منصة خيوط
أغنية: "نجم الصباح بَكَّر"
كلمات: عبدالله سلام ناجي
ألحان وغناء: فرسان خليفة
ارتبط اسم الفنّان الراحل فرسان خليفة، منذ ظهوره مطلع الستينيات وهو طالب بالقاهرة، بالشاعرين: د. سعيد الشيباني، والراحل عبدالله سلام ناجي، حينما كان الاثنان أيضًا طالبَين في ذات المدينة في ذات الفترة، حتى إنّ كثيرًا من المتلقين يخلطون بين قصائدهما، ومنها قصيدة: "نجم الصباح بكَّر" التي كتب كلماتها ابن سلام في وقت مبكر من حياته، وهي من الأغاني التي استمدت موضوعها من معضلة الهجرة وما ترتّب عليها من مشاعر لوعة الفراق والبعد، فتحوّلت إلى مستلهمات نصية تُكتب على هيئة شكوى بلسان المرأة المُفَارقة علّها تصل إلى الحبيب البعيد.
تقول كلمات الأغنية المكتوبة باللَّهجة (الحُجرية) الدارجة:
نجم الصباح بكَّر
بكَّر سُحر يُلَالي
ليتُه فهيم يدري
يدري بمو جَرَى لي
خِلِّي أنا يا ناس من شُخبِره بحالي
صبري زلج وأنا اسهر الليالي
غايب سنين قالوا السنة وصوله
الله يُصيب من كان سبب رحيله
كم أذكُره في سَمرته ومَقِيله
يوم السفر كان الهوى دليله
بالله عليك يا طير وا مُعَلِّي
إن كان ترى خِلّي أمانتك تقل لي
شاحمّلك شوقي إليه وحسي
أمانتك يا طير كما باتنسي.
عن الشاعر
عبدالله سلام ناجي، مولود في قرية "الأُكيمة"، في منطقة جبل صبران، عزلة بني غازي، بمديرية الشمايتين، قضاء الحجرية، محافظة تعز، في العام 1939. انتقل إلى عدن وهو في السابعة، فدرس في المدرسة الأهلية بالتواهي، التي كانت تستقبل الطلاب الذين حُرموا من الالتحاق بالمدارس الحكومية. التحق بكلية عدن في 1954، وطرد منها لمواقفه السياسية ضدّ الاحتلال.
بعد فصله من الكلية، استطاع الحصول على منحة إلى جمهورية مصر العربية، عبر إحدى التكوينات الاجتماعية في عدن.
في سنوات دراسته الثانوية في مصر، التي أكملها في العام 1961، بدأت مدارك الشاب بالتفتّح على عوالم سياسية وثقافية أكثر اتساعًا ممّا كانت عليه حالته المعرفية إبان تكوينه الباكر في المدرسة الأهلية بالتواهي أو كلية عدن، وانخرط في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي بشكلٍ رسمي في حلقات الطلاب اليمنيين وقتها في القاهرة، حينما كان البعث يمثّل حركة فكرية وثقافية وسياسية ذات تأثيرٍ طاغٍ على الأُدباء والمثقفين الشُّبّان في اليمن.
تقدَّم مجموعة من الطلاب اليمنيين لامتحانات منح الخارجية الأمريكية (منح السيناتور فولبرايت) عبر القنصلية اليمنية في القاهرة في صيف 1962. أُعلن عن قَبول ثلاثةٍ من الطلاب (عبدالله سلام ناجي، ومحمد نعمان غالب القدسي، وعلوان سعيد الشيباني)، غير أنّ عبدالله سلام ناجي استُبعد لعدم تجاوزه الفحص الطبّي.
بعد تعذّر سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التحق بجامعة القاهرة كطالب طب، غير أنّه لم يستمرّ طويلًا، إذ قامت الأجهزة المصرية بالتضييق عليه، وكان قريبًا من دخول المعتقل بسبب انتمائه السياسي، لولا مغادرته السريعة أرض مصر؛ ويقال إنّ الفنّان محمد مرشد ناجي كان له دورًا في إخراجه من مصر، وإن صحّت هذه الرواية يعني أن تعاونًا فنّيًّا بين المرشدي وابن سلام كان قد نشأ على الأقل في أغنية "يا ميناء التواهي".
قبل استقراره في دمشق كطالب جيولوجيا، كان قد تحصل على منحة إلى دولة تشيكوسلوفاكيا لدراسة الطب، لكنه لم يستطع المواصلة فيها لأسباب سياسية (تضييق الأجهزة الأمنية عليه بسبب نشاطه السياسي أيضًا).
في المرحلة الدمشقية، سيصير قائدًا طلابيًّا كبيرًا، في إطار اتحاد الطلاب اليمنيين، وشاعرًا يُشار إليه بالبنان، وناقدًا أدبيًّا بمنهج علمي واضح؛ فلم يعد السياسي الجاف هو الذي يُعرَّف به، بل الشاعر والناقد المنحاز لقضايا الجماهير. وستُثمر هذه المرحلة قصيدتَه ذائعة الصيت "نشوان والراعية"، التي أتمّها في العام 1964 في الغالب، والتي ستغدو لاحقًا مُعرِّفًا جديدًا، ليس بالموضوع الشعري في اليمن بمستلهماته الحكائية، وإنما بنقل العامية إلى مصافٍّ من التلقّي العالي، لتصير مع الوقت الدليل لكتابة النصّ العامي المتجاوز للقولبة والتنميط عند كثير من الشعراء.
في العام 1971، عاد عبدالله سلام ناجي إلى عدن المدينة التي عشقها حتى الثمالة، بعد أن أنهى دراسته الطويلة في دمشق، فعمل في وزارة النفط حتى العام 1976. في إقامته العدنية الجديدة عاش واقعًا سياسيًّا مختلفًا غير ذلك الذي تركه في العام 1956، في عهد الاحتلال الإنجليزي.
في العام 1974، سيكون ضمن ثلة من المثقّفين والأدباء والكُتّاب والمؤرّخين الذين سيسهمون في عقد المؤتمر الأول لاتحاد الأدباء والكُتّاب اليمنيين في مدينة عدن.
في مطلع العام 1977، غادر عدن سرًّا إلى قريته "الأكيمة" بعد شعوره بخطرٍ داهم من الأجهزة التي بدأت بحملة اعتقالات وإخفاء قسري للكثير من غير المحسوبين على بنية السلطة الجديدة من المثقّفين والأدباء، وبعد عام وصل إلى صنعاء، حيث عُيِّن بعد فترة من وصوله إليها نائبًا لرئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني، وبعدها انتقل للعمل في شركة النفط اليمنية (شركة المحروقات).
ابتداء من العام 1987، اختار العزلة الصامتة، ليرحل بعد اثنتي عشرة سنة، عن ستين عامًا؛ تاركًا وراءه إرثًا استثنائيًّا (شعرًا ونقدًا ومسرحًا وسردًا)(*).
عن الفنّان
بصوته الدافئ الحنون، استطاع أن يجعل من نصوص مستغرقة بمحلِّيّتها الريفية إلى أغانٍ تدور على كل الشفاه، ونعني بدرجة رئيسة تلك النصوص التي غنّاها لسعيد الشيباني، مثل: "يا أخي الصغير"، و"ريح الشروق"، و"يا رشا يا بارديّة"، و"يا الله رضاك عاد الطريق نديّة"، و"حنَّت رعود على حرض وصرواح"، وإلى جانبها نصوص الراحل عبدالله سلام ناجي، ومنها القصيدة محل التناول، وقصيدة الدودحيّة "التي جمعت بين الهمّ العاطفي وبين المعاناة الناتجة عن القهر الاجتماعي، بانسياب غنائيّ جميل، أدّاه المطرب الكبير فرسان خليفة بلحنٍ وبصوت جميل".
وُلد في مدينة عدن عام 1941، ودرس مراحل التعليم النظامية فيها، ودرس الموسيقى في القاهرة بعد حصوله على منحة دراسية عام 1960، بعد أن صار فنانًا شابًّا معروفًا في عدن ومحيطها.
انخرط في علاقات متنوعة مع كبار الفنّانين في القاهرة، وتعاون مع الكثير منهم، فغنّت له فائزة أحمد من كلمات الشيباني "يا أخي الصغير"، وقدّمتها للجمهور العربي من إذاعة صوت العرب في الستينيات بصورة رائعة. وكذلك الفنّانة (شريفة ماهر) أغنية "نجم الصباح بكر"، لعبدالله سلام ناجي، بصوتٍ وأداء جميل ورائع.
غنّى فرسان خليفة لعددٍ من الشعراء اليمنيّين الكبار؛ مثل: (محمد سعيد جرادة)، و(أحمد الجابري)، و(قيس محمد عبده غانم)، و(عبدالله سلام ناجي)، و(عبدالله عبدالكريم)، و(أحمد شريف الرفاعي)، و(محمد شفيق)، وغنّى لهم قصائد عاطفية ووطنية ذائعة.
انتقل للعيش إلى الإمارات العربية في عام 1972، وتُوفِّي في إحدى مستشفياتها في نوفمبر 2016.
____________
(*) ينظر: "عبدالله سلام ناجي؛ شاعر السلى الغزير" https://belqees.net/articles/
التقديم: