تمكّنت آلاء أحمد (23 سنة)، مصورة ماكرو ومصممة جرافيك، من تنفيذ مشروع بحثيّ جامعي كان يُنظَر إليه في البداية بنوع من التوجس والاستخفاف من أساتذة وزملاء كثيرين لها. المشروع عبارة عن دليلٍ علميّ بصري لأنواع مختلفة من الفطريات يساعد الطلبة والباحثين في علم الأحياء الدقيقة (الميكروبيولوجيا) على زيادة الفهم حول الكائنات الدقيقة وطرق حياتها وتكيُّفها مع المحيط البيئي.
يحمل المشروع اسم "عوالم خفية"، يقول عنه مختصون إنه الأول من نوعه في الجامعات اليمنية، ويرجّحون أنّه مشروع طموح سيُلبّي الحاجة العلمية للدليل البصري الذي تفتقر إليه دراسة هذا المجال في الجامعات، وقد استخدمَت الطالبةُ في إنجازه تقنية تصوير الماكرو، وفيديو ماكرو تايم لابس.
مشروع متميز
يرى الأستاذ الدكتور بلال الفهيدي، عميد كلية الحاسبات في جامعة العلوم والتكنولوجيا، في حديث لـ"خيوط" أنّ المشروع من المشاريع المتميزة والنادرة، ويرقى إلى أن يتم تسجيله كبراءة اختراع في مجال تصوير الماكرو من حيث حداثة الفكرة وجديتها، والمنهجية المتبعة في التخطيط والتنفيذ له، علاوة على الفائدة العلمية التي تخدمه فكرة هذا المشروع في المجالات العلمية.
من جانبه، يقول الدكتور جاود الحمادي، مسؤول برنامج الجرافيكس والإعلام في جامعة العلوم والتكنولوجيا، إنّ المشروع مرجع علمي يفيد الجامعات، سواء داخل اليمن أو خارجها، وبإمكان المهتمّين بالميكروبيولوجيا الإفادة منه بشكل واسع؛ كونه يوفر خدمة تصويرية بأدقّ التفاصيل متناهية الصِّغَر.
من جانبه، استبشر الدكتور عبدالكريم الوصابي، أستاذ الإعلام والجرافيكس بكلية المجتمع، صنعاء، في حديث لـ"خيوط"، بعملية المشروع التطبيقية في مجال الميكروبيولوجيا، منوهًا أنه سيكون رافدًا عمليًّا في تطوير الجانب التعليمي في أقسام الأحياء الدقيقة بالجامعات.
من ضمن التحديات التي واجهت آلاء، خوفُها من الحشرات ومن الكائنات الدقيقة، فضلًا عن تعذر إجراء تجارب زراعة الفطريات بجامعة صنعاء؛ بسبب افتقارها للإمكانات والدعم.
الفكرة والتحديات
آلاء تشرح في حديث لـ"خيوط"، سبب تنفيذها لهذا المشروع قائلة: "جاءت فكرة المشروع عندما أكّد أستاذ لي بجامعة صنعاء حاجة الجامعة لتصوير الفطريات والكائنات الدقيقة، برقت الفكرة برأسي حينها، ومن خلال مجموعة من القراءات حول الموضوع اكتشفتُ أنّ عالم الفطريات مميز وكبير جدًّا، وأن تجسيد هذه الكائنات الدقيقة سيعود بالنفع على طلبة الميكروبيولوجيا، فما كان منّي إلا أن تحدّيتُ نفسي رغم كل الصعوبات، وشرعت بتنفيذ هذا المشروع".
وتشرح آلاء كيف تغلّبت على بعض الصعوبات التي واجهتها؛ ابتداء بعدم امتلاكها العدسات والأجهزة المطلوبة لالتقاط صور عالية الدقة أو ما يطلق عليها عدسة تصوير الماكرو، ولا سيما أنّ أسعار هذه الأدوات باهظة جدًّا، في حين تنفذ المشروع بمفردها؛ ولذلك لجأت إلى استخدام عدسة مقلوبة في تصويرها، إضافة إلى أنّها كانت لا تملك إضاءات للتصوير، ما دفعها إلى استخدام أدوات بسيطة متاحة من منزلها.
ومن ضمن التحديات التي واجهت آلاء، خوفُها من الحشرات ومن الكائنات الدقيقة، فضلًا عن تعذر إجراء تجارب زراعة الفطريات بجامعة صنعاء؛ بسبب افتقارها للإمكانات والدعم، وكذلك الحاجة الماسة لتجهيز البيئة المناسبة للزراعة، نظرًا لتذبذب الطقس أو خطأ ما في الزراعة أو بسبب انطفاء الكهرباء، توضح آية: "ما يعني أنّ عملية زراعة هذه الكائنات قد تفشل في أحايين كثيرة، وبالفعل هذا ما حدث معي حين استوردت بذور المشروم (فطر الأكل) من الأردن، وهيَّأتُ البيئةَ المناسبة لزراعته قدر الإمكان، إلّا أنّ التجربة لم تنجح؛ لعدم ملاءمة الظروف المناخية، وبالرغم من ذلك واجهت هذه التحديات باقتدار وجسارة وصبر ومثابرة، إضافة إلى اختراع حلول بديلة مع كل مشكلة أواجهها".
جهد فريد
من جانبه أشاد مصور الماكرو، مفيد أبو شلوة، بالمشروع وبجهود آية الواضحة التي لمسها كلُّ المهتمين من أعضاء هيئة تدريس أو مختصين وحتى الزملاء، يقول أبو شلوة لـ"خيوط": "بذلت آية جهدًا كبيرًا، وفوق هذا الجهد كانت هناك لمسات فنية وتقنية أسهمت بإخراج هذا المشروع للضوء بأجمل وأدقّ حلة، وتتعاظم أهميته وفائدته لِمَا يمثّله من أهمية تطبيقية للباحثين والمهتمين بمراحل نمو الفطريات، إلى جانب فائدة الرؤية الفنية للمتلقي العام".
الجدير بالذكر أنّ تصوير الماكرو يُعرّف بأنه "التصوير عن قرب، أي: تصوير فوتوغرافي للأشياء بمسافة قريبة جدًّا، وعادة ما يكون للأجسام الصغيرة جدًّا"، ولهذا فهو يحتاج إلى وقت وجهد وأدوات خاصة، ويتطلب خبرة وتدريب وثبات وصبر للوصول لنتائج ذات جودة عالية".
وحول ذلك، يقول محمد قائد، مصمم جرافيكس لـ"خيوط"، إنّ هذا النوع من التصوير مُتعِب جدًّا، لكن الصور التي يتم إنتاجها تفتح مدارك وذهن مصمِّمي الجرافيكس، ومنها يستطيعون استلهام أفكار جديدة ومبدعة، عبر خلق تصاميم من أشياء لا يمكن أن يفكر بها الإنسان العادي، وكذلك هو الأمر بالنسبة لمصممي الأزياء، إذ قد يكون التصوير بالمايكرو مصدر إلهام تنبني عليه تصاميم مبتكرة.
وفي ختام حديثها لـ"خيوط"، تتمنى آلاء أن يتم تبنّي مشروعها من قبل الجهات المعنية وأن يتم تعميمه على الجامعات؛ ليصبح مرجعًا علميًّا لطلبة تخصص الميكروبيولوجيا ولكل المهتمين بدراسة الكائنات الدقيقة، منوهة بأن الوضع الذي يمر به اليمن عامة، والمواطن البسيط خاصة، شكَّل عائقًا أمام تطوير مشروعها ومشاريع أخرى طموحة لكثير من الشباب وقفت الظروف الاقتصادية والأمنية عائقًا أمام تجسيد أفكارهم على أرض الواقع.