مع تفاقم الأزمات الغذائية والمعيشية ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، دعت الأممُ المتحدة المجتمعَ الدولي والمانحين إلى مساعدة اليمن وتوفير دعم عاجل لأكثر من 18 مليون شخص؛ حيث يواجه المدنيّون في البلاد معاناة هائلة منذ أكثر من 9 سنوات، بسبب الصراع وتدهور الاقتصاد والبنية التحتية والخدمات العامة، فضلًا عن تغير المناخ.
يحتاج اليمن للبرامج والمشاريع التي تستهدف الأسر اليمنية الأكثر عرضة لخطر سوء التغذية، وتقديم مساعدات عاجلة للأمهات، في بلدٍ يحتل المرتبة الأخيرة على قائمة تضم 153 بلدًا، في تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. وغالبًا ما تأكل اليمنيات الكمية الأقل من الطعام، ويكنَّ آخر أفراد الأسرة في تناوله.
كما أنهن يتعرضن للقدر الأكبر من الحرمان، عندما يكون هناك نقص في الغذاء. ويؤثر سوء التغذية بشكل غير متناسب على الأطفال دون سن الخامسة، وكذلك الحوامل والأمهات المرضعات.
في السياق، تشير الاختصاصية في علم الاجتماع، فتحية منصور، لـ"خيوط"، إلى أن تفاقم الأزمة دفع بالنساء إلى محاولة مواجهتها بما أمكن، بالنظر إلى ما تمثله المرأة، والأمهات على وجه التحديد، من ركيزة أساسية لتماسك الأسر وتحمل تبعات الأعباء المعيشية؛ لذا فإنّ كثيرًا من الأمهات يفضلن أن يتناول أطفالهن وأولادهن وجميع أفراد الأسرة الطعامَ، على أنفسهن، وهي عادة قديمة متأصلة قديمة في الأمهات اليمنيات، لكنها أصبحت خلال الفترة الماضية نوعًا من التضحية والمعاناة في سبيل أولادهن وأسرهن.
إحدى الأمهات اليمنيات لا تتناول الطعام غالبًا، إلا ما تيسر منه، في حين يمثل لها إطعام أطفالها وأولادها قبل ذهابهم إلى المدارس أو عند عودتهم، أهمية أكبر من إطعام نفسها بعد أن تقضي معظم يومها منذ الصباح الباكر إلى وقت الظهيرة في العمل الذي يأتي لها بالفتات، لتوفير ما أمكن من طعام لأسرتها.
ويتطلب تنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية لليمن خلال العام الحالي، (2.7) مليار دولار لتحقيق ما وُصف بأنه نهج معزز ومحدد الأهداف للبرامج الإنسانية، إذ أكّد المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية، بيتر هوكينز، أنّ اليمن يواجه منعطفًا حرجًا، وأنّ أمامه فرصة فريدة لاتخاذ خطوة حاسمة بعيدًا عن الأزمة الإنسانية، من خلال معالجة دوافع الأزمة.
وفيما أشار إلى المخاطر الإضافية الناجمة عن ديناميكيات الصراع الإقليمي، شدّد المسؤول الأممي على أن مجتمع العمل الإنساني ملتزم بالبقاء وتقديم الخدمات. وحثّ هوكينز المانحين على عدم التخلي عن الشعب اليمني، وناشدهم مواصلةَ تقديم الدعم العاجل لإنقاذ الأرواح وبناء القدرة على الصمود، وتمويل التدخلات المستدامة.
بعد تسع سنوات من الصراع، لا تزال الاحتياجات في اليمن هائلة. ومع دخول عام 2024، يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد إلى المساعدة الإنسانية وخدمات الحماية. في حين أنّ الاستمرار الفعلي للهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة، والتي انتهت رسميًّا في 2 أكتوبر 2022، قد وفر بعض الراحة للمدنيين، إلا أن الوضع العام في اليمن لا يزال سيئًا، وفق منظمات أممية؛ لذا فإن الاتفاق السياسي الذي يؤدي إلى سلام مستدام هو الحل الوحيد طويل الأمد للأزمة الإنسانية في اليمن.
بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الأوتشا؛ في عام 2024، سيحتاج 18.2 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية وخدمات الحماية. ويواجه 17.6 مليون شخص انعدامَ الأمن الغذائي والتغذوي. ويواجه اليمن معدل سوء تغذية مرتفعًا بشكل مثير للقلق، حيث يعاني ما يقرب من نصف الأطفال دون سن الخامسة من التقزم المعتدل إلى الشديد. ولا يزال 4.5 مليون شخص نازحين، وقد تعرض الكثير منهم لعمليات نزوح متعددة على مدى عدة سنوات.
يأتي ذلك في الوقت الذي أصبح فيه اليمن مركزًا رئيسيًّا للأحداث خلال الفترة الماضية؛ بسبب الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر وباب المندب، في حين لا تزال الصورة ضبابية فيما يخص جهود التسوية السياسية، وتنفيذ خارطة الطريق المتوافق عليها مؤخرًا ويتولى المبعوث الأممي متابعة تنفيذها.
الباحث الاجتماعي، عبدالله الصوفي، يشدّد في حديثه لـ"خيوط"، أنّ الفئات الضعيفة في اليمن، مثل النساء والأطفال، هي الأكثر تأثرًا بالأزمة الإنسانية والمعيشية، إذ فقدَ معظم اليمنيين مصادر دخلهم المتاحة، وانهارت سبل العيش، وتوقفت رواتب الموظفين المدنيين التي كانت تشكّل دورة الحياة الأهم على كافة المستويات.
نقص الغذاء
تقول سميرة أحمد (اسم مستعار)، التي تعمل في جمع المواد المعدنية والبلاستيكية، لـ"خيوط"، إنّ مرض زوجها وعدم قدرته على العمل بعد أن توقف راتبه -كونه موظفًا في إحدى الدوائر الحكومية- دفعها إلى امتهان هذا العمل الشاق؛ حيث تجوب الشوارع والأحياء في صنعاء، للبحث عن هذه المواد والمخلفات التي يتم إعادة تدويرها من قبل مشاغل ومعامل خاصة بذلك.
تضيف أنّ إطعام أولادها وجميع أفراد أسرتها هو هدفها من خوض هذه المعاناة، حيث لا تتناول الطعام غالبًا إلا ما تيسّر منه، في حين يمثل لها إطعام أطفالها وأولادها قبل ذهابهم إلى المدارس أو عند عودتهم، أهميةً أكبر من إطعام نفسها بعد أن تقضي معظم يومها منذ الصباح الباكر إلى وقت الظهيرة في العمل الذي يأتي لها بالفتات، لتوفير ما أمكن من طعام لأسرتها.
في خضم الحرب وتصاعد معدلات التضخم وتغير المناخ، يأتي انعدام الأمن الغذائي ليكون التحدي الأكثر إلحاحًا الذي يواجه اليمن في وقته الحاضر. فعدد اليمنيين الذين يعانون الجوع كل يوم، ارتفع من 10.6 ملايين إلى 17 مليونًا منذ بدأت الحرب في عام 2014.
وقال البنك الدولي إنّ مكافحة التحدي الذي يمثّله انعدام الأمن الغذائي، يتطلب استجابةً متعددة القطاعات؛ ولذلك يتعامل وشركاءَه مع هذا التحدي من زوايا عديدة، بطرقٍ منها: خلق فرص عمل مؤقتة، ومساندة البرنامج الوطني للتحويلات النقدية في اليمن، وتحسين صحة النساء والأطفال، وضمان حصول اليمنيين على مياه الشرب المأمونة.
من أجل المساعدة في مواجهة سوء التغذية والمجاعة بالنسبة لمعظم المنتمين للفئات الأكثر احتياجًا من سكان اليمن؛ يقدم المشروع الطارئ لتعزيز الحماية الاجتماعية تحويلات نقدية، تمثّل جزءًا كبيرًا من الأموال المخصصة للمشروع.
ويوفر المشروع، وفق تقرير صادر عن البنك الدولي نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اطلعت عليه "خيوط"- فرصَ عملٍ حيثما أمكن، للأفراد في المجتمعات المحلية المعرضة للخطر، وهو ما يسمح لهم بكسب أجر نقدي، وفي الوقت نفسه بناء الأصول الأساسية للحياة في تلك المجتمعات.
وبحسب خبراء واستشاريين في الصندوق الاجتماعي للتنمية، فإنه بالإضافة إلى البنية التحتية التي غيّرت الظروف المعيشية والأجر النقدي، تلقَّى المشاركون تدريبًا مهنيًّا في مجالات النجارة والبناء والحدادة والسباكة.
تدهور القطاع الزراعي
تمثل البنية التحتية حجرَ الزاوية للحلول الغذائية المستدامة والتنمية البشرية على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، لا تمكّن الطرقُ الآمنة والمعبدة المزارعين من تسويق محاصيلهم فحسب، بل تسهّل أيضًا توصيل الغذاء بأسعار معقولة إلى القرى. وتضمن خزانات المياه إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب، مما يعفي النساء والأطفال من المهمة الشاقة المتمثلة في جمع المياه، وهو عمل روتيني يستهلك في كثيرٍ من الأحيان ساعات طويلة، وغالبًا ما يحول بين الأطفال وتعليمهم، ولا سيما الفتيات.
ومن خلال تقييم مختلف مؤشرات التعرض للمخاطر والمعاناة، بما في ذلك الحصول على مياه الشرب المأمونة ومعدلات الانتظام في الدراسة، يقترح خبراء البنك الدولي إعطاء الأولوية للاستثمارات في البنية التحتية الأنسب لتلبية احتياجات المجتمعات المحلية.
إلى جانب ذلك، يمثل القطاع الزراعي أهميةً بالغة لمواجهة تدهور الأمن الغذائي، إضافة إلى كونه أهم القطاعات المشغلة للأيدي العاملة. لكن بالمقابل، تبرز العديد من التحديات التي تواجهها الزراعة في اليمن، حيث يشكو مزارعون من ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، وتأثيرات الجفاف والتغيرات المناخية، وتردي شبكات الري المحلية؛ الأمر الذي أدّى إلى انخفاض إنتاج المحاصيل.
على مدى سنوات من الصراع المستمر، لا يزال الشعب اليمني، وفق منظمات أممية ودولية، يواجه مصاعب شديدة، فهناك زهاء 75% من مجموع السكان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، مع نزوح أكثر من 4.3 ملايين شخص من المدنيين.
تم بناء أصول مجتمعية، وفق البنك الدولي، أو إعادة تأهيلها، استفاد منها نحو 660 ألف يمني، وتوفرت فرص عمل مؤقتة لأكثر من 47 ألف شخص؛ 20% منهم من النساء، و15% من النازحين داخل البلاد.
ويعمل نحو ثلاثة من كل أربعة أشخاص في اليمن، معظمهم من النساء، في الزراعة أو إدارة الثروة الحيوانية ويعتمدون عليها في كسب أرزاقهم.
كما يبرز شبح التحديات، مثل الأعاصير والتصحر وندرة المياه، في الأفق بشكل كبير، في حين تتفاقم هذه التحديات بسبب أنماط تغير المناخ التي لا يمكن التنبؤ بها، والتي تؤدي إلى عدم انتظام هطول الأمطار والفيضانات وتقلبات درجات الحرارة.
الوضع الإنساني الهش
على مدى سنوات من الصراع المستمر، لا يزال الشعب اليمني، وفق منظمات أممية ودولية؛ يواجه مصاعب شديدة، فهناك زهاء 75% من مجموع السكان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، مع نزوح أكثر من 4.3 ملايين شخص من المدنيين.
وقد اجتمع كلٌّ من الصراع، والمخاطر الشديدة المرتبطة بالمناخ، واستمرار تفشي الأوبئة، لتتسبب في واحدةٍ من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم، كما تصنفها الأمم المتحدة.
كما يعد معدل سوء تغذية الأطفال من أعلى المعدلات في العالم، ويستمر الوضع الغذائي في التدهور. وأظهر مسح حديث، أنّ ما يقرب من ثلث العائلات، تعاني من فجوات في وجباتها الغذائية، ونادرًا ما تستهلك أطعمة، مثل البقول أو الخضار أو الفاكهة أو منتجات الألبان أو اللحوم، في حين لا تزال معدلات سوء التغذية بين النساء والأطفال في اليمن من بين أعلى المعدلات في العالم، حيث تحتاج (1.3) مليون امرأة حامل ومرضع، و(2.2) مليون طفل دون سن الخامسة، إلى العلاج من سوء التغذية الحاد.
لذا، فإنّ الوضع الإنساني في اليمن هشٌّ للغاية، وأي انقطاع في الإمدادات الحيوية، مثل الغذاء والوقود والأدوية، من شأنه أن يقرب الملايين من الجوع والموت؛ الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى إطلاق نداء عاجل للمانحين لمساعدة اليمن.