(2/ 8/ 1354هـ - 5/ 1/ 1414هـ)
(30/ 10/ 1935م - 5/ 7/ 1993م)
الأستاذ المناضل الخطيب المفوّه محمد علي الربادي، شاعر وسياسي، وُلد وتوفي في مدينة إب، درس في عدد من كتاتيبها، ثم التحق بحلقات العلم في الجامع الكبير بمدينة إب، فدرس عددًا من العلوم الشرعية واللُّغوية، ولازَمَ القراءة والاطلاع فنمت ثقافته وتوسعت معارفه. بدأ العمل تاجرًا في دكان صغير يبيع القمح، ثم عمل بالتدريس فترة، ثم عمل إداريًّا في دار المعارف، وبعد قيام الثورة والجمهورية التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1962م، انتقل إلى أعمال عديدة؛ إذ عيّن نائبًا لوزير التربية والتعليم، ثم عمل في المجال الإعلامي فعين مديرًا لمكتب الإعلام في مدينة تعز، ثم وكيلًا لوزارة الإعلام، ثم رئيسًا لمصلحة الإذاعة، ثم وكيلًا لوزارة الإعلام للمرة الثانية، ثم رئيسًا للجنة النشر والتأليف في وزارة الثقافة، وكان آخر عمل رسمي له تعيينه وكيلًا للمجالس المحلية، وبعد قيام الوحدة اليمنية انتخب رئيسًا لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ثم رشح نفسه بصفة مستقلة في الانتخابات النيابية عن إحدى دوائر مدينة إب عام 1413هـ/ 1993م ففاز، واختير رئيسًا للجنة المستقلين في مجلس النواب.
عرف باتجاهه القومي، واشترك في بعض المظاهرات المناصرة لبعض التكتلات القومية؛ فحبس بسبب ذلك، ووقف إلى جانب الثورة والجمهورية، وشارك في مؤتمرات عديدة لمناصرتها؛ مثل مؤتمر عمران، ومؤتمر الجند، ومؤتمر حرض، وجعل من خطبه الأسبوعية التي يلقيها على منبر الجامع الكبير بمدينة إب محاضرة تنويرية يعرض فيها العديد من حقائق الإسلام برؤى عصرية، كما شارك في كثير من الفعاليات الشعبية بكلمات سياسية، وعمل وكيلًا لشؤون المجالس البلدية.
عُرف الربادي بصراحته وجرأته، وتناقل الناس بعض شعاراته الثورية مثل قوله: "لا حرمة لثراء غير مشروع"، وكان محبًّا للقراءة والاطلاع ينزع منزعًا صوفيًّا، وكانت مجالسه مجالس علم وأدب.
توفي الأستاذ الربادي إثر ذبحة صدرية ألّمت به، وصدر كتاب بعد وفاته بعنوان "الربادي الشجرة الطيبة"، أصدرته كتلة المعارضة في مجلس النواب والأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
وقال الأستاذ إبراهيم المقحفي عنه: "الشاعر والأديب والمناضل الوطني الأستاذ محمد الربادي، الذي رحل عن عالمنا في أجواء عام 1993م، كان له صوته الشعري والأدبي القوي، ودوره النضالي من أجل الحرية والتقدم وتحقيق الوحدة، وقد استوفى ترجمته الأستاذ الدكتور حميد مطيع العواضي، فكتب عنه السطور التالية ضمن مواد الموسوعة اليمنية، قال في حقه:
هو محمد علي بن حسن الربادي، وُلد في مدينة إب في شهر شعبان من سنة 1354هـ/ 29 أكتوبر 1935م، وبها تُوفي في يوم الإثنين 15 محرم 1414هـ/ 29 أكتوبر 1935م. تلقى مبادئ القراءة والكتابة في مِعْلَامَتِها، ثم واظب على حلقات العلم في جامع إب الكبير، فنال قسطًا من علوم الدين واللغة، نماه بالاطلاع والقراءة. بدأ حياته المهنية في الخمسينيات تاجر حنطة، فقد كان له دكان يمارس فيه مهنة الحناطة، وصيره منتدى للأدب والثقافة بعمومها آنذاك، وقد عاش تلك السنوات، كما يقول عبدالله البردّوني: "معلمًا متعلمًا حناطًا مثقفًا كاتبًا يريد أن يغير العالم بكلمة. كان دكانه عامرًا بهواة الثقافة..."، وظل طوال حياته شديد الحب للقراءة والثقافة، نشطًا في الأدب والسياسة. غلب عليه توجه قومي عربي واضح ناضل في سبيله، فقد خرج في عام 1377هـ/ 1958م يقود مظاهرة تأييد للوحدة بين مصر وسوريا مناديًا بانضمام اليمن إليها، وسجن على إثر تلك المظاهرة، واحتفظ بهذا المنزع القومي حتى وفاته، وإن كان لم يضع توجهه في إطار حزبي ضيق، وقد عمل في التدريس مدة من الزمن، ثم عمل في دار المعارف إداريًّا، وعند قيام الثورة كان له إسهام متميز بالكلمة والرأي، وقد تنقل في مواقع النضال من أجل الحفاظ على الثورة، وتقلب في مناصبها مكافحًا في سبيلها؛ فقد عين سنة 1385هـ/ 1965م نائبًا لوزير التربية والتعليم، ثم عمل في المجال الإعلامي فترة، ثم عيّن مديرًا لمكتب الإعلام في تعز، ثم وكيلًا لوزارة الإعلام، فرئيسًا للجنة التأليف والنشر في وزارة الثقافة، ثم عيّن في أواخر السبعينيات وكيلًا للمجالس المحلية، ولكنه من حينها استقر في إب بشكل نهائي ولم يعد يمارس أي عمل حكومي، وبقي حتى وفاته بدرجة وكيل وزارة مما اعتبر غمطًا له وإجحافًا في حقه قياسًا بما حواه سجله النضالي، ومشاركاته العملية في صفوف الثورة، ودوره في المؤتمرات التي عقدت بشأنها كمؤتمر عمران، والجند، وحرض، ولعل جرأته وصراحته في تقييم الأوضاع كانا مما جنى عليه وظيفيًّا وعمليًّا؛ فإنه ممن رفع "شعار لا حرمة لثراء غير مشروع"، وغيرها من الشعارات والتعابير التي كان يرددها الناس وتسري في وجدناهم سريان النار في الهشيم.
لقد كان يتمتع بقدرة متميزة على الخطابة، فقد كان خطيبًا في جامع إب الكبير، وكانت خطبه انعكاسًا صادقًا لفكره وتوجهاته. كان معتدلًا في فهمه للدين، متنورًا في تأويل تعاليمه وتفسيرها، ثائرًا ضد تحريف الإسلام الحنيف أو تزييفه أو التذرع به لنيل أوطار الدنيا. كانت له مواقف كثيرة في ردع الظلم والدفاع عن المظلومين، ودخل في صدامات فكرية وكلامية مع بعض المتشددين دينيًّا في مدينة إب، لكنه كان الأظهر حجة، والأوضح بيانًا، والأشد قربًا من مفاهيم الإسلام السامية ومبادئه السمحة. فالصلاة في نظره، ليست عبادة تجريبية تقال، ولا كلمات تطلق هنا وهناك ويرددها المرء لنفسه دون أن يكون بها علاقة بمجتمعه، وإنما هي مرهونة بغاية إقامتها، في النهي عن الفحشاء والمنكر؛ أي في مردودها العملي في واقع الحياة، وفي تعامل البشر فيما بينهم. ولم تقتصر ملكته الخطابية على الدين، وإنما كان أيضًا خطيبًا سياسيًّا بليغًا، اتخذ الخطابة أسلوب نضال ودفاع عن حقوق المواطنين. ما كانت لتخلو أي تظاهرة خطابية تقام في إب من كلمة الأستاذ الربادي التي تلهب المشاعر، وتلامس جراح الوجدان ومعاناة الجماهير. يقول الدكتور عبدالعزيز المقالح متحدثًا عن براعة الربادي في الخطابة، وقدرته في استخدام الكلمة: "لقد استمعت إليه في أكثر من موقف، ورأيته خطيبًا في مقام ديني، وخطيبًا في مجال السياسة، ومتحدثًا في المجال الأدبي، فكانت الكلمات تنثال في لسانه مرتبة دقيقة صادقة سهلة لا تصنع فيها ولا مبالغة. كان هدفه دائمًا الإقناع لا التباهي أو المجاملة، وقد طغت الخطابة على نتاجه الفكري، وكان كما وصفه البردّوني أخطب منه كتابًا؛ حتى إنه ترك الكتابة شهورًا، ويمكنه أن يخطب كل يوم، ولعل هذا ما أكسبه لدى شريحة واسعة من الجماهير شهرة واسعة فاقت شهرة كبار الكتاب والمثقفين من أترابه. كان له منزه(1) صوفي متميز؛ فقد عزف عن المناصب السياسية والتهافت على أطماع الدنيا، وكانت راحته الكبرى تتحقق في تناول القات والقراءة والمناقشة في مجالس اتحاد الأدباء والكتاب في إب. وعند قيام الوحدة اليمنية عام 1990م/ 1410هـ انتخب رئيسًا لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ثم رشح نفسه بصفة مستقل في إحدى دوائر مدينة إب في أول انتخابات تشريعية حرة سنة 1993م/ 1413هـ حاز على أغلبية ساحقة، وفي المجلس المنتخب أصبح رئيسًا لكتلة المستقلين، لكن سرعان ما تُوفي إثر ذبحة صدرية".
هامش:
(1) هكذا وردت، ولعل الصواب منزع.
المصادر: