يحظى برنامج (طائر السعيدة) بمشاهدة عالية في اليمن؛ نظرًا لتعدُّد فقراته وتنوعها، ما بين: "الرحال، شخصية وصورة، خزنة الحظ، وهدرة على الماشي"، وغيرها من الفقرات، بالإضافة إلى عفوية مُقدمته، المذيعة مايا العبسي.
في فقرة "هدرة على الماشي"، تتحدّث المذيعة اليمنيَّة (مايا العبسي)، مع ضيوفها بعفوية؛ كون من تُخاطبهم أُناسًا عادةً ما تغلب عليهم البساطة والتلقائية.
في إحدى حلقات الموسم الماضي من البرنامج، وجَّهت مايا سؤالًا لبائع "قات":
فأجاب بعفوية:
وفي هذا الموسم، لم تتمكن ذائقة الجمهور المعترض على المذيعة تحديدًا، لا سيما "الفيسبوكي" منه، معرفة الوجهة العامة للبرنامج بكيفيته يُخاطب أُناسًا يجنحون عن الخوض في موضوعات ذات أبعاد ثقافيَّة مُعقدة؛ وبسبب ذلك واجهت مايا حملة إلكترونية بعد حديثها مع رجلين من محافظتَي شبوة والمهرة، قدّم لها أحدهم مهرًا سيارة ومنزلًا، فيما أبدى الآخر استعداده لأن يقدّم لها وزنها ذهبًا أو ألماسًا في حال وافقت على الزواج به.
في الحلقة التي تقدّم بها الرجل من محافظة شبوة لمايا، كانت الأخيرة والمصورون، والمتجمعون في الشارع، والرجل نفسه، يضحكون أثناء حديثهم.
تركّزت الحملة الإلكترونية على المذيعة مايا حول كثرة خُطَّابها الذين يتقاطرون في كل مقابلة تُقدّمها في البرنامج.
ومن المنشورات والتعليقات التي انتقدت المذيعة: "من كثر خُطَّابها بورت"، "اشتهرت مايا بمقطع شايب يتغزل فيها ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم ومحتوى مايا كله غزل وعروض زواج؛ خروج تام عن المحتوى الترفيهي والرسائل الإعلامية الهادفة..."، "لدى مايا العبسي، مشكلة عميقة مع فكرة الزواج، مشكلة ذاتية ربما. هذا ما يبدو لي، بشكل يُربك أداءها في معظم حلقاتها، حين تصل عند هذه النقطة".
بدأت الانتقادات تدور حول مُخالفة البرنامج لأهداف الإعلام الهادف، والرسالة الإعلامية الموجهة، لم يتذكروا رسالة الإعلام الهادف إلَّا من خلال انتقاد برنامج طائر السعيدة والذي تُقدم إحدى فقراته بقالب فكاهي، ويغلب عليه الحوار البسيط الذي يتناسب غالبًا مع المتلقي المتعدد.
الانتقاد غير المُبرّر نال المذيعة بشكلٍ خاص، وتحول إلى تعليقات لاذعة تنتقص من شخصيتها وهيئتها، وحياتها الشخصية كونها لم تتزوج، بل وصل الأمر إلى خروج أحدهم في تسجيلٍ مصور يدعوها إلى الجلوس في البيت؛ لأنّ العين عليها ويقول أنّ هذا رأيه، بل ويسأل متابعيه إن كانوا يتفقون معه؛ باعتبار أنّ الرجال "عينهم طويلة".
المُلفت في الموضوع أنّ هذه التعليقات لم تكن من الرجال وحدهم، لكن حتّى من النساء، يُقال إنّ: "عدوة المرأة هي المرأة"، أحيانًا تَصدق هذه المقولة حين يكون الدافع هو الانتقاد الذي تؤججه الغيرة –إذا جاز القول- أو التجريح بدرجة أساسية، حيث تجد المرأة نفسها في بيئة مشحونة بالكراهية تجاه الآخرين، وهو وسط خصب يحميها لتكتب ما يتناسب مع مزاجها، أو نظرتها الشخصية للنيل من الذات المُلتبسة في داخلها في المقام الأول.
ومن خلال التتبع لهذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما الفيسبوك، يمكن استشفاف أنّ جملة المنتقدين، وبالأخص المثقفين والصحفيين منهم يمارسون التقية حين يختل ترتيب أجزاء الصورة الذكوريَّة عن المرأة في اليمن، فكيف لمايا أن تُحقّق زخمًا يتجاوز الحدّ الذي تسمح به الأعراف الذكورية؟! المرأة مُندسَّة بصورتها وليست واجهة واضحة، هكذا يجب أن تكون في أطراف الصورة ولا تتصدّرها.
الرجل اليمني -غالبًا- لا يتقبّل الاختلاف، فهو يبني مُجمل آراءه على نسق ثقافي ثابت، وبالتالي من الصعب ألّا يرى الاختلاف إلَّا باعتباره تجاوزًا، وهو بالضرورة مرفوض، وبالذات من المرأة، ولكنه قد يُسجل موقفًا يتفق مع المختلف.
إن المُتتبع للحملة التي طالت المُذيعة، لا يجد انتقادًا واضحًا لتصرف الرجلين الذين قدّما عرض الزواج لها، بل بالعكس بُرّر لهما ذلك بأنهما "شيبان مخرفنين" -مأخوذة من لفظة خروف- وإذا ما سلّمنا بذلك فكم عدد المتابعين من الذكور لصفحة مايا العبسي الرسمية على الفيسبوك التي بلغ عدد متابعيها 511,734 شخصًا، ولماذا يتابعونها إذا كان محتوى برنامجها تافهًا؟ لماذا لم يوجّه الانتقاد الصريح للرجل الذي بدا مُتجاوزًا وعرض الزواج بها أمام الكاميرا والناس في الشارع، بل وحاول إقناعها بالزواج به.
نشرت فاطمة واصل على صفحتها، تتساءل: "يا ترى ما هو شعور تلك السيدة التي تشاهد زوجها يعرض الزواج على إعلامية شهيرة في التلفاز وعلى اليوتيوب وعلى كل المساحات تقريبًا، شعورها هي وهي تقابل صديقاتها وجاراتها، بناته وأبناءه؟".
رسالة من عمر العمودي إلى كريستيان بيسري
ما أن تكتب اسم عمر العمودي على محرك البحث، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، حتَّى يتصدر النص الذي كتبه متغزّلًا بالمذيعة كريستيان، والذي قال فيه: "أتُدركين ماذا يعني أنّ شابًّا يمنيًّا يمقتُ السياسة والحديث عنها وسماع أخبارها يقف مشدوهًا بالنظر لكِ مبتسمًا وأنتِ تتحدثين عن كوارث بلده؟ ... سأخبرك حينها أن فيك من السحر ما يجعل الأخبار السيئة محببة، ومن التناقضات ما تجعل الأبكم ينطق..."!
بهذه الكلمات والكثير غيرها، عبَّر عمر العمودي عن إعجابه بمذيعة قناة العربية الحدث (كريستيان بيسري)، وتداول النشطاء في اليمن حينها رسالته لها بشيء من الإعجاب، وتحوّل الحديث عن هذه الرسالة إلى رائج على السوشل ميديا في الوطن العربي ككل، بالمُقارنة بين ما قام به عمر العمودي، وعرض الشبواني والمهري، وتباين تعليقات السوشل ميديا في اليمن بين الموقفين، نلاحظ ازدواجية المعايير، فيما إذا كانت المعنيَّة أو الموجّه لها الحديث يمنيَّة؛ والأمر لا علاقة له بالعادات والتقاليد أو بالإعلام الهادف.
الموضوع يأخذ منحى آخر وإسقاطات تتصل بين النظر للاستحقاق، والتبعية للموجه العام في الثقافة الشمولية للبلد نفسه، حيث يصنع الشخص لنفسه حضورًا بهيًّا وسط الزخم الذي يتألب ضدّ شخص آخر؛ خصوصًا أنّه سيسجل موقفًا مقبولًا ومتوافقًا مع النزعة الجمعية للفكر، ولا يعني هذا أنّ كل معترض أو منتقد بالضرورة يتفق مع هذا التوجه.
لكن الرجل اليمنيّ -غالبًا- لا يتقبّل الاختلاف، فهو يبني مُجمل آراءه على نسق ثقافي ثابت، وبالتالي من الصعب أن يرى الاختلاف إلَّا باعتباره تجاوزًا، وهو بالضرورة مرفوض، وبالذات من المرأة، ولكنه قد يُسجّل موقفًا يتفق مع المختلف أو الاستثناء مع القاعدة، فيما إذا كان ذلك بعيدًا عن سُلطة الرقيب الاجتماعي، وحتَّى هذا القبول الذي يُوعز به الرجل سرًّا يكون مشفوعًا برغبته في تحقيق منفعة ذاتية؛ وهو ما أوردته مايا في منشورها على فيس بوك:
"لماذا تتجاهلون المواضيع الأكثر أهمية التي يتم مناقشتها وتركزون على ما ينقصكم أنتم لتظهروه بشكل خجول من نواياكم التي تشركوني فيها على الخاص، وتُظهرون عكسها من ذم لي على العام؟!".
يُعاني الأفراد في المجتمعات التقليدية من الخضوع للمُسلّمات التي تربَّوا عليها فكريًّا، والخضوع يعني استمرار الأرشفة الفكرية وفق خط ثابت لا يتفاعل مع الزمن، الأمر الذي يجعل التواصل مع الآخر المُختلف مُمكنًا، ولكن وفق اشتراطات؛ أهمّها تحقيق المنفعة الذاتية والعزلة عن المُحيط الاجتماعي.
ولكن يبدو أنّ الوعي الجمعي الموجّه لم يعدّ هو المُسيطر بشكلٍ تامّ، هناك أيضًا الأيديولوجية المُضادّة، وإن ما زالت تخطو خطوات خجولة لمواجهة المُسلمات التي يؤمن بها المجتمع، يقول حسام الدين في مقاله (أصفاد الأيديولوجية: الشيء ونقيضه): "إنّ مأزق أيديولوجية ما، ينشأ عندما تصل تلك الأيديولوجيات إلى غايتها، وتتحوّل إلى مؤسسات وأعراف وعادات، وتحقّق تمامًا ما وعدت به، فتصبح أمام وضع تقليدي جديد تستمر فيه حتى ينشأ انقلاب اجتماعي تاريخي يستدعي رؤية جديدة تعجز الأيديولوجيا السائدة عن توفيرها".
وجود المرأة التي تقدّم نهجًا مُختلفًا لا يلتزم دائمًا بثوابت المركز، لا يعني بالضرورة الخروج عنه، وليس لزامًا عليها اتباعه، وتغطية المرايا حتَّى لا تنكشف عورات الفكر لا يعني أنّ الآخرين لا يرونها، نختلف يحق لنا ذلك، ننتقد وفق أصول النقد، لن نقول البنّاء، لكن من باب عرض وجهة نظر مختلفة بشكل مقبول، فمن غير المنطقي أن ندفن رؤوسنا وندّعي أنّ مجتمعنا لا يُعاني من سطوة الدَّيْمُومَة.
إن تقبُّل وجود المرأة كمؤثرة في المجتمع، استحقاقٌ لا يشترط شهادة قبول من السلطة الجمعية أو القمعية، وكما قالت مايا في منشورها: "تقبّلوا وجود أثر المرأة اليمنية في حياتكم. أنا لا أتحدث عن نفسي هنا، وإنما عن نماذج مختلفة من النساء اليمنيات اللواتي برزن خلال الفترة الماضية على مستوى محليّ وعالميّ أيضًا ولم يجدن من بعضكم سوى التهكم والسخرية والازدراء؛ نصيحة من أخت فتقبّلوها بحبّ".
