مأساة النزوح بلا سند

أم عمران.. معاناة متعددة الأوجه
ضيف الله الصوفي
July 29, 2021

مأساة النزوح بلا سند

أم عمران.. معاناة متعددة الأوجه
ضيف الله الصوفي
July 29, 2021

"لا يصرف على أولاده، ولا يعطيهم أي حاجة"، بهذه النبرة الحزينة- بدت الحياة في عيون أم عمران التي تخلى زوجها عنها، تاركًا لها بلا سند، تتحمل مسؤولية ثلاثة أطفال، في الوقت الذي تفتقر فيه لأبسط متطلبات الحياة المعيشية. 

أم عمران، امرأة في الثلاثينيات من العمر، من منطقة زبيد، المدينة الأكثر تفردًا ببساطة ناسها، تزوجت من (ح.ق)، من محافظة لحج جنوب اليمن، قبل ست عشرة سنة. زوجان كل منهما من مدينة مُختلفة، تزوجا في الحديدة وعاشا فيها لأكثر من سبع سنوات، لتسوء ظروفهما مع البدايات الأولى للحرب ويبدأ حالهما المعيشي بالتدهور شيئًا فشيئًا.

اشتداد وتيرة الصراع آنذاك من جهة، وسوء ظروف الرجل المادية من جهة أخرى، أدخلاه في حالة نفسية صعبة، بحسب أم عمران.

ظروف دفعت بالكثير من اليمنيين، إما ترك البيت والمغادرة إلى مدن أخرى من أجل العمل، أو الانفصال والتخلي عن الأسرة. بالنسبة لهذا الزوج فقد اختار الاثنين معًا؛ طلّق زوجته ثم غادر منزله إلى قريته، مخلفًا عائلته وراء ظهره. بدورها انتقلت أسرته بلا سند إلى مدينة تعز نزوحًا من الحرب التي دارت بالقرب من المنطقة التي تقطن بها في مناطق الساحل الغربي من اليمن.

في دكان صغير وسط مدينة تعز، استقرت المرأة وصغيرها عمران وبنتان تكبرانه بسنوات، وبمجرد استقرارها في الدكان، فاجأها طليقها بعودته ليستقر معهم مجددًا.

تقول أم عمران لـ"خيوط": "عاد حاتم ليصالحني، وقتها، احترت بين عودة الزوج ومصلحة الأولاد، وبين فقدانهم"، لذا وافقت على رجوعه البيت، متأملة كل الخير بعودته، وتوقعت أنه سيتغير، ويساندهم في مواجهة ظروف المعيشة، لكن وفق حديثها، كانت عودته للنوم والأكل والقات والصراخ في وجوهم، مجرد عاطل في وقت كان وضع هذه الأسرة يزداد سوءًا يومًا إثر يوم.

وجدت أم عمران نفسها مُعلقة، تعيش الأمرَّين، حياة المطلقة وحياة الأم التي أثقلها حمل المسؤولية، تقف في المنتصف من أمامها خذلان زوج، ومن خلفها مرارة الأيام المُثقلة بالأعباء والهموم

لقد عاشت أم عمران حربًا عائلية تقتات فيها المشاكل بدلًا عن الطعام، ناهيك عن التعنيف اللفظي والجسدي الذي نالها وأولادها ، إذ لم تتوقف يده عن جلد ظهور أطفالها، حد وصفها. 

امرأة مُعلقة

"كل مشاكلنا بسبب ظروفنا المادية" هكذا لخصت أم عمران معاناتها مع زوجها، مشيرةً إلى أن الفقر والجوع عادةً ما يكونان سببًا للكثير من المشاكل الأسرية، المشاكل التي لا تنتهي بل قد تصل إلى الطلاق والانفصال في كثير من الأحيان.

وتضيف لـ"خيوط": "ضاق بي الحال من الصياح والمشاكل ومن تصرفات زوجي، قلت له طلقني يا ابن الناس، وليذهب كل منا في حال سبيله". لم يتردد الزوج عن طلبها، طلقها للمرة الثانية، وتوجه لقريته، لكن هذه المرة دون رجعة.

وتؤكد أنه تركها قبل ثلاثة أعوام، ولم يعد حتى اليوم، مرجحةً أنه ربما لا ينوي الرجوع، بعد أن أوكل لها مهمة تربية الأولاد والاهتمام بهم، وهي المهمة الشاقة والمُتعبة في ظل ظروفها المأساوية.

 وجدت (أم عمران) نفسها مُعلقة، تعيش الأمرَّين، حياة المطلقة وحياة الأم التي أثقلها حمل المسؤولية، تقف في المنتصف من أمامها خذلان زوج، ومن خلفها مرارة الأيام المُثقلة بالأعباء والهموم.

بلا نفقة شهرية أو أدنى ما يقدمه الأب لأولاده في فترة الطلاق أو ما بعد الانفصال، يعيش عمران وأختاه تحت رعاية والدتهم، بعيدًا عن دور الأب بالرغم من حقهم المكفول بالنفقة طبقًا لقانون الأحوال المدنية لسنة 1991، والذي يلزم الأب بالإنفاق على أولاده إذا كانوا طوال فترة بقائهم عند والدتهم.

الدراسة من أجل العمل

مُعاناة أم عمران تكبر كلما كبرت مطالب أولادها ناهيك عن غياب الأخبار عن زوجها، في وقت ترى بأن رجوعه والعيش معه يزداد استحالة مع مرورها بكل هذه المصاعب وحيدة. 

تُكافح المرأة الجوع بالعمل بعد أن أنهكتها سنوات العناء الطويلة، وتبدو عليها علامات الإنهاك والتعب، وهو ما يمكن أن يقرأه الناظر إلى وجهها بمنتهى الوضوح.

تقول: "غياب الزوج أجبرني على الخروج للعمل، نعم خرجت والرزق على ربك، إذ حصلت على عمل كمنظفة في مكتب إعلامي براتب 70 ألف ريال بالشهر"، وتابعت: "أعمل لأجل أطفالي ونعيش، رغم أن الراتب لا يكفي.

لتحسين الدخل اضطرت هذه المرأة للعمل في صناعة الكيك وبيعها لأصحاب البقالات في الحي، وأحيانًا في صناعة البخور والشامبو وبيعها للناس في الأسواق.

وتؤكد: "أُجاهد نفسي بالعمل هنا وهناك، ومستعدة للعمل في أي مكان، منظفة، ممرضة، مولدة، لا يفرق معي نوع العمل، الأهم أكون قادرة على أن أصرف على أولادي، وأسدد الإيجار والديون التي بذمتي". وتضيف: "أسحب من البقالة مقتضيات المنزل، مثل الرز، السكر، الزبادي، أي شيء أحتاجه، وأحاسبه آخر الشهر حين يصل الراتب"، وتضيف: "صاحب الصيدلية يطالبني بـ50 ألف؛ فأنا آخذ منه علاجات وقت مرض أحد أطفالي، على أن أسددها حين يكون عندي مال".

إلى جانب كفاح هذه المرأة الاستثنائية، فإنها ما تزال شغوفة بالدراسة وأخذ شهادات الخبرة من أجل الحصول على فرص عمل جديدة، فهي خريجة معهد صحي.

تقول في هذا الخصوص، إن إيجاد أي عمل يوفر دخل مناسب يتطلب شهادة جامعية؛ الأمر الذي دفعها إلى العودة للدراسة بذلك الشغف اليومي للدوام، والتطلع نحو حياة وظيفية أفضل. 

تضيف أنها بدأت الدراسة في مجال القِبالة (التوليد) في احد المراكز التعليمية المتخصصة في هذا الجانب؛ وتؤكد عزمها مواصلة الدراسة حتى التخرج، ومن ثم الاتجاه إلى سوق العمل.

تتميز (أم عمران) بشجاعة تُمكنها من العمل وسط مُجتمع يرى بأن عمل المرأة عيب، بل قد يُحَرِمه أحيانًا أخرى، لكنها الاستثناء، امرأة تتمتع بعزيمة قوية بالرغم من قسوة الظروف التي واجهتها وتواجهها.


•••
ضيف الله الصوفي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English