قوبلت تصريحات أخيرة، للفنان السعودي محمد عبده، بحالة من الغضب في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ما اعتُبِر تقليلًا من شأن الفنان اليمني الراحل أبوبكر سالم بلفقيه.
وكان الفنان محمد عبده قد انتقد في برنامج "مراحل" مع الإعلامي علي العلياني، الفنانين أبوبكر سالم، وطلال مداح، وقال إنهما لا يمتلكان أغاني وطنية، في إشارة منه لأغاني تمجيد للسعودية، وعندما استدرك عليه الإعلامي بالقول إن أبوبكر قدم أغنية يا بلادي واصلي، سخّف الفنان محمد عبده من قيمة الأغنية ولحنها إلى جانب أغنية أخرى اتهم فيها الفنان طلال مدّاح بالسرقة.
اعتاد الفنان محمد عبده إثارة الجدل في مقابلاته الصحفية، إذ يرى مراقبون أنه بقدر موهبته الغنائية، إلا أنه لا يستطيع أن يتعامل مع المواقف التي تطرح عليه، ما يعرضه للكثير من زلات اللسان.
وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن، بالكثير من التعليقات على تصريحات محمد عبده، حملت الكثير منها صيغة تضامنية مع الفنان أبوبكر سالم، وشاب بعضَها التهور والغضب.
أيمن مطهر الإرياني، نجل الشاعر الغنائي اليمني المعروف يقول في هذا الصدد: "عندما غنى أبوبكر للمكلا وعدن وصنعاء، وعرفنا بفضله سيئون وتريم وسعاد، وتنقّل من شعب عيديد إلى البريقة، وترنم بجبل شمسان وكهوف جبال "خلف"؛ فإنك تشعر أن صوته هو هدير سيول جبال اليمن تصب في وديانها، وتسقيها لتنمو أشجار البن، والفلّ، والورود، وتخضوضر القلوب وتنتعش النفوس".
أما الناشطة فاطمة السياغي تكتب تعليقًا على تصريحات محمد عبده: "أبو بكر سالم صوت عابر للجغرافيا، فنه الأصيل نقل اليمن والحنين لها وللدان إلى مستوى آخر جاوز الحدود وجارى الشجون. في رحلتي لجيبوتي اكتشفت أن فنّه ساد في القرن الأفريقي أيضا، ناهيك عن اليمن والوطن العربي. هامة عظيمة مخضت من الشعر أغاني باقية في الأذن والذاكرة".
أما عبدالرحمن جابر، فاعتبر من جانبه أن الفنان محمد عبده "صوت وأداء جميل لا أكثر (وإن كنت لا أحب كل أغانيه). لكن كإنسان، (..) بلا روح. هذا لا يتعلق بالمقابلة الأخيرة فحسب بل بأكثر من مقابلة. مزايدته ضد أبوبكر سالم وطلال مداح، أظهرت كم هو صغير أمامهم حتى وإن لم يعودا أحياء"، حد تعبيره.
يعتقد المهتمون أن الفنان محمد عبده يواجه أزمة هوية، إذ إن جذوره اليمنية عرضته للكثير من المشاكل في السعودية، ما جعله متوترًا في الكثير في تصريحاته، ومواقفه.
من جانبه، للناقد اليمني علوان الجيلاني رأي آخر، إذ يكتب: "الفنان محمد عبده دهل الحشيبر، عبقرية فنية استثنائية. أجمل من يغني وأفضل من يختار الكلمات. من يقرأ النفي والنفي المتبادل بين فناني مصر عبد الوهاب وأم كلثوم، فريد وعبد الحليم، عبد الوهاب وبليغ، لا يستغرب تصريحات محمد عبده". يضيف: "أبو بكر سالم سيبقى عظيما شاء من شاء وأبى من أبى".
سنحان سنان، من جهته، يرى أن "ما يعيب الفنان محمد عبده هي ثقافته الفنية المتواضعة وقلة حصافته، وإلا فهو قامة فنية عظيمة. وبالنسبة للسعوديين، ففنانهم الأول والثاني والثالث هو محمد عبده، ولديهم الحق في ذلك؛ فأغاني محمد عبده أغلبها لخالد الفيصل، والبدر، ومحمد عبدالله الفيصل، وابراهيم خفاجي، وخالد بن يزيد، وآخرين؛ أي أنّه كان فنانًا سعوديًا بامتياز رفع الأغنية السعودية إلى مصاف عليا".
ويكتب سنحان على صفحته في فيسبوك: "على العكس من أبوبكر سالم، فقد عاش يمنيًا بالصفة والفن، فمن غنى لهم بلفقيه كانوا حسين المحضار، وحداد حسن الكاف، وبن شهاب، وصعد بهم وصعدوا به. كان مكتملًا منذ بدايته. التعريف والنسيج الذي أتى منه بقي عليه إلى أن لقي الله، وتلك عادة أهله الحضارم في كل أرض وزمان؛ الاحتفاظ بالدان والهوية. لكن أبو نورة اليوم يحاول أن يقدم نفسه "وطنياً" أكثر مما يجب، وتخونه بذلك قراءاته وثقافته وأدبه.
كان أبو بكر سالم علّامة وبحرًا للعلوم كلها، من شوارد الشعر إلى حكاية أحاجي القوم في تريم الغناء. يحتاج منا أبوبكر سالم أن نكتب عنه كثيرًا لنفيه حقه، فقد كان صوتنا في العالم كله "عيني على كل من حلّت قليبه اليمن"".
وشاب التوتر علاقة الفنان محمد عبده مع أبوبكر سالم، لكن الأمر كان عميقًا وواضحًا في علاقته مع مواطنه السعودي طلال مدّاح، إذ امتدت التجاذبات إلى وسائل الإعلام. وكان الفنان طلال مدّاح قد اتهم في فترة من حياته الفنان محمد عبده، بتعمد السطو على كلمات أغانٍ كانت مخصصة له.
ويعتقد المهتمون أن الفنان محمد عبده يواجه أزمة هوية، إذ إن جذوره اليمنية عرضته للكثير من المشاكل في السعودية، ما جعله متوترًا في الكثير في تصريحاته، ومواقفه. وهنا يقول الناقد الجيلاني:
"هناك مواقف يجد هذا الفنان التهامي الأصل والفصل نفسه مجبرا عليها، أخبرني الأستاذ محمود الحاج أنه أجرى معه سنة ١٩٧٩ حوارا لتلفزيون اليمن تحدث فيه عن أهله في تهامة، فمنع من الغناء في السعودية ستة أشهر". واعتبر الجيلاني أن "هناك دوافع كثيرة وراء كلامه يجب أن نتفهمها، لذلك أرجوكم، كفوا عن التنمر".
وانعكست هذه الأزمة في تصريحات متضاربة للفنان، إذ قال في لقاء له مع الفضائية اليمنية في العام 2004 أن أصله يعود إلى اليمن، وحيّا من على شاشة القناة عمته وأخته في الحديدة وخاله في المراوعة، لكنه في مقابلات أخرى بدا حذرًا من أن يتم نسب هذه الجنسية له.
وبالرغم من كل هذه التفاعلات، يحسب للفنان محمد عبده، تطويره للأغنية اليمنية وخاصة الحمينية منها، إذ عمل على إدخال الفقرة الموسيقية إلى هذه الأغنية التي كان يتسم أداؤها بالآلة الواحدة إلى جانب الإيقاع. وفي آخر مقابلة له، استدل الفنان اليمني محمد مرشد ناجي بالفنان محمد عبده، عند حديثه عن محاولات تطوير الأغنية اليمنية.