"تكتل" على أطلال وطن ممزق

الأحزاب التي ظهرت على استحياء بعد أن فاتها القطار
محمد راجح
November 7, 2024

"تكتل" على أطلال وطن ممزق

الأحزاب التي ظهرت على استحياء بعد أن فاتها القطار
محمد راجح
November 7, 2024
رئيس وزراء الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا- أحمد بن مبارك في حفل اشهار التكتل الوطني -عدن

بعد ما يزيد على عشر سنوات حرب، وصراع لا أفق حتى الآن لتوقفه، مع تطرف وتصلب أطرافه التي لم تكتفِ بالتسبب بكل هذا النزاع وما خلّفه من تبعات جسيمة- عادت الأحزاب السياسية أخيرًا على استحياء، للظهور عبر تكتل ضم 23 مكونًا مختلفًا، بطريقة أثارت العديد من علامات الاستفهام حول توقيت الظهور وأسبابه والجدوى منه، بعد كل هذا الخراب الحاصل في اليمن.

تم الإعلان عن التكتل الذي أشرف عليه المعهد الديمقراطي الأمريكي في مدينة عدن، في حين يحاول المجلس الانتقالي الجنوبي (الذي رفض الانضمام) جاهدًا طوال فترة الصراع، فرضَ أمر واقع يحمل أجندته في الانفصال، تماشيًا مع ما يفرضه (الحوثيون) في مناطق نفوذهم، بنهج آخر مذهبي.

ومثلهما تشكيلات وجماعات وكنتونات بمسميات مختلفة، زرعتها الحرب والصراع على غفلة من غياب الأحزاب السياسية على مساحات متعددة من الرقعة الجغرافية اليمنية، لا يحضر الوطن في أجندتها، وأغلبها مدعومة من دول وأطراف خارجية. 

الافتقاد للقيادات الوطنية

تخلّت الأحزاب السياسية عن اليمن واليمنيين، وتخندقت مع هذا الطرف أو ذاك، واحتجزت قيادتها في السعودية كبقية القيادات والمسؤولين في الحكومة المعترف بها دوليًّا، وانقسمت وتفكّكت كحال مؤسسات الدولة التي كان "الحوثيون" حجر الزاوية في هذا الانقسام والتفكك الناتج عن انقلابهم على مؤسسات الدولة في 21 سبتمبر 2014، والعملة التي تسارَعَ انهيارُها ككرة الثلج المتدحرجة، مخلفةً، كسبب ناتج عن تبعات الحرب والصراع، أكبرَ أزمة إنسانية تشهدها اليمن، وفقًا لتصنيفٍ سابق للأمم المتحدة.

لم يعد يأبه أحدٌ ببيانات رنانة من قبل تنظيمات وأحزاب فقدت قواعدها وجماهيريتها، ودولتها، وفي ظل جائحة الجوع الذي تسببّت به الحرب والصراع، وتخلي جميع الأطراف المتسببة عن اليمنيين وفقدانهم سبل العيش، وانخفاض قدراتهم على الصمود والبقاء في مواجهة شظفه المأساوي، فالناس يريدون من يعيدهم مجددًا إلى سكة الحياة والأمل بالعيش والبقاء.

في الوقت الذي تطفو فيه هذه القضية المتمثلة بانهيار الريال اليمني في عدن، المتخذة عاصمة مؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا، ومعاناة المواطنين في معظم مناطق اليمن؛ قفزت الأحزاب فجأة إلى السطح، حيث كان الجميع ينتظر أن تقفز حلول حقيقية وواقعية وجدية من السلطات الحاكمة لوضع حدٍّ لانهيار الاقتصاد والعملة وتفاقم الوضع المعيشي الذي يفوق احتمال معظم سكان البلاد. 

ما الذي يمكن أن تقدّمه هذه الأحزاب لليمن واليمنيين بعد غيابها الطويل؟! هكذا قد يتساءل من لا يزال لديه قدرة أو فضول، لكي يمر ويتوقف عند خبر إعلان ما يسمى بتكتل الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، الذي يضم جميع الأحزاب السياسية، حيث افتقد اليمن واليمنيون القيادات الوطنية الناضجة، والنخبة والحاضنة السياسية التي يمكن أن تشكل رافعة وطنية لأي حلول سياسية تضع حدًّا لكل هذا العبث الذي يعصف بالبلاد منذ العام 2014.

سكّة الحياة والأمل

لم يعُد في قدرة الأحزاب المفرخة والمفككة والمهترئة، التي عفا عليها الزمن وتجاوزها بعد ما تكلست قيادتها في فنادق وعواصم دول خارجية، أن تقدم أيّ أمل لليمنيين بعد ما عملت الميليشيات، التي حلت كوباء منتشر في البلاد، على تجريف مؤسسات الدولة، والهامش السياسي والحزبي الذي كان قائمًا في اليمن.

كان بيان الإعلان "مزهنقًا" وفضفاضًا، حيث ذكر أنّ هذا التكتل يأتي استشعارًا من الأحزاب والمكونات السياسية، للمسؤولية الوطنية إزاء الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تعيشها بلادنا، وعلى رأسها انسداد أفق الحل السياسي وتفاقم معاناة المواطنين في جميع المحافظات؛ بسبب انهيار مؤسسات الدولة، واتساع تداعيات الحرب التي تسبّب بها انقلاب من تم وصفهم بالميليشيا "الحوثية"، ودخلت عامها العاشر.

كان هناك اعترافٌ بما ساهموا هم أيضًا به، بما رافق عمل الشرعية والقوى السياسية الداعمة لها، من قصور وأخطاء وتباينات المصالح والرؤى، التي تستدعي المعالجات الجادّة، وإدراكًا لضرورة وحدة الصف الوطني لمجابهة تلك التحديات، وتحقيق الهدف الجامع المتمثل باستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.

لم يعُد يأبه أحدٌ ببيانات رنانة من قبل تنظيمات وأحزابٍ فقدت قواعدها وجماهيريتها، ودولتها، وفي ظل جائحة الجوع الذي تسببت به الحرب والصراع، وتخلي جميع الأطراف المتسببة عن اليمنيين وفقدانهم سبل العيش، وانخفاض قدراتهم على الصمود والبقاء في مواجهة شظفه المأساوي، فالناس يريدون من يعيدهم مجددًا إلى سكة الحياة والأمل بالعيش والبقاء.

بعد فوات الأوان

صحيح أن مستوى التعويل على دور الأحزاب السياسية في اليمن، كان دائمًا، منخفضًا، مع سيطرة القطب أو الحزب الواحد، واستخدام السلطة لإضعاف هذا الدور، لكن في كل الأحوال كان هناك هامشٌ سياسيّ ونصف نافذة مفتوحة على الديمقراطية، حتى لو كان جزءٌ منها على الورق، في حين برزت منذ العام 2011 أهمية الأحزاب ودورها، حيث توج ذلك بانخراطها نحو عام ونصف في مؤتمر الحوار الوطني، الذي انتهت فترة انعقاده بدخول اليمن بهذه المرحلة المظلِمة، وظهرت الأحزاب والمكونات السياسية أخيرًا عبر هذا التكتل، لتقف على أطلال وطن ممزق وجريح.

•••
محمد راجح

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English