وُلِد الأستاذ الوزير محمد أحمد الجنيد ونشأ في مدينة الحديدة، وتوفي في مدينة فلنسيا بأسبانيا. وهو مهندس، وسياسي، درس تعليمه الأولي في مدينة الحديدة، ثم انتقل إلى مدينة عدن، فدرس فيها المرحلتين: الإعدادية، والثانوية، ثم ابتعث دراسيًّا إلى بريطانيا؛ فحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة لندن عام 1384هـ/ 1964م.
عين مديرًا تقنيًّا في وزارة الأشغال العامة، ثم نائبًا للمدير، وعضو الهيئة الإدارية في شركة النفط اليمنية، ثم سكرتيرًا في وزارة الأشغال العامة، ثم عين وزيرًا للأشغال العامة عام 1387هـ/ 1967م، ثم رئيس مجلس الإدارة في شركة المخا الزراعية، ثم عين وزيرًا للزراعة عام 1388هـ/ 1968م، ثم أعيد تعيينه في المنصب نفسه خمس مرات كان آخرها عام 1391هـ/ 1971م، ثم وزيرًا للخزانة عام 1392هـ/ 1972م، ثم أعيد تعيينه في المنصب نفسه عام 1394هـ/ 1974م، ثم وزيرًا للمالية عام 1394هـ/ 1974م، ثم أعيد تعيينه في المنصب نفسه في العام التالي، ثم عين نائبًا لرئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية عام 1397هـ/ 1977م، ثم أعيد تعيينه أيضًا في المنصب نفسه في العام الذي يليه، ثم عين وزيرًا للكهرباء والمياه والمجاري عام 1400هـ/ 1980م، ثم وزيرًا للتنمية ورئيسًا للجهاز المركزي للتخطيط عام 1404هـ/ 1983م، ثم محافظًا للبنك المركزي اليمني، ثم عين وزيرًا للمالية عام 1415هـ/ 1994م، ثم وزيًرا للخدمة المدنية والإصلاح الإداري عام 1418هـ/ 1997م، ثم أعيد تعيينه في المنصب نفسه في العام التالي، ثم عين عضوًا في مجلس الشورى.
شارك الفقيد في عدد من المؤتمرات المحلية والدولية والإقليمية، وهو عضو في العديد من اللجان والمنظمات ومجالس الإدارات الحكومية وغير الحكومية، منح وسام مأرب ووسام الوحدة. رحمه الله.
كتب عنه الأستاذ فوزي العريقي على صحفته في مواقع التواصل الاجتماعي، فقال باختصار وتصرف: "رحل يوم السبت الماضي 24/ 7/ 2021، الوزير السابق محمد الجنيد، بعد حياة حافلة بالعطاء.
مسيرة عمل حافلة في أجهزة الدولة والحكومة في وزارات الكهرباء والتخطيط والتنمية والمالية والبنك المركزي والخدمة المدنية، إضافة إلى عضويته في مجلس الشورى ثم رئيسا للجنة العليا للمناقصات، تجعله من أحد الرواد القلائل في بناء الدولة اليمنية الحديثة
وبحسب ما كتبة الأستاذ عبدالباري طاهر نقيب الصحفيين السابق، فقد تخرج من بريطانيا قبل الثورة السبتمبرية، واستقر في مستعمرة عدن، مدرسًا في كلية بلقيس، وعاد بعد الثورة، ليتم تعيينه مسؤولًا أول عن مشروع جميشة الزراعي، والممول من ألمانيا الشرقية، والذي كان مديره الرفيق محمد عبدالله باسلامة. عين في لجنة النقد، والتي كانت بمثابة بنك مركزي للدولة، قبل تأسيس البنك المركزي عام 1971
ووصفه الدكتور مطهر العباسي نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق، بأنه أحد رجال الدولة اليمنية الحديثة وبناتها في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإصلاح النقدي والمالي والإداري على مدى خمسة عقود.
ويقول الدكتور العباسي، تعرفت إليه عن قرب عندما كان وزيرا للخدمة المدنية والإصلاح الإداري خلال فترة عملي في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وكنت مسؤولا عن برامج الدعم الفني في المجال الاقتصادي والمؤسسي، ومن ضمنها برنامج تطوير الإدارة العامة، وقد حرص على أن تكون مشتريات البرنامج من الأجهزة والمعدات عبر مكتب الأمم المتحدة، رافضا أن تتولى الوزارة أي عملية للمشتريات حتى لا يقع في أي شبهة جراء ذلك. ويضيف أن الجنيد وركز جهد الوزارة حينها نحو تنفيذ المسح الوظيفي الشامل لموظفي الدولة وتأسيس قاعدة معلومات متكاملة عن منتسبي الخدمة المدنية ومؤسسات القطاع العام.
وكان الوزير السابق محمد الجنيد محل تقدير واحترام المؤسسات الدولية والاقليمية المانحة، إذ يتحدث الدكتور العباسي في هذا الخصوص قائلاً: "عرفته عن قرب أكثر عندما كنت وكيلا لوزارة التخطيط والتنمية، فقد استطاع حشد الدعم من البنك الدولي لتحديث الخدمة المدنية ومعالجة الاختلالات في نظام الوظيفة العامة، كما كان محل إجماع وثقة الحكومة والجهات المانحة كرجل المرحلة لإصلاح نظام المشتريات والمناقصات الحكومية، عندما تم اختياره رئيسا للجنة العليا للمناقصات".
مسيرة عمل حافلة في أجهزة الدولة والحكومة في وزارات الكهرباء والتخطيط والتنمية والمالية والبنك المركزي والخدمة المدنية، إضافة إلى عضويته في مجلس الشورى ثم رئيسا للجنة العليا للمناقصات، تجعله من أحد الرواد القلائل في بناء الدولة اليمنية الحديثة.
ويؤكد رئيس مصلحة الضرائب السابق أحمد أحمد غالب أن المهندس محمد أحمد الجنيد من كوكبة الرجال الاعلام الذين كان لهم إسهامات مميزة خلال فترة خدمتهم في سلك الدولة وخاصة في المجالات المالية والاقتصادية والتنموية وقضايا الإصلاح المالي والاقتصادي.
اللبنة الأولى للسياسة الاقتصادية
كتب السفير علي محسن حميد، عن الراحل محمد أحمد الجنيد بحزن؛ بادئًا بما كتبه عنه الأستاذ عبدالحميد الحدي في كلمات تفيه حقه. أشاد الحدي بمناقبه، وذكَّرَ أبناء الشعب بهذه الهامة والشخصية الوطنية الصابرة والنزيهة والمثابرة في أدائها في كل المواقع، من تأسيس لجنة النقد والبنك المركزي، إلى وزارة المالية، إلى وضع أول ميزانية للدولة، والجهاز المركزي الذي وضع البرنامج الثلاثي للتنمية، وبعده الخطة الخمسية الأولى، ووضع باختصار اللبنة الأولى للسياسة الاقتصادية والمالية للدولة الجديدة.
يواصل السفير حميد: "كانت أول معرفتي به في يوليو عام 1980، عندما سافرت معه ضمن وفد كبير برئاسته للمشاركة في العيد الوطني العراقي، كان لا يرغب بالسفر إلى بغداد؛ لأنه كان الوزير الذي اعتذر للعراق عن قبول مصفاة نفط عراقية كهدية من العراق لليمن، وبعد خذلان السعودية لنا، وعدم وفائها بمنح مصفاة للنفط". كان يتساءل بأي وجه أقابل المسؤولين العراقيين، وأتحدث معهم عن العلاقات الثنائية وتطويرها؛ لأنهم لن يثقوا بما سأقول؟، كان وقتها نائب رئيس وزراء ووزير المالية.
يستكمل: "لمسنا البرود العراقي الرسمي نحوه بعدم الاستجابة لطلبه المتكرر للقاء الرئيس صدام حسين الذي استقبل كل رؤساء الوفود ماعدا رئيس وفد اليمن، وبعضهم أقل درجة وظيفيًّا كوكيل خارجية بولندا، وكان من ضمن من استقبلهم أيضًا، وهي تستحق، الممثلة البريطانية المناصرة القوية لقضية فلسطين السيدة "فانيسيا ردجريف".
بعد زيارة بغداد زرته في منزله، ووجدت نخلة فضية تزين غرفة الاستقبال، فاقترحت عليه إيداعها المتحف الوطني، ورحب بالاقتراح، ولكنه قال: سيقولون إني أزايد، معلوم أنه بعد اغتيال المغدور به الشهيد إبراهيم الحمدي لم تضف أي هدية تلقاها أي مسؤول إلى المتحف الوطني؛ لأن الجوع التاريخي الذي لازم البعض حتى الممات، كان هو الغالب والمهيمن.
مع الجنيد في لندن
كان يزور لندن مع زوجته الإسبانية لرؤية ابنته جميلة وزوجها المستشار والمسؤول القنصلي وقتها، سمير محمد خميس. كان الرئيس الراحل علي صالح من المواضيع التي تسيطر على أحاديث الكل في داخل اليمن وخارجها حتى قبيل اغتياله. لم تكن انطباعاته عنه إيجابية، لكنه لم يوجه إليه أي نقد شخصي، لكن مما سمعته منه، فقد كان غير راضٍ عن إدارته للسلطة، وفرديته، ومحاولاته أو بطانته خلق صور إيجابية عنه، وبالذات في المناسبات الوطنية. قال عن إحداها، ولعلها 22 مايو، الأستاذ علي الشاطر رئيس التوجيه المعنوي طلب منه كتابة مقال عن الاقتصاد، وإنجازات الرئيس فيه للكتاب السنوي الذي اعتاد التوجيه المعنوي إصداره كل عام عن إنجازات تحققت، وأخرى وهمية أو مبالغ فيها. اعتذر عدة مرات؛ لأنه لم يسبق له الكتابة، ولا يجيدها، ولكن الإصرار استمر؛ لأن تلك كانت رغبة الرئيس شخصيًا كما قيل له. لم يجد بدًّا من الكتابة للكتاب السنوي الذي كان يصدر بحلة أنيقة، ويتضمن كتابات بعض كبار المسؤولين. هذا الكتاب كان فرصة سنوية لابتزاز الوزارات والشركات والتجار لتمويل طباعته، وكان ما يجمع يفوق ما ينفق على الطباعة. أتذكر أن وزارة الخارجية أسهمت في إحدى السنوات بمليون ريال.
كتب الجنيد مقالته، ولكنه عند اطلاعه على الكتاب وجد أن اسمه وحده هو ما كتبه، أما المقال كله، فقد كان مختلفًا 100%!
القرض السوفيتي:
التقيت به في مكتبي مع د. مطهر السعيدي، السفير بلندن ووزير التخطيط الأسبق، وكان شراء القرض السوفيتي (الروسي) هو محور حديثهما، قالا بأن شاهر عبدالحق بموافقة الرئيس صالح، أراد شراء القرض الروسي لليمن البالغ سبعة مليار دولار بـ400 مليون دولار، وأنهما مع علوي السلامي أحبطا مساعي الاثنين، وساعدهما في ذلك مسؤول في البنك الدولي.
رأى أن الشعب اليمني الفقير يجب ألّا يزداد فقرًا فوق فقره؛ لكي تتضخم ثروة صالح وشاهر، وأن صالح كان حريصًا جدًّا على إنجاح الشراء، وأنه لهذا الغرض كلف شخصًا للاتصال بالبنك الدولي، زعم أنه عضو في سفارة اليمن بواشنطن، ولم يكن فيها، وشرح الجنيد ما كان معروفًا عن دخول علوي السلامي السجن السياسي عدة مرات، وإخراجه المؤقت منه وقت إعداد الميزانية لكفاءته، ثم إعادته إلى السجن. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد جاء في مذكرات الرئيس علي ناصر محمد "ذاكرة وطن - جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (1967-1990) أنه في 8 فبراير 1986م، أحضرت السلطة الجديدة في عدن مساجين برلمانيين من السجن لكي يصوتوا ثم تمت إعادتهم إلى السجن" .
علوي السلامي:
قال الجنيد عنه، ووافقه السفير السعيدي أنه مهما كانت أخطاؤه؛ فإن وقوفه ضد رغبة صالح في شراء القرض الروسي يحسب له ويغفرها.
الآن أستطيع أن أنام
أختتم مرثاتي بما قاله المرحوم الجنيد عن سفره ليلًا وبصورة مفاجئة من صنعاء إلى الحديدة مع كل أسر الجنيد المقيمة بصنعاء للمشاركة في دفن قريب لهم في الحديدة. أبلغ الرئيس صالح بأن الجنيد وأسر أخرى عبروا الطريق متوجهين إلى الحديدة. قبل الوصول إلى الحديدة اتصل الرئيس بمسؤوليها ليعلموه عن مكان تواجد الجنيد الذي وصل مرهقًا ونام فورًا، ولكنه استيقظ على اتصال يقول له: إن الرئيس اتصل عدة مرات يبحث عنك. اتصل الجنيد به، وبعد أن اطمأن صالح إلى أن السفر المفاجئ والعاجل كان له مبرراته، قال للجنيد: الآن أستطيع أن أنام. رحم الله الجنيد الذي لم يحظَ وطننا بالكثير من أمثاله.