(1926 - 29/ 8/ 2022م)
وُلد الأستاذ المناضل محمد الفسيل في مدينة صنعاء، وهو مؤلف وشاعر. مات أبوه، وهو في السادسة من عمره، فنشأ يتيمًا في كنف والدته، والتحق بالكُتّاب، فدرس القرآن الكريم على يد الأستاذ محمد الثلائي، ثم انتقل مع أسرته إلى حارة الفليحي، فواصل تعلمه في الكُتّاب، في مسجد طَلْحَة على يد الأستاذ عبدالله الحيمي، ثم انتقل إلى مدرسة الإصلاح التي أنشأها الإمام يحيى، ومنها انتقل مع أخيه إلى مكتب الأيتام، فدرس فيها على يد جماعة من المعلمين، أبرزهم الأستاذ عبدالله الخروش، وبعد أن وصل الصف السابع، انتقل إلى المدرسة العلمية، فدرس بها علوم الفقه وعلوم العربية على العلامة علي فضة، والعلامة أحمد عقبة، والعلامة محمد الشرفي، والعلامة محمد بن عبدالصمد، ثم انتقل إلى المدرسة المتوسطة، فدرس فيها مبادئ الحساب، وبعد تخرجه فيها عمل معاونًا لأحد الكُتّاب في دائرة المحاسبة، فتحسّنت ظروفه المعيشية، ثم أصبح أحد كُتّاب مقام ولي العهد أحمد حميد الدين في مدينة تعز عام 1943، وبعد سقوط ثورة الدستور سنة 1948 وإلقاء القبض على زعيمها عبدالله الوزير، كان الفسيل ضمن من سيقوا إلى سجن القلعة في مدينة حجة، فمكث فيه سبع سنوات، وبعد قيام الثورة/ الجمهورية وسقوط الحكم الملكي سنة 1962، عُيّن سفيرًا مفوضًا في روسيا، ثم مستشارًا في السفارة اليمنية في القاهرة، ثم مستشارًا لوزارة الزراعة، ثم وكيلًا لوزارة الأوقاف.
كان المناضل الفسيل تربطه بالأستاذ محمد محمود الزبيري علاقات وثيقة، وقد خرج معه إلى برط، ومعهما الأستاذ عبدالملك الطيب، وبعد مقتل الزبيري شارك في الإعداد لعقد مؤتمر عمران، وبعد خروج القوات المصرية من اليمن عُيّن سفيرًا مقيمًا في الصومال وغير مقيم في كينيا وتنزانيا وأوغندا، ثم عُيّن سفيرًا لليمن في ألمانيا الديمقراطية عام 1974، وفي عهد الرئيس إبراهيم الحمدي عُين مستشارًا سياسيًّا، ثم عضوًا في مجلس الشعب التأسيسي عام 1978، ثم سفيرًا في العراق عام 1983، ثم عضوًا في مجلس النواب عند قيام الوحدة اليمنية عام 1990، ثم في لجنة الحوار الوطني التي عول عليها في حل الخلاف بين شريكي الوحدة، وتم الأمر بتوقيع وثيقة العهد والاتفاق.
عمل محررًا في صحيفة صوت اليمن، وفي صحيفة القات، وفي صحيفة الأيام.
كان معارضًا لغزو علي عبدالله صالح للجنوب، وقد قال له مصارحًا له: "إنّ من يغزو الجنوب كمن يستحل أمه". وقد تُوفّي في أحد مشافي القاهرة، عن مرض عضال.
مؤلفاته:
يتميز شعره برشاقة الألفاظ، وجودة السبك، منه قوله:
وطن ذاب في الطغاة بنوه
وتلاشى في الظالمين وجوده
أثخنته الجراح بين يدي الجلا
د، فانقاد بين يدي من يقوده
وأشد الجراح في جسمه الدا
مي أذاة إمامه وجنوده
ألهبت ظهره السياط وعاقتـ
ـه عن الخطو الوثوب قيوده
وطن غاله من الموت غول
فإذا العبقري فيه بليده
واستنامت مواهب العقل فيه
فتساوى أبناؤه وقروده
وطني، أنت في دمي وضميري
واجب وثقت بقلبي عهوده
استفق أيها الشقي، فقد طا
ل زمان الشقا وطال جموده
أنت إن لم تدفع أذى البطش والظلـ
ـم، فمن عنك في الأيام يذوده
وله من قصيدة أخرى:
خوى قلبه وخوت نفسه
من النبل والطهر والعاطفة
وأفقر من كل شيء سوى
هواه وشهوته الجارفة
يظل مدى عمره خائفًا
يعذب أمته الخائفة
ويحجم عن كل خير، فإن
دعا الشر لباه كالعاصفة
ومنها:
أنا الحرب لا أرهب الظالمين
ولا صولة الملك الغاشم
أثور فأجترف المستبد
وأعصف بالحاكم الظالم
وأقتحم الهول لا أنثني
وأسخر بالخطر الداهم
أأسكت والحق يصرخ في
دمي العاصف الثائر الناقم؟!
وله، من قصيدة بعنوان ذكرى ليلة العرس:
في ليلة ولجت مسربلة بأضواء الصباح
نشوى مزغردة بألحان المحبة والمراح
زُفَّتْ إليَّ عروسي وأنا بها سكران صاحي
ودنوت أستجلي الجمال وقلت أهلًا بالجميلة
فاحمرّ خداها حياء وهي باسمة خجولة
ورنَتْ إليَّ فراعني في وجهها طهر الطفولة
وخشيت أن تحيا معي ذكرى معاناتي الطويلة.
عاش محمد الفسيل حياة مليئة بالنضال والأحداث المفصلية والذكريات التي وثقت تاريخ اليمن الحديث، وكان -بحسب كُتّاب مهتمين بتاريخ اليمن وسياسيين وإعلاميين وصحفيين- أحدَ الآباء المؤسسين الأوائل للحركة السياسية الحديثة المعارضة للنظام الملكي الأمامي، وأحد أبرز المناضلين الأوائل ممن آمنوا بمبادئ الثورة والجمهورية، وتطلعات شعبه في الحرية والتغيير، والعدالة والمواطنة المتساوية التي ناضل من أجلها حتى آخر رمق من حياته.
كما كان قارئ بيان ثورة 26 سبتمبر؛ قائدًا مرجعيًّا حول مخاض الثورة السبتمبرية الخالدة، وسنوات الظلم والقهر ووحشة السجون التي كان الفقيد الكبير أحد ضحاياها، وبطلًا من أبطال الثورة الأوفياء، ورجل دولة، وبرلمانيًّا، ودبلوماسيًّا محنكًا من طراز رفيع في العهد الجمهوري.
المصادر: