ابني ضحية الحرب، ضاع شبابه ومستقبله! ضاع من كنت أعده سندًا لي، اليوم أشعر بعجز كامل، "بهذه الكلمات بدأت الأستاذة إفتكار العبسي حديثها لـ"خيوط"، ساردة قصة ابنها نزار العبسي، الذي تم الإفراج عنه من سجون جماعة أنصار الله (الحوثيين) في مدينة الصالح بمدينة تعز، حيث اعتُقل لأربعة أعوام متتالية. مؤخرًا تم أفرج عنه في آخر صفقة تبادل بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا في تعز، وجماعة أنصار الله (الحوثيين).
خرج نزار، الشاب ذو العشرين ربيعًا، من معتقلات الصالح فاقدًا للعقل نتيجة التعذيب الذي كان يتعرض له، لا يتكلم إلا كلمات محددة مثل "شتسبر" (ستصلح الأمور)، عصبيًّا لا يجالس أحدًا، رفيقاه الوحيدان القات والسجائر التي يحصل عليهما بشكل سري.
ملاحقات
تعرض نزار للتعذيب الشديد، استخدم سجّانوه شتى وسائل التعذيب كالصعق بالكهرباء، والتعليق على الحبال واللكم، بالإضافة إلى أنواع تعذيب جسدية ونفسية أخرى، لم يتكلم نزار عما كان يلاقيه في المعتقل، غير أن آخرين كانوا جواره أخبروا والدته بذلك، وتحفظوا عن إخبارها بكل ما حدث له حتى لا تنهار وتتأثر.
نزار توفيق، اعتُقِل مرتين من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، كان الاعتقال الأول سنة 2015، أفرج عنه بعدها في صفقة تبادل بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا، وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، ظن نزار أن اعتقاله سوف يعفيه من أي ملاحقات أو اعتقالات قادمة، لذلك استمر يتحرك في مناطق سيطرة "الحوثيون" بتعز، وبحسب والدته، إفتكار العبسي في حديث لـ"خيوط"، فإن ابنها خرج يوم السبت 8 ديسمبر/كانون الأول 2017، لزيارة جده في منطقة الأعبوس حيفان في تعز، حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء، ولم يعد!.
تلقب أم نزار بـ"الأم الصبورة والقوية"، فقدت فيما سبق ابنها أسامة غرقًا في الأعبوس حيفان، وفقدت والدتها بعده بستة أشهر فقط؛ سلسلة من المآسي والظروف الصعبة مرت بها حتى أطلق الناس عليها هذا اللقب.
كانت أسرته تتصل به بعد ذلك، غير أن جواله كان مغلقًا، عاودت الاتصالات بشكل متكرر حتى الساعة الحادية عشرة، رن الجوال ثم أغلق بعدها بشكل نهائي، حينها شعرت الوالدة أنه تعرض للاعتقال مجددًا، لتبدا مشقة البحث عنه بعد أن انقطعت أخباره دون كلل.
في أحد الأيام، فوجئت الأم برقم غريب يتصل بها ليبلغها أن نزارًا في معتقل (الصالح)، وأن حالته الصحية سيئة للغاية، اتجهت الأم للبحث عنه في معتقل الصالح، غير أن القائمين على المعتقل أنكروا وجوده هناك.
بالصدفة أخبر أحدُ المعتقلين الذين كانوا برفقة نزار في المعتقل، والديه أن نزارًا في نفس المعتقل. ولاحقًا تم السماح لوالده وأخيه بمقابلته، خرج إليهما بأظافر طويلة وملابس متسخة ولحية وشعر كثيفين، تتلبّسه حالة من الصمت والتبلد الشديد.
سلسلة من المآسي
تقول العبسي، إنها كانت تمر بظروف صعبة زاد من حدتها انقطاعُ الراتب، وعندما انتظمت عملية صرف المرتبات تحملَت مشقة السفر من مدينة تعز إلى الحوبان رغم مرضها بالقلب وارتفاع الضغط، مضيفة "ما كان يخفف عني هو لقاء ابني وحيدي، رغم أني أنهار عندما أغادر، وأفكر ما هو السبيل لينجو ابني من قبضة سجانيه، وهو المسجون دون تهمة، سوى تهمة (الداعشية) تلك التهمة التي يطلقها الحوثيون على كل من يقومون باعتقالهم.
تضيف إفتكار العبسي: "كنا أنا ووالده نقطع مسافات السفر، نشتري له بعض الأغراض، ونضع له مصروفًا ولو بسيطًا، أملًا في التخفيف عنه وإدخال السعادة إلى قلبه، أحيانًا كنا نقترض المال من الناس، ورغم هذا علمنا لاحقًا أنه لم يصله شيء".
تلقب أم نزار بـ"الأم الصبورة والقوية"، فقدت فيما سبق ابنها أسامة غرقًا في الأعبوس حيفان، وفقدت والدتها بعده بستة أشهر فقط؛ سلسلة من المآسي والظروف الصعبة مرت بها حتى أطلق الناس عليها هذا اللقب.
مشوار صمود وصبر يبدو أنه وصل لمنتهاه، "لم أعد أحتمل ولا أستطيع تحمل رؤية ابني بهذه الحالة النفسية والجسدية السيئة؛ حاربت وعانيت كثيرًا ليسلم ابني، لكنهم أخرجوه يعاني من حالة نفسية معقدة نتيجة التعذيب في المعتقل".