ذهبت إلى تلك المناسبة السعيدة، خرجت من القاعة بلا غداء.
لم يقصّر صاحب المناسبة، بل بالعكس، فتح الأبواب لمن يأتي، وهي عادة يمنية جميلة الأبعاد، لا يُرَدُّ أحدٌ من الباب، وفي نفس الوقت تكون مدعاة للعبث! وصلتُ متأخرًا بعض الشيء، كان كثيرٌ من المدعوين قد تغدّوا، تدري ذلك من "ملاخيخ الأسنان"، وقوارير الماء التي يمسكها بعضهم بيد ويغسل الأخرى.
على الباب، يتدافع الجميع بالمناكب، وبعض "المُهَنجِمين" يصِرّون على الدخول بسياراتهم إلى فوق المائدة! زيادة في الهيبة، والبعض الآخر يأتي محمّلًا سلاحه وكذلك مرافقيه.
قال أحدهم: "ادخل القاعة الرئيسية"، نظرت إلى بابها فلم أجده، كان مغلقًا بأفواج من البشر يتدافعون وكأنهم لم يأكلوا طوال أعمارهم! بالطبع لم أستطع، أشار إليَّ وهشام ابني معي؛ أن اذهبوا إلى الخيمة، أطللنا من بابها، هناك الآثار، والناس موزعون هنا وهناك أمام صحون قضى على ما بها من سبقوا.
قررنا أن نعود من حيث أتينا، كانت هناك سيارة وسط الباحة تعجن كل شيء، صاحبها أراد أن يخرج بها قبل الجموع!
بالكاد نفذنا، كان الوقت قد مرّ.
اتجهنا إلى المطعم الكبير، نفس المشهد؛ الكل طالع، والكل نازل، الكل يصرخ، الكل يأكل ولا يأكل، تجلس بعد أن تدفع وتطلب. على السُّلّم ونحن صاعدون، توقفت عيني على طفل لم يبلغ السادسة تقريبًا، يكاد يستطيع المشي محملًا برشاش آليّ ثقيل، والعسيب في وسطه، ورحمتك يا أرحم الراحمين، غلبني فضولي، قلت: "يا أخي خذه عنه؛ حرام"، مسحني من رأسي حتى قدمي، ومن أنفه رد: "وأنت، ما لك؟!"، لحقتها كلمتين ممن كانت معهما، يبدو أنها أم الولد: "قُل ما شاء الله، يا حاج!"، نفذت بجلدي.
الكل يصيح: "يا وليد، هيا". "يا وليد، الملعقة". "يا وليد، الفاين"، "يا وليد، أين حقي؟!"، "يا وليد، يا وليد...".
تجد نفسك تصرخ: هيا ونحن.
تخرج وقد فقدت نصف سمعك.
نذهب إلى المقيل، هناك يوم الحشر، القات والدخان والصراخ والتدافع حتى في السلالم، وكتل من البشر تدخل تسحب وراءها شيئًا، تراه؛ كيسٌ ضخم بداخله قات. كم يا أكياس! والناس معظمهم يتدافعون حول الكيس.
هذا يسلم عليك، وذاك يدفعك بقوة، وذاك يصرخ، وذاك يغني، وهات لك هات.
تخرج يتلقفك من يمدون أيديهم، وهي معركة أخرى، في الشارع أطفال صغار جدًّا يقودون سيارات، وعلى أية حال هي ظاهرة هذه الأيام، و"على عين أبوك يا تاجر!"
تنفذ بجلدك أخيرًا.
لست متعاليًا.
أنا جزء من المشهد العبثي الذي يقول؛ أنْ لا تربية عامة شذّبت سلوكنا.
المشهد كله عبثي بامتياز.
من يضبط الإيقاع؟