السمسرة، لغةً: هي حرفة السمسار، والسمسار جمعه سماسرة وسماسر؛ وهو المتوسط بين البائع والمشتري ومالك الشيء وقيمه، وما زال هذا الأمر شائعًا إلا أنّ المعنى في اليمن قد تطور، وأُطلِق على المكان الذي كانت تجري فيه عمليات السمسرة والتجارة، ويتبادل فيه التجار البيع والشراء، كسمسرة محمد بن حسن بن القاسم (ت: 1079هـ/ 1668م)، وقد فرغ من بنائها في سوق صنعاء عام 1069هـ/ 1659م، وأوقفها لهذا الغرض، واستمرت وظيفتها بهذه الصفة إلى عهد قريب، وقد شاع إبّان العهد العثماني قيام بعض الولاة ببناء السماسر في طريق السفر ومحطاته بين المدن، ويلجأ إليها المسافرون للراحة كما هو الحال فيما يعرف في بلاد الشام بالحانات باعتبار ذلك حسنة جارية، ووسيلة يخلِّدون بها أعمالهم، وبعد الانسحاب العثماني الأول 1045هـ/ 1635م، درج بعض الأئمة وكبار الموسرين على بناء أو إصلاح السماسر التي بات بعضها في المدن (النُّزل) التي تديرها بعض الأسر القروية، وتؤجر فيها غرف بسيطة للنوم، وتقدم الطعام والقهوة، وأطلق على صاحبها مقهوي وزوجته مقهوية؛ لأنّ غالبَ ما يطلب هو القهوة.
وسماسر صنعاء تختلف عن بعضها من حيث الشكل والوظيفة والمسافة والحجم، والقائم منها 28سمسرة للخزن والتسويق، وهذه السماسر كانت تقوم بدور الجمع والحصر النوعي للبضائع والسلع، والخزن، والتسويق، وحفظ الودائع الثمينة والأموال النقدية، وكانت السماسر أيضًا تقوم بدور الأمن والحماية والرقابة والتجارة والجباية (الجمرك، والضريبة، والزكاة).
أنواع السماسر:
- سمسرة الخزن والتسويق: هذه السمسرة مغلقة من الخارج ومفتوحة من الداخل، وتمتاز السمسرة بكبر وسعة مداخلها، وبما يسهل من دخول الراحلات والعربات والسيارات والشاحنات محملة لتفريغ وتحميل البضائع من وإلى السمسرة؛ فهي مخصصة لسلع معينة تقوم باستقبالها وفرزها وتصنيفها ووزنها وجمركتها.
- سمسرة الإيواء: وهذه السمسرة كبيرة، وتمتاز بالحجم وتمدد الطوابق لتصل إلى خمسة طوابق، وخصص الطابق الأرضي للخزن والعناية بالدواب، أما بقية الطوابق فهي مخصصة للإيواء، وخزن البضائع والسلع النوعية والمواد الثمينة وتقوم هذه السمسرة بوظيفة التسويق.
- سمسرة الإيواء المتوسطة والصغيرة (المقاهي): وهذه السمسرة تشمل عدة سماسر، ومن أشهرها "مقهاية" وردة، والمزين، والذريرة؛ وهذه السماسر تقدِّم الإيواء والراحة والقيلولة، وخدمات الغذاء، ويرتادها النزلاء من خارج المدينة وداخلها؛ فهي شبيهة بـ"اللوكندة"؛ أي الفنادق الشعبية.
- سمسرة الجمرك: مكونة من طابقين، وتقع شرقي مركز سوق صنعاء، ويعود تاريخ بناء السمسرة نحو (11هـ/ 17م)، وتختص هذه السمسرة بخزن وتسويق تجارة الزبيب، وتزاول وظيفة إدارة المكوس (الجمرك) على البضائع والسلع التي تدخل سوق صنعاء؛ ولهذا سميت سمسرة الجمرك وهي أكبر سماسر الخزن والتسويق في صنعاء، من حيث الحجم ومساحة الأرضية.
- سمسرة الميزان: وتتكون من ثلاثة طوابق، وتقع في وسط السوق وملتصقة بسمسرة الحوائج القريبة من سوق المخلاص، وتعد هذه السمسرة من الأموال الموقوفة لصالح مسجد الإمام صلاح الدين بن علي، ويعود تاريخ بناء السمسرة إلى سنة (792هـ/ 1291م).
وسميت سمسرة الميزان بهذا الاسم نسبة إلى ميزان الدولة التي من خلاله كانت تتم عملية الوزن بالأوزان المعتمدة من الحكومة، ولا يزال هذا الميزان موجودًا ومعلقًا في الركن الشمالي الشرقي للسمسرة، وهذه السمسرة لها دور كبير في العمل التجاري، خاصة تجارة القشر والبن اليمني، وصارت سمسرة الميزان المركز الرئيسي حتى مطلع السبعينيات من القرن الـ(20م) وتمتاز هذه السمسرة عن غيرها بتطبيق قانون مدينة صنعاء التجاري للبيع والشراء الذي يرجع أصله إلى عهد الإمام المتوكل على الله إسماعيل (1087هـ/ 1676م).
- سمسرة النحاس: ويعود تاريخ بنائها إلى العام (1066هـ/ 1752م)، وتتكون من خمسة طوابق، وتعتبر من سماسر الإيواء الكبير من حيث الحجم، وتقع السمسرة جنوب مركز سوق صنعاء المؤدِّي إلى باب اليمن؛ ونظرًا لأهمية هذه السمسرة وموقعها، فقد تم ترميمها وتجديدها، وتم تأهيلها وتوظيفها لمركز التدريب على الصناعات الحرفية والتقليدية المنتشرة في سوق صنعاء، إضافةً إلى عرض تسويق المشغولات والمنتجات الحرفية والتقليدية التي تصنع فيها.
- سمسرة محمد بن الحسن بن القاسم: وتأتي عمارة السمسرة بأمر من الأمير محمد بن الحسن التي نسبت إليه في العام (1067هـ/ 1656م)، واستمر البناء لمدة عامين، وتعد السمسرة المكونة من خمسة طوابق أكبر سماسر صنعاء من حيث الحجم (المساحي والفراغي)، وتفتح فضاءاتها نحو الداخل على الفناء الوسطيّ المفتوح، وكانت توظف للنزول (الإيواء) والخزن، وتقوم أيضًا بدور البنك في حفظ الأموال والودائع الثمينة، وقد مرت السمسرة بالعديد من عمليات الصيانة والتجديد الجزئي المحدود دون الصيانة الشاملة والكلية، كما أن هذه السمسرة تعد مهجورة منذ العام (1948م) لأسباب عدة؛ أهمها: نزاعات الورثة، وتعمل هيئة الحفاظ على المدن التاريخية على حل القضايا، والبَدء في إعداد الدراسات وعمليات الحفاظ المتطلبة لتشغيلها وفق المعطيات الحديثة.
- سمسرة المنصور: وتمتاز بتكوين معماري متميز بالزخارف. هذه السمسرة يرجع تاريخ بنائها إلى القرن (10هـ/ 16م)، وقد أعيد بناؤها وتجديد عماراتها عدة مرات، كان آخرها من قبل الهيئة للحفاظ على المدن التاريخية، وبمساعدة من الحكومة الألمانية؛ حيث أعيد تشغيل مبنى السمسرة كمركز للفنون التشكيلية، وتعد هذه السمسرة المكونة من خمسة طوابق، من سماسر الإيواء الكبيرة في صنعاء، وقد أوكلت إليها بعض المهام الإدارية، منها تجميع الزكاة.
- سمسرة المزين: وتتكون من طابقين، ويرجع تاريخ بناء السمسرة إلى القرن (10هـ/ 16م)، وتعد هذه السمسرة من السماسرة الصغيرة للإيواء والمقاهي، وقد تغيرت هيئتها وتحورت فضاءاتها منذ نحو (15 سنة).
المصدر:
- الموسوعة اليمنية، مؤسسة العفيف الثقافية، ط2، كانون الثاني (يناير)، 2003م/ 1423هـ.
- محمد تلها؛ كاتب يمني مهتم بالتراث المادي.