تعود إلى بيتك، فتواجه بالسؤال عن الفيروس، فلا تدري ما تقول.
تخرج إلى الشارع، تجد جارك يتوقع أن تقول له شيئًا، فيجدك يا عبدالمعين تبحث عن معين!
يرن جرس التليفون، فتتوقع خبرًا عن عزيز توفى، ولو تجرأت وسألت؟ يأتي الجواب: كورونا، تقول: طيب لا أحد قال إن الجائحة اجتاحتنا، فيهمس في أذنك على التليفون: لا تقل إنني قلت لك.
تفتح الفيس وتتوقع أخبارًا مؤلمة، فتجدها، ولا تدري ما الأسباب!
تتوغل في الشارع، فتجدها تعج بالناس ولا تلحظ الكمامة ولا التباعد، فتجد نفسك غريبًا!
تطل على هذا الديوان أو ذاك عبر التليفون، فتجد الدواوين تعج بالمخزنين، ومنهم من يقول لك: انتبه! طيب وأنت؟ يرد عليك: "يا رجال، صدّقت؟!" فتبحث عن أقرب جدار لتضرب رأسك فيه.
زميل عزيز كتب في صفحته يطالب "وزير الصحة" أن يتفرغ لوزارته كما يتفرغ للمسجد، فلا يرد عليه أحد،
المستشفيات صامتة، الأطباء يهمسون، وهم معذورون.
تدخل إلى مواقع الصحف الرسمية التي تصدر، فتجد الحال في أفضل حالاته.
الشرعية صامتة، وسلطة الأمر الواقع صامتة.
المطار يستقبل مسافرين قادمين من الهند، لا تدري هل يحجرون؟ أو أنهم ينطلقون إلى كل مدن وقرى البلاد بنفس اللحظة بلا حسيب ولا رقيب.
العالم يسيد العلم، ويبحث عن الحقيقة، ولا يخفي المعلومة، ويواجه بعقل وعلم. عكس بلدان الجهل، فكل المعلومات في رأس رجل واحد شاء منحها، وإن شاء أخفاها، لأن لا أحد سيجرؤ على الكلام
قريتي معظم الناس فيها مصابون، ويعالجون أنفسهم بأنفسهم، ولا أحد يسألهم أو عنهم!
هنا في صنعاء الناس يتداولون معلومات الموت بصورة مخيفة، لكن لا أحد يتولى مسؤولية أن يقول نعم أو لا! وهنا أيضًا أصيب واحدٌ من إخوتي ومر بليالٍ مرعبة. تجاوز في نهايتها مرحلة الخطر بعد أن عزل نفسه في غرفة من غرف البيت ولم يذهب إلى أي مستشفى، بالمستشفيات حسب ما أسمع تسلمك تقرير وفاة قريبك بتشخيص "التهابات في الصدر"! لِم كل هذا؟
تسأل بحكم مهنتك هذا الزميل أو ذاك عن سبب الصمت؟
يهمس في أذنك: تعليمات حتى لا تتأثر الجبهات!
طيب الجبهات تسمع وتدري أن أعزاء لهم يموتون، ويدرون السبب، وهذا حقهم، فلم يتركوا الجبهات، يفترض أن تعلمهم أفضل من أن تأتيهم المعلومة مشوهة، هكذا يقول العقل.
كثير من كبار القوم ماتوا، تكثر الشائعات: كورونا، مش كورونا، تصفيات، مش تصفيات، الوضع العائم يبلبل المتلقي، وهم عامة الناس!
مدرسة الصمت المريب لا تدري من أسسها، سمعنا شعارها: "لا تهويل ولا تهوين"، ما نراه تهوينًا إلى حد لا يطاق، وهناك حيث الشرعية فلا تهويل ولا تهوين، ولا تدري أي مدرسة يسيرون على هداها!
الناس مبلبلين فوق أنهم موجوعون، ولا أحد يعبرهم ولا يعبر مشاعرهم، هي مدرسة أخرى: "ليس من حقك أن تعلم، نحن الذين نعلم، نقول أو لا نقول، نحن أحرار"، والويل لمن سيعترض أو يتكلم.
الآن وصلت حالات الإصابة حول العالم إلى ما يتجاوز 150 مليون مصاب، حالات الشفاء أكبر من حالات الوفاة، ومواجهة الجائحة في هذه الموجة الشرسة أصبحت أكثر دراية وفهمًا وهدوءًا، لم يعد الذعر سيد اللحظة، فالعالم يسيد العلم ويبحث عن الحقيقة ولا يخفي المعلومة ويواجه بعقل وعلم، عكس بلدان الجهل، فكل المعلومات في رأس رجل واحد شاء منحها، وإن شاء أخفاها، لأن لا أحد سيجرؤ على الكلام.
الوضع مخيف في الهند بسبب السلالة الهندية من الفيروس، لكنها تعمل بكل ما أوتيت من علم وإمكانيات على مواجهة الخطر؛ "دلهي دخلت في حالة إغلاق لمدة أسبوع".
إلى الهند يذهب يمنيون كثر للتداوي ويعودون، فماذا عن مطار عدن؟ لم أسمع أن هناك حجرًا، ولا أدري هل يسمح للقادمين بالخروج مباشرة؟ في مدن الشمال الحال لا حال له ويبدو أن لا حل للصمت، وصار الناس ينتظرون مجهولًا ما، يقول لهم حقيقة الأمر!
حقيقة يصعب علي حتى اقتراح حلول؛ لأن لا معلومة واحدة عن الحال! حتى المنظمات صامتة!
على الأقل نتمنى أن يقول لنا أحد عن "الدواء اليمني"، الى أين وصلت الأبحاث؟ سألت صديقًا من الأطباء: مش وزيركم وعد العالم؟ أجاب سريعًا: لقد قال إن شاء الله!
لم يبقَ للناس إلا أن يتوجهوا إلى رب العباد بالشكوى والدعاء.
السؤال بلا جواب؟!