منذ أكثر من خمسة عقود، وصوت الشيخ محمد حسين عامر يُضفي على شهر رمضان المبارك نكهةً مختلفة بتلاواته وإنشاده الديني لكثير من الموشحات وقصائد المديح النبوي.
الشيخ الحافظ محمد حسين علي عامر الظاهري، من مواليد قرية الظواهرة، منطقة حيد السواد، مديرية الحداء، محافظة ذمار، عام ألف وتسع مئة وتسعة وثلاثين للميلاد. نشأ في قريته وأصيب بالعمى في الشهر السادس من عامه الأول. لم تكن إعاقته البصرية مقلقة لوالده الشيخ حسين عامر، فقد قام بتحفيظ ولده محمد القرآنَ الكريم حتى ختمه وهو في العاشرة من عمره. كان الشيخ محمد يحفظ القرآن في قريته مدة تسع سنوات، ثم انتقل إلى صنعاء مع والده وشقيقه أحمد الذي كان هو الآخر كفيفًا، ملتحقًا بمراكز تحفيظ القرآن في الجامع الكبير، وكان من أبرز أساتذته: الشيخ حسن شندف، والشيخ عبدالله الطائفي، والشيخ حسين مبارك الغيثي، والشيخ العزي الجنداري، والشيخ أحمد بن حسين الخولاني. وختم القرآن الكريم في غضون سنة وأربعة أشهر، وصار لاحقًا من أهم مشايخ القراءات السبع والمجيدين لها.
أسس الشيخ محمد حسين عامر العديدَ من مدارس التحفيظ في جامع النهرين بصنعاء، والعديد من الجوامع الأخرى، إذ تخرج على يديه العديدُ من حفّاظ كتاب الله، ومن أبرزهم الشيخ الحافظ يحيى أحمد الحليلي. كما درَّس القراءات السبع للكثير من طلابه.
وكان الشيخ محمد حسين عامر قد "انتقل إلى مدرسة (دار العلوم)، درس فيها علم القراءات السبع، ومن شيوخه فيها: الشيخ حسين الجلال، والشيخ محمد علي الأكوع. وبعد ذلك انتقل إلى المدرسة العلمية ودرس فيها بعض المتون، مثل: متن الأزهار في الفروع، ومتن الآجرومية وقطر الندى في النحو، وغيرها من العلوم".
إلى جانب شهرة الشيخ محمد بقراءاته للقرآن، عُرف أيضًا بأنه منشد في الإذاعة والتلفزيون، وكذا الأعراس اليمنية التي كان يُدعى إليها. تحدثنا في هذا السياق إلى الأخ محمد بن محمد حسين عامر حول موهبة والده في الإنشاد، وكيف اكتشفها رغم أنه في الأساس قارئ للقرآن الكريم.
يوضح محمد محمد حسين عامر، أنه في ذلك الحين كان يشترط في المنشد إذا أراد أن يُحيي المناسبات كالأعراس والمآتم والموالد أن يكون فقيهًا عالمًا، الأمر الذي أتاح للشيخ فرصة الظهور مؤدّيًا للموشحات اليمنية بطابعها الصنعاني.
وهو من أوائل المجدّدين للإنشاد اليمني، وأحد المؤسسين لجمعية المنشدين اليمنيين، ومن القصائد التي أنشدها وما تزال عالقة بأسماع الناس: "يا عينُ هذا السيّدُ الأكبر"، "أنا بالله وبالوجه الذي"، "الصَّبرُ حِصن الفتى"، "لو تشتغل بالله". كما أدّى بصوته المميز موشحات مشهورة، مثل: "ربّ بالسبع المثاني"، وتوشيح "يا من تحل بذكره عقد النوائب والشدائد".
أثناء تحرير هذه المادة، أجرينا اتصالًا بالأستاذ علي محسن الأكوع- رئيس جمعية المنشدين اليمنيين، تحدّث لنا عن تجربة الجمعية مع الشيخ محمد حسين عامر. يقول الأكوع: كنّا منذ تأسست الجمعية عام ألف وتسع مئة وتسعة وثمانين، حريصين على استضافة الشيخ محمد حسين عامر، وكنّا نعقد سويًّا الكثيرَ من الجلسات والاجتماعات، خصوصًا في شهر رمضان المبارك. لقد تجاوزت موشحات الشيخ محمد حسين عامر المئة قصيدة، بحسب ما ذكر الأستاذ علي محسن الأكوع. نتذكر أيضًا ممّا أنشد الشيخ عامر "صلِّ يا ربِّ على أحمد محمد المحمود باهي الجمال".
لقد تفرّد الشيخ عامر بنبرة صوت متفردة ومتميزة، سواء في تلاوة القرآن أو في أداء الموشحات والقصائد. يقول نجله محمد: "لا يستطيع أيُّ منشدٍ تقليدَ والدي حتى لو حاول؛ نظرًا لنبرة صوته المميزة والفريدة".
يقول علاء الشلالي، في مادة موسم التواشيح في اليمن؛ نشرتها "خيوط":
"قديمًا، كان محمد حسين عامر، وهو أول مجدِّد للإنشاد في اليمن، ومن أبرز المؤسّسين لجمعية المنشدين اليمنيين- يحرص على أن يقدّم الابتهالات الخاصة بترحيب وتوديع شهر رمضان، التي ظلّت في ذاكرة كثير من اليمنيين حتى بعد رحيله عن الدنيا، ومن أبرز تلك التواشيح: "ودِّعوا يا صائمينَا، شهر ربّ العالمِينَا، عاده اللهُ علينا، وعليكم أجمعينَا".
أصيب الشيخ محمد حسين عامر بالمرض، حتى تُوفِّي في الثالث من يناير، ما وافق الخامس عشر من رمضان، سنة ألفٍ وأربعِ مئةٍ وتسع عشرة للهجرة، ألف وتسع مئة وتسع وتسعين للميلاد.