارسات كيدية يقوم بها طرف ضد طرف أو أطراف أخرى، لا تستهدف المرأة فقط، وإنما قد تصل إلى الانتماءات السياسية والحزبية
في ذات السياق، يتخلل سياسة التطبيق بنسختها العربية المترجمة، التي يُقصد بها المستخدم اليمني، مقارنة بسياسة نصها الأصلي الإنجليزي، حذفٌ وتحريف متعمد لكلمات وعبارات في مواطن كثيرة كانت ستُكسِب المستخدم، معرفة كافية في جوانب مهمة جدًّا فيما يخص مشاركة المعلومات الشخصية، التي تعتبر أولوياتها سجلات الأسماء؛ ذلك، في الأغلب، هو ما جعل الكثير من مستخدمي التطبيق يجهلون ما يحدثه لهم/ن من انتهاك للخصوصية ومشاركة بياناتهم أطراف أخرى، وكن النساء والفتيات -على إثر ذلك- هن من يدفع ثمن هذه الثغرات تحت مبررات مختلفة قد تكون في الأغلب غير واقعية.
كما أن الفاضح في جزء من سياسية الخصوصية أيضًا، أن معد هذا السياسة بشكل خاص، ومصدري التطبيق بشكل عام، يدركون جميعًا مدى حجم التهديدات والمخاطر التي ستحدثها خدمة التطبيق بحق المستخدمين، ودون مراعاة لمستوى الوعي لدى المستخدم اليمني، وعواقب اللاخصوصية بالنسبة لمجتمع محافظ وقبلي.
الجدير بالذكر أن التطبيق ينوه إلى أنّ "نتائج هذا البحث قد تكون غير صحيحة، ولهذا يجب عليكم عدم الحكم على الشخص بناء على نتائج البحث"، كما أنه يشدد على حذف الأسماء غير اللائقة "يمكنكم حذف أي اسم غير لائق/ مسيء بالضغط على الاسم وحذفه". والتبرير الأخير بحذف الأسماء غير اللائقة لا يعتبر حلًّا فاصلًا يمنع العنف ضد أي طرف، فضلًا عن كونها خدمة لا تعمل جيدًا ووراءها هدف تجاري مقصود (إعلانات).
قصور قانوني
تعتبر الدكتورة سامية الأغبري، أستاذ مساعد ورئيسة قسم الصحافة، في جامعة صنعاء، وناشطة نسوية مناهضة للعنف ضد المرأة، تطبيق "كاشف الأرقام" أنه اقتحام للخصوصية بشكل عام، وللمرأة بشكل خاص، وأنه سيزيد من حدة العنف الممارس بحق المرأة -وعلى إثره- ستفقد حريتها تمامًا. وتضيف الأغبري لـ"خيوط"، أن العلاقة المزدوجة والمعقدة بين مثل هذه الظواهر الإلكترونية من جهة وبين القانون من جهة أخرى، هي بحد ذاتها جزء من المعضلة والثغرة في ذلك التطبيق.
وتضيف الأغبري أن عدم وجود قوانين وتشريعات -ولو كانت شكلية- تتعلق بالأمن الرقمي والخصوصيات الإلكترونية وانتشار التطبيقات التكنولوجية التي تساهم في نشر العنف والاستغلال الإلكتروني بأشكاله المختلفة، وخصوصًا ضد المرأة، ومعاقبة مرتكبيها، يضاعف من العنف ضد المرأة ويضيق عليها الخناق. وتستطرد الأغبري في حديثها: "من المؤكد أنّ هذا التطبيق سيؤدي إلى زيادة العنف النفسي والجسدي ضد المرأة، كوننا نعيش في مجتمع محافظ ومتأزم بسبب الحرب، ومن المحتمل أيضًا، أن تستخدم خدمة هذا التطبيق في ممارسات كيدية يقوم بها طرف ضد طرف أو أطراف أخرى، لا تستهدف المرأة فقط، وإنما قد تصل إلى الانتماءات السياسية والحزبية".
هذا وتفتقر اليمن إلى تشريعات تتعلق بحماية الخصوصية الرقمية، وحماية البيانات من التعرض للجرائم الإلكترونية، علاوة على ذلك، في حال وقوع جريمة إلكترونية، يظل من الصعوبة إثباتها والتحقيق فيها ومحاكمة مرتكبيها؛ نظرًا لعدم وجود آليات التعامل مع الجرائم الإلكترونية. ما يعني أنه ليس هناك ما يضمن للمستخدم للإنترنت في اليمن، الحفاظَ على سرية المعلومات والبيانات الخاصة، وبالتالي يظل عرضة لشتى أنواع العنف والاستغلال التعسفي الإلكتروني، فيما تحتل النساء رأس قائمة الاستهداف بسبب حساسية النظرة المجتمعية، وهو ما يجبرهن على الابتعاد أو التقليل من حقهن في الوصول إلى الإنترنت.