تعرض سوق الهنود في محافظة الحديدة إلى قصف جوي في 21 سبتمبر/ أيلول 2016، أسفر عن مقتل 21 مدنيًّا، بينهم 5 أطفال، وإصابة 46 شخصًا. وزعم الفريق المشترك (JIAT) المُعيّن من التحالف، عن أنّ الأضرار "لم تكن نتيجة غارة جوية".
غير أنّ منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، التي وثقت الواقعة، عثرت على أدلة لمخلفات قنابل تم التعرف على أنها من الذخائر التي يستخدمها التحالف في حرب اليمن.
بعنوان "صكوك زائفة" صدر عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، بالشراكة مع منظمة باكس، تقريرٌ يدقق في نتائج واستخلاصات الفريق المشترك لتقييم الحوادث، التابع للتحالف بقيادة السعودية والإمارات.
وقال التقرير إنّ الهجمات الجوية لقوات التحالف في اليمن، تكررت فيها أنماط بارزة بشكل متواتر، وبصورة تؤكّد أنّ استهداف المدنيين لم يكن نتيجة أخطاء عرضية. ومن المتوقع إدراجها ضمن قائمة حظر القصف NSL، مثل الأحياء السكنية والأعيان المدنية، بوصفها انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني.
وأنشأت قواتُ التحالف الفريقَ المُشترك المكون من 14 شخصًا سنة 2016، بهدف التقييم والتحقيق في الادعاءات حول الإجراءات المتبعة من قبل التحالف في وقائع انتهاكات مزعومة للغارات الجوية.
افتقار الفريقَ المُشترك للحياد
وسبق لخبراء مستقلين في الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية، الإعراب عن قلقهم بشأن افتقار هذا الفريق إلى الاستقلال والحياد اللازم للتحقيق بشكل موثوق في انتهاكات وجرائم القانون الدولي.
واعتمد التقرير الذي أنجزه فريق مواطنة من الباحثين والباحثات، على التدقيق في نتائج الفريق المشترك لـ80 هجمة جوية عبر بيانات رسمية. ومقارنة هذه البيانات مع ما وثقته مواطنة عن طريق فريقها من الباحثات والباحثين، الذين يعملون في مختلف المناطق اليمنية.
وتعتمد مواطنة على منهجية البحث الاستقصائي ميدانيًّا في مسرح الوقائع، طبقًا للمعايير الدولية؛ بَدْءًا بجمع الدلائل والشهادات والقرائن من مصادرها الأساسية، ثم المراجعة والتدقيق من قبل الباحثين والباحثات في المركز، بحيث لا تُجاز وقائع الانتهاكات إلا بعد مرورها بمراحل عدّة.
وبناء على ذلك، يطعن التقرير في مصداقية وموثوقية النتائج التي أعلن عنها الفريق المُشترك، كما يُشكّك في منهجية عمله. لافتًا إلى أنّ النتائج التي أعلنها الفريق، لم تكن متحيزة فقط، إنما تُقدم "صك براءة زائف" لقوات التحالف.
ويضيف التقرير، أنّ الفريق أظهرَ تجاهلًا صريحًا للأضرار المهولة التي لحقت بالمدنيين والبنية التحتية بسبب الغارات الجوية، علاوة على أنه خلص إلى أن معظم تلك الهجمات لم تنتهك القانون الدولي الإنساني، متحيزًا لمزاعم التحالف بوجود أهداف عسكرية مشروعة.
وفي حالات محدودة، أقرّ الفريق المشترك، عن غير قصد، بفشل التحالف في الأخذ بالالتزامات الاحترازية؛ وذلك عقب سقوط العشرات من القتلى والجرحى نتيجة الهجوم على مركز الاحتجاز في ذمار 2019.
وتنم عمليات التحالف غير المشروعة، وفقًا للتقرير، عن أنماط متكررة، تتسبب بوقوع مزيد من الضحايا المدنيين، مثل حدوث هجمات جوية متتابعة لا يفصل بينها سوى مدة زمنية قليلة.
ويشير التقرير إلى سلوك متكرر في الغارات الجوية للتحالف، يتمثل باستهداف البنية التحتية والمنشآت الحيوية المرتبطة بمعيشة المدنيين. واستهدف التحالف مواقع حيوية مثل الجسور وأعيان زراعية ومراكز صحية ومدارس. وخلّف ذلك آثارًا مدمرة على مصادر المياه والغذاء، وتسبّب في زيادة المعاناة الإنسانية، حيث يعاني 80% من اليمنيين في الوصول إلى الغذاء والخدمات الصحية، نتيجة الحرب.
وكان فريق الخبراء استعرض أكثر من 30 واقعة انتهاك للقانون الدولي الإنساني بفعل الغارات الجوية، مشيرًا إلى أنّ قائمة حظر القصف، لا يتم مشاركتها بشكل صحيح في سلسلة القيادة داخل التحالف.
وينظر التقرير إلى أنّ الفشل في تجنيب المدنيين أضرارًا جسيمة، دليل على أنّ التحالف لم يأخذ بالاعتبار مسؤولياته تجاه مبادئ القانون الدولي الإنساني، المرتبطة بالحماية والتناسب. بما في ذلك الفشل في التحقق من طبيعة الأهداف، من حيث كونها عسكرية أو مدنية، وعدم اتخاذه احتياطات في قصف الأعيان المدنية.
ورغم أن التحالف أعلن في 2018، عن وجود قائمة بحظر القصف، تشمل أكثر من 40 ألف موقع، يجري تحديثها باستمرار، فإن قواته فشلت في تفعيل قائمة الحظر NSL. إضافة إلى الفشل في الأخذ بمبدأ النسبة والتناسب عند استهداف منازل في مناطق مكتظة بقنابل واسعة النطاق، وعدم التمييز بما يتناسب مع أهمية الهدف العسكري.
الخضوع للقانون الدولي وإنصاف الضحايا
وترى منظمة مواطنة عبر باحثيها الميدانيين المستقلين، بأن على التحالف التعامل مع تلك الهجمات الموثقة بعدم قانونيتها، بوصفها انتهاكات مُحتملة للقانون الدولي الإنساني؛ وبالتالي الخضوع لشروط القانون الدولي من خلال إنصاف الضحايا عبر تعويضهم، ومحاسبة المسؤولين عنها.
في 2020، أبلغ الفريق المشترك عن وجود ثماني قضايا في المحاكم السعودية، مرتبطة بالعمليات العسكرية للتحالف. لاحقًا، في أكتوبر 2021، أعرب فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، عن قلقه بشأن انعدام الشفافية، والبطء في متابعة التحقيقات القضائية، وذلك قبل حلّه بأشهر، مضيفًا أنّ من خضعوا للمحاكمة المحتملة، هم من يشغلون مناصب صغيرة. ووفق وصف فريق الخبراء، فإن ما ينطوي على تلك القضايا تقييد لقواعد الاشتباك، بدلًا من انتهاك محتمل للقانون الدولي الإنساني.
خلص تقرير"صكوك زائفة" إلى أنّ: نتائج الفريق المشترك تفتقر للمصداقية والموثوقية لسببين رئيسَين؛ الأول على صلة بانعدام استقلالية الفريق، ولو نسبيًّا، والثاني في عجز الفريق عن الوصول الميداني إلى مواقع الهجمات كونه متطلبًا أساسيًّا لأي عملية تحقيق ذات مصداقية. وهو ما اعتمده التقرير، بناء على آلية تحقيق ميدانية نفذها فريق مواطنة
على صعيد آخر، كان التحالف قد أعلن عن إنشاء "اللجنة المشتركة"، وهي لجنة تتولى تقديم المساعدات الطوعية لضحايا الغارات الجوية، كجبر ضرر. لكن التحالف ما زال غير ملتزم بتقديم تعويضات للضحايا، وفقًا للتقرير.
فمن بين 145 ادعاء بأضرار مدنية ناجمة عن غارات جوية، أُعلن عنها في يونيو/حزيران من عام 2019، أقرَّ الفريق المشترك 18 هجمة ينبغي مساعدتها. غير أنّ اللجنة المشتركة لم تقبل سوى 6 حالات فقط. مع ذلك، فشل التحالف والحكومة اليمنية في إنشاء قوائم كاملة بالمدنيين المتضررين.
وقابلت مواطنة متضررين ظهروا في قوائم التعويض؛ لكن بعضهم حصل على التعويض في وقت متأخر من الإعلان في يونيو 2019، وبعضهم الآخر تلقى مبالغ أقل مما أشارت إليه الوثائق الحكومية.
وأنجز التقرير فريق مواطنة من الباحثين والباحثات في وحدة الأبحاث والدراسات ووحدة المساءلة والإنصاف، كما خضع لمراجعة خبيرة متخصصة في القانون الدولي، ومشاركة إدارة منظمة مواطنة، وشريكتها في إصدار التقرير منظمة باكس.
ويقدّم التقرير صورة دقيقة عن الهجمات الجوية غير المشروعة لقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات. وتشمل 80 هجمة جوية من أصل 1026 هجمة، وثقتها مواطنة منذ بداية الحرب في 26 مارس 2015 وحتى مارس 2022. وتسبّبت في مقتل 3599 مدنيًّا، من بينهم 493 امرأة و1201 من الأطفال، كما تسبّبت في جرح 3622 مدنيًّا، بينهم 711 طفلًا، و 459امرأة.
وخلص التقرير إلى أنّ نتائج الفريق المشترك تفتقر للمصداقية والموثوقية لسببين رئيسَين؛ الأول على صلة بانعدام استقلالية الفريق، ولو نسبيًّا، والثاني في عجز الفريق عن الوصول الميداني إلى مواقع الهجمات كونه متطلبًا أساسيًّا لأي عملية تحقيق ذات مصداقية. وهو ما اعتمده التقرير، بناء على آلية تحقيق ميدانية نفذها فريق مواطنة.
وأضاف التقرير بأن أغلبية المعلومات المتاحة التي يقدّمها الفريق المشترك هي محاولة لدحض مزاعم انتهاكات التحالف للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.