في حادث سير، توفِّي في صنعاء، مساء الأربعاء، 14 فبراير 2024، الأديب والصحافي محمد صالح حيدرة، عن اثنتين وسبعين سنة. هذا الرحيل المأساوي استدعى الإطلالة على سيرته ومنجزه الأدبي، وخصوصًا رحلته مع كتابة القصة القصيرة، التي ابتدأت حينما كان طالب إعلام واتصال في جامعة القاهرة، في الثلث الأول من السبعينيات، وأصدر حينها مجموعته "هائمة من اليمن" في العام 1974، عن دار روز اليوسف، بمقدمة للناقدة الكبيرة سهير القلماوي. هذه المجموعة أثارت وقتَها الكثيرَ من الضجة، ليس من محمول العنوان فقط، وإنما بجرأتها على تناول الموضوعات المسكوت عنها في وقتٍ كان فيه الخطاب الأدبي والثقافي -خصوصًا في الجنوب اليمني- يتقدم بلافتاته الأيديولوجية الصارمة. وفي 1978، أعاد مرة أخرى إصدار المجموعة بطبعة ثانية، بواسطة لجنة نشر الكتاب اليمني ودار الفارابي - بيروت. وفي العام ذاته أصدر مجموعته القصصية الثانية "مراهقة جدًّا" عن طريق نشر مشترك بين دار الكلمة بصنعاء ودار العودة ببيروت، وفي العام 1980 أصدر مجموعته الثالثة "السحب المسافرة" عن طريق وزارة الثقافة بعدن ودار ابن خلدون ببيروت، وبعد عقد ونصف تقريبًا (1994) عاد وأصدر مجموعة قصصية رابعة عنوانها "بين الخطوط"، نقلت الكثير من أجواء الصراع والحرب في اليمن خلال عقود، وتوجت بحرب صيف 1994.
وقبل وفاته بقليل أعدَّ كتابين للنشر؛ أحدهما عنوانه "رحلة التعب الجميل- أطياف من ثقافة أواخر القرن العشرين"، من المتوقع أن يصدر قريبًا عن منشورات مواعيد بصنعاء، وهو عبارة عن مواد ومقابلات مع رموز ثقافية وأدبية عربية معروفة. أما روايته "السفينة العرجاء" فلا تزال تنتظر النشر.
بعد حرب صيف 1994، عُيّن سكرتيرًا صحافيًّا لنائب رئيس الجمهورية وقتها (عبد ربه منصور هادي)، لكنه لم يستمرّ طويلًا في الموقع، إذ تمت إزاحته لأسباب تتصل بتوجهه المهني ومواقفه التي لم ترُق للطرف المنتصر في الحرب.
حيدرة، المولود عام 1952، في منطقة زغينة - من لودر بلاد العواذل بمحافظة أبين، نشأ في عدن، ودرس الإعلام والاتصال في جامعة القاهرة، لكنه عندما عاد إلى اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، عملَ بعيدًا عن تخصصه الدراسي فترة قصيرة؛ إذ عمل معلِّمًا، قبل أن يعود إلى عوالم الصحافة والإعلام، مُعِدًّا لبرامج إذاعية ذات طابع ثقافي في إذاعة عدن، ومِن ثَمّ مسؤولًا عن الصفحة الثقافية في صحيفة 14 أكتوبر الرسمية خلال السنوات التي سبقت الاحتقان الشديد، وقادت إلى انفجار أحداث يناير 1986.
بعد أشهر من الاعتقال على خلفية الأحداث الدامية، نزح مثله مثل كثيرين من ضحايا الحرب والانقسام إلى صنعاء. وحينما أصدر الطرف الخاسر في حرب يناير جريدته الأسبوعية "كفاح الشعب" من صنعاء، عمل محرّرًا بها حتى قبيل قيام دولة الوحدة بقليل، وبعد الوحدة تمت تسوية وضعه الوظيفي في وزارة الإعلام الموحدة.
بعد حرب صيف 1994، عُيّن سكرتيرًا صحافيًّا لنائب رئيس الجمهورية وقتها (عبد ربه منصور هادي)، لكنه لم يستمر طويلًا في الموقع، إذ تمت إزاحته لأسباب تتصل بتوجهه المهني ومواقفه التي لم ترُق للطرف المنتصر في الحرب.
في قرابة عشرين عامًا، كان أشبه بمتقاعد إجباري، وإن كان يعمل بشكل صوري في الدائرة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام، التي بقِيَ فيها حتى انفجار الحرب في ربيع 2015، وبعدها آثَرَ البقاء في منزله بصنعاء، بدون مرتب مثله مثل عشرات الآلاف من الموظفين العموميين المنقطعة مرتباتهم منذ سنوات طويلة.
تعلّمَ حيدرة الصبرَ والقوة من بحر مدينة عدن التي عاش فيها شطرًا من حياته، وأخذ من عطائه الغزارة، وفي نهاية "رحلة التعب الجميل"، أدرك أنّ "السفينة العرجاء" لن تصل به إلى البرّ سالمًا، فامتطى "السحب المسافرة"، راحلًا إلى البعيد، تاركاً الوطن الذي أحب بعد أن عبثت به أطماع عقول "مراهقة جداً"".
وبرحيله مُنِيَ الوسط الصحفي والأدبي بخسارة فادحة، وفَقْدٌ لا يُعوض، لشخصية أدبية وثقافية وإعلامية بارزة، بعد عقود طويلة من العطاء الأدبي والإعلامي والنضال السياسي والنزاهة المهنية واستقامة الضمير.