يستحوذ كأس العالم في قطر على اهتمام اليمنيين، لما أتاحته لهم من فرصة للمشاركة في أبرز حدثٍ عالميّ في بلد صُنّفت ضمن أسوأ الأماكن في العالم للعيش فيها، نتيجةً لتردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بفعل استمرار الحرب منذ أكثر من سبع سنوات.
وعلى الرغم من غياب اليمن في الكثير من الفعاليات والمحافل العالمية، إلّا أنّ حضور التراث اليمني هذه المرة في الحدث الأكبر في مونديال قطر، قد يعيد للفنّ وهجه وبريقه الشعبي المتوارث، فقد خطف ملاطف الحميدي مساحة كبيرة من الأضواء في هذا المونديال، لما قام به من دورٍ فاعل في التعريف بجزء من هذه الموروثات الزاخرة في اليمن.
على مدى سنوات الحرب في اليمن، كان للفنّ والتراث دورٌ بارز في تجسيد روح الوحدة الوطنية على الرغم من الانقسامات المستمرة منذ سنوات، إذ إنّ الكثير من الفنّانين اليمنيّين في كثير من المحافل الغنائية التي يشاركون فيها يرفعون الهتافات لليمن، داعين إلى وطن موحد يتسع للجميع.
في السياق، يقول المعلق الرياضي المعروف في قنوات "بي إن سبورت" الناقل الحصري لكأس العالم، حسن العيدروس، في تصريح خاص لـ"خيوط": "إنّ للفنّ كما الرياضة، دورٌ فعّال جدًّا في هذا الجانب، فهو قريب للمشاعر ويلامس وجدان القلوب، وهو قوة ناعمة فاعلة تحرّك وتحرّر القلوب التي أسَرتها الغلظة وحبّ العنف والحرب، وثمة الكثير من الشواهد وعلى مدار قرون، قام فيها الفنّ عبر مختلف المبدعين، بهذا الدور.
الوصول إلى العالمية
على مدى عقود، ظلّ اليمنيون متمسّكون بتراثهم الحضاري والفنّي والتي من أبرزها "البَرَع" وهو الأكثر حضورًا في المناسبات الشعبية والوطنية في البلاد، ليصل إلى العالمية، فهو حاضرٌ في مونديال كأس العالم لأول مرة في تاريخ الفنّ والتراث اليمني.
الفنان الشعبي، ملاطف حميدي، ممثّل التراث اليمني في مونديال قطر 2022، على موعد مع إشعال مدرجات ملاعب البطولة العالمية التي تقام لأول مرة في الشرق الأوسط من خلال "البَرَع" وإيقاعاته اليمنية الأصيلة، إذ إنّ عزف البَرَع يعدّ واحدًا من أشهر الرقصات التي تتميّز بها البلاد منذ عقود طويلة.
يقول حميدي، في تصريح خاص لـ"خيوط"، إنّ البَرَع موروث شعبيّ يتوارثه الأجيال في اليمن على مرّ الأزمان، مشيرًا إلى حضوره الكبير في الأعراس، وفي المناسبات الوطنية، وفي حفلات التخرج في الجامعات وفي المهرجانات وغيرها من الفعاليات.
تم اختيار الفنّان حميدي ضمن رابطة مشجّعي المنتخبات العربية المشاركة في نهائيات كأس العالم التي انطلقت في قطر في العشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بمشاركة أربعة منتخبات عربية هي قطر، والسعودية، وتونس، والمغرب.
أسعدت مشاركة حميدي قلوب الكثير من اليمنيين الذين تفاعلوا معه بشكل لافت على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الإعلام المحلي، معتبرين ذلك تكريمًا للتراث اليمنيّ والحضارة اليمنية العريقة التي تعاني الإهمال والتهميش المتعاقب من قبل السلطات المختلفة، في بلدٍ تعصف به الحرب منذ سنوات.
وثّقت قطر أكثر الأعمال اليمنية من ناحية الحقوق المعنوية ككلمات وألحان، في إذاعة صوت الخليج، واستدعت فنانين شبابًا من اليمن، مثل الفنّان: أحمد الحبيشي، وصلاح الأخفش، وبشير المعبري، وشرف القاعدي، وبسام عنبة، وبدر المليحي، وأسامة محبوب، وغيرهم الكثير، لتسجيل أغاني التراث اليمنية وتوثيقها وتثبيت حقوق الملكية لملحنيها وشعرائها.
يؤكّد الصحفي الرياضي ذو النورين الحربي لـ"خيوط"، أنّ مشاهدة فنانٍ شعبيٍّ وصل صداه إلى بطولة عالمية هي الأكثر متابعة ومشاهدة في التاريخ، يعدّ أمرًا مميزًا، ولما يعبر الفنّ من رسالة سامية لكل الشعوب، إذ إنّ ما حصل للفلكلور اليمني "ملاطف حميدي" بمثابة تقدير وتكريم لفنّه الشعبي الذي يُعبّر عن هُوية تاريخية عريقة.
ويضيف أنّ "الفنّ هو لغة كل الشعوب، وعبر الفنّ يمكننا أن نصنع جيلًا واعيًا ومثقفًا، يحبّ الحياة وينشد السلام، ويصنع من الواقع واقعًا جديدًا، وبإمكان الفنّ أن يوحد الشعوب رغم تفرقتها، وينشر السلام عبر الكلمات، ويُشعرنا بحب الحياة رغم قسوتها".
إيقاعات الحميدي
في حين أنّ تنوّع التراث اليمني قد يفرض إحساسًا بالانتماء الجهوي، فإنّ مشاعر الوحدة الوطنية تتجسّد عند مشاهدة التراث كممثّل لليمن في أكبر حدث عالمي، وهو ما عبّر عنه الشارع اليمني.
مالك السلفي، متابع ومشجع رياضي من سكان صنعاء، يقول في هذا الخصوص: "التراث اليمنيّ يرسم حضوره في كأس العالم قطر بصورة جميلة تعكس الحضارة العريقة والفنّ اليمني الجميل بمشاركة الفنّان اليمنيّ الشاب ملاطف حميدي، وذلك بإيصاله الإيقاعات الشعبية اليمنية إلى مدرجات ملاعب مونديال قطر".
ويضيف السلفي لـ"خيوط": "صحيح أنّ اليمن لم تحقّق أي منجزات في كرة القدم العالمية، إلّا أنّ الفنّان ملاطف استطاع أن يوصل الفنّ اليمني الجميل بالإيقاع الشعبي (البَرَع) إلى العالم بأسره، ومثّل اليمن خير تمثيل بإيقاعاته الجميلة من المدرجات".
من جانبها، ترى الصحفية، رئام الأكحلي، أنّ التراث الحضاري والفنّي للبلاد، ووصوله إلى كأس العالم يعدّ من أهمّ الأسباب وراء توحيد قلوب الناس وتجسيد الانتماء للوطن، في ظلّ ما فرضته الحرب من أوضاعٍ صعبة في البلاد.
وترى الأكحلي في حديثها لـ"خيوط"، أنّ "مشاهدة عروض تراثية لليمن في مونديال كبير وحدث رياضي عالمي ككأس العالم، أمرٌ يبعث على الفخر بما تمتلكه اليمن من فنّ وتراث زاخر".
بدوره، يقول الفنّان اليمنيّ والمقيم في قطر، ناصر الرياشي، لـ"خيوط": "يجتمع الكثير حول ملاطف من كل الجنسيات، الكل يرقص على إيقاعاته، الكل يصفّق ويصرخ بحماس بعد انتهائه، وسيطلبون منه أن يعيد دقة البَرَع مره أخرى، الكل هنا يستمتع فقط، لا أحد ينظر إلى شكله، ولا يسأل عن تاريخه، ولا يهتم أحد من أي بلد أنت، الكل هنا يفهمك ويفهم ما تقدمه بدون الحاجة إلى ترجمة".
ويضيف: "ملاطف يُستقبَل بحفاوة واحترام، ويطلق عليه فنّان، ويراه العالم مبدعًا وصاحب موهبة جميلة، إذ إنّه يمثّل التراث اليمني الأصيل الذي نتفاخر به على مر الزمان".
دعم للفنّ اليمنيّ
وثّقت قطر أكثرَ الأعمال اليمنية من ناحية الحقوق المعنوية ككلمات وألحان، في إذاعة صوت الخليج، واستدعت فنّانين شبابًا من اليمن، مثل الفنّان: أحمد الحبيشي، وصلاح الأخفش، وبشير المعبري، وشرف القاعدي، وبسام عنبة، وبدر المليحي، وأسامة محبوب، وغيرهم الكثير لتسجيل أغاني التراث اليمنية وتوثيقها وتثبيت حقوق الملكية لملحنيها وشعرائها.
ويؤكّد الفنّان الرياشي أنّ من أبرز الأسباب الرئيسية وراء مشاركة فنّانين يمنيّين في مونديال كأس العالم 2022 في قطر، هو دعم دولة قطر وتشجعيها المتواصل للفنّ والتراث اليمنيّ، مشيرًا إلى أنّ دور الفنّ مهمٌّ جدًّا في أشهر حدث، كونه يجمع كل العالم، والفن لغة يفهمها الجميع.
من جانبه، يشيد المعلق الرياضي حسن العيدروس، بدور دولة قطر الكبير في دعم الفنّ اليمنيّ، مشيرًا إلى أنّ كأس العالم في قطر يعتبر بطولة لكلِّ العرب، وهو مسرح لكل الإبداعات العربية من المحيط للخليج، ليتم إبرازها لكل العالم.
ويختتم العيدروس: "الفلكلور الشعبي اليمني ركيزة أساسية في الفنّ العربي بصورة عامّة، وفنّ البَرَع هو واحد من هذه الفنون الغزيرة في اليمن بتنوعها في مختلف مناطق السعيدة، وهي حقيقة فرصة لإبراز هذا الفنّ وتصديره لأشقائنا العرب ولكل العالم".